انخفاض وتيرة العنف ببغداد يعيد افتتاح مطعم في حي ساخن

صاحبه يخشى إغلاقه مجددا في أعقاب انسحاب الأميركيين

TT

تطلع فاروق التميمي برضا إلى حشد الزبائن الذين ملأوا مطعمه. أولئك المشتبه في أواصرهم بـ«القاعدة» في العراق، وأولئك المشتبه في انتمائهم إلى الميليشيات الشيعية. وكلهم عرفوا أناسا متورطين في أعمال القتل التي دمرت منطقة غرب بغداد خلال السنتين الأخيرتين. لكن ذلك لا يزعج التميمي، الذي يحلم بإضافة الآيس كريم وقهوة الكابوتشينو إلى مطعمه «مأكولات مدينة الشمس»، بديكوره الخارجي الجذاب، وبحوض أسماكه، وكراسيه الحمراء وجدرانه ذات الألوان الصفراء والبرتقالية. ويرتدي النادلون في المطعم قمصانا برتقالية ويظلون يدورون ما بين متاهة الطاولات وعلى أيديهم يوازنون صينيات مملوءة بزجاجات البيبسي. لكن التميمي يتأزم قليلا حينما يفكر بالمستقبل بعد مغادرة الجنود الأميركيين، الذين فرضوا سلاما حذرا في المنطقة، التي هي واحدة من اثنتين تتميزان بأغلبية سنية على طريق الخط السريع الموصل إلى المدينتين المقدستين، النجف وكربلاء. قال التميمي: «لا يعرف إلا الله ماذا سيحدث حينما يغادر الأميركيون».

يمكن القول إن موت وولادة مطعم «مأكولات مدينة الشمس» ثانية يعكس حكاية الحرب الأهلية في بغداد. فالمطعم فتح أبوابه لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2006 وهذا قبل شهر من قيام متشددين بتفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، وما ترتب عليه من انفجار للعنف الطائفي. وبعد عام أغلق المطعم أبوابه بسبب النزاع الطائفي.

ومع استفادة منطقة السيدية من الحشد العسكري الأميركي الجديد في السنة الماضية فتح المطعم أبوابه مرة أخرى قبل فترة قصيرة. يريد التميمي أن يصدق حقيقة الهدوء الجديد، لكنه يعرف أن قدره يتحدد فيما إذا كانت الأحزاب السنية والشيعية القوية سترفع البنادق مرة أخرى ضد بعضها البعض.

والتميمي الذي يرتدي بذلة رمادية وقميصا أبيض وحذاء مصقولا، يتذكر الأيام المبكرة من حياة مطعم مأكولات «مدينة الشمس» قبل عامين، حيث أنه يعتبرها عصرا ذهبيا. وهو يحب اسم المطعم الذي له إيقاع جميل على اذنيه.

واشترى مقلاة خاصة لطبخ «كنتاكي»، وهو التعبير الذي يستخدمه العراقيون للدجاج المقلي. وتتضمن قائمة المأكولات البرغر والستيك وستيك الدجاج والبطاطا المقلية الفرنسية والشاورما وخمسة عشر نوعا من السلطة وأنواعا مختلفة من العصير. وهو يضع إعلانات عن مطعمه في الصحف مع منشورات توزع باليد، وقدم طعاما مجانيا عند افتتاح المطعم ثانية.

لكن السيدية مثل بقية مناطق بغداد تحكم العنف فيها بعد تفجير الضريح في سامراء، وظن التميمي أن القتال سينتهي، إضافة إلى ذلك يحب الجميع الأكل اللذيذ.

بدلا من ذلك، أطلق المسلحون النار على أفراد الشرطة، وسمعت أصوات الطلقات في أنحاء المطعم، وحطم انفجار السيارات المفخخة النوافذ ليبدأ أفراد الشرطة في الدخول.. حطموا الأثاث والأطباق وأطلقوا عيارات تحذيرية، ثم أطلقوا شتائم أمام زبائنه وفتشوا النوادل وطلبوا بطاقات هواياتهم لمعرفة انتماءاتهم الدينية. وكانوا قد اعتقلوا نادلا يحمل اسما سنيا واضحا، وجرّوه إلى خارج المطعم، فيما كان الزبائن يتفرجون على ما يحدث. حاول التميمي الاتصال بصديق لديه علاقات جيدة مع الاميركيين. وكان يعتقد ان أمامهم عشرة أيام لإنقاذ عمر وإلا فإن جثته ستظهر في احد الشوارع. تمكنوا من تتبع مكان احتجازه ونجحوا في إطلاق سراحه، لكنه رفض العودة إلى العمل. وبنهاية يناير 2007 تراجع بيع الساندويتشات من 200 إلى 100 فقط في اليوم، وقرر التميمي إغلاق المحل. وكان يأمل في ذلك الوقت في تحول الأوضاع وقرر الاحتفاظ باثنين من الطهاة الذين يعملون معه. وبنهاية ابريل (نيسان) 2007 دخل أفراد من «لواء الذئب»، وهو احد وحدات الشرطة منطقة السيدية، وأقاموا حواجز تفتيش بالقرب من مساجد سنية. واتهم السكان أفراد هذا اللواء بالسعي إلى قفل الشوارع تسهيلا لعمليات ميليشيات «جيش المهدي» وتزويد المقاتلين بزي الشرطة. وكرد فعل لأعمال الميليشيات الشيعية ازداد التأييد لمجموعة «القاعدة في العراق».

إلا ان الأوضاع تحسنت تدريجيا، ونجح عسكريون اميركيون في وقت لاحق من الاتصال بشخصيات سنية وشيعية بارزة من السيدية، وبدأوا عقد اجتماعات معهم بهدف إنهاء العنف. فكر التميمي، الذي فر إلى سورية، في مسألة العودة. فقد عاد شقيقه أولا وأكد له ان الوضع بات مستقرا. زار التميمي ووجد عشرات المنازل قد احترقت بفعل السيارات المفخخة وواجهات المتاجر قد ظهر عليها أثر الرصاص ومسجدا شيعيا نسفت مئذنته. وفي 20 مارس (اذار) اعاد التميمي افتتاح مطعمه في حفل حضره قادة في الجيش الاميركي والعراقي ومسؤولون في المجلس المحلي من السنة والشيعة.

وفي الطابق العلوي في غرفة الطعام كان الشيخ عليوي عيسى عبيدي، وهو واحد من 13 سنيا الاعضاء في مجلس حي السيدية المحلي، يتناول السلطة بيد ويمسك بابنه الصغير الجالس في حضنه. ولم يشعر بالحرج هو وعدد من اعضاء المجلس بالاعتراف بإنهم قاتلوا او ايدوا الجماعات المسلحة في المعارك الاخيرة مع لواء الذئاب. وكان علي العامري زميل عبيدي الشيعي ورئيس المجلس المحلي المكون من 26 عضوا، يجلس على مائدة مجاورة ويتبادل الابتسام مع عبيدي.

ويوجد تاريخ غير مكتوب بين اعضاء المجلس السنة والشيعة. فقد تعهد الجانبان بالعمل معا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لإعادة بناء الحي، الا ان السنة كانوا على قناعة بأن الحكومة الوطنية تريد ان يتولى الشيعة الامر. وقد ارسل رئيس الوزراء نوري المالكي وهو شيعي ممثلين لمراقبة اجتماع المجلس لاختيار العامري، الذي يعتبر مقربا من اعضاء جماعة بدر، الشريك في الحكومة الوطنية، وكأنه يؤكد شكوك السنة.

وعلى الرغم من التوتر اكد اعضاء المجلس السنة انهم يعتبرون العامري رجلا لطيفا. وهم يعرفون ان «القاعدة» قتلت اثنين من اخوته. وقال العامري «انتقم عبر السلام والسياسة». وقال انه يريد المحافظة على التوازن الديني في الحي.

وفي يوم من الايام كان واحد من الزبائن يجلس على مائدة مع مجموعة من الاصدقاء يتناولون «شاورما اللحم والبطاطس المقلية»، وتذكر كيف تناول طعامه هنا في عام 2006 وهو متوتر، وقال انه كان يتوقع توترا سريعا اذا ما انسحب الاميركيون من الحي.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»