عراقيات يفضلن التسول على أبواب المنطقة الخضراء

إحداهن: الصدقات هنا أكبر بكثير من مناطق بغداد الأخرى

TT

كل يوم ولمدة تزيد عن 10 ساعات يقف عدد من النسوة العراقيات بعضهن يحملن اطفالا رضع واخريات يرافقهن عدد من اطفالهن الصغار على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد بانتظار من يتصدق عليهن بمبلغ مالي بسيط، واحيانا يتم منحهن طعاما من قبل الجنود الاميركيين والعراقيين، الذين يستعطفون على اطفالهن فيعطونهم بعض الحلويات والفاكهة وقناني المياه المعدنية.

بعض هؤلاء النسوة يأتين من محافظات مختلفة ويسكن في مبان مدمرة تابعة للدولة وبعضهن يسكن فنادق شعبية ذات خدمات رديئة جدا مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز 4 دولارات للغرفة الواحدة، فيما تسكن اخريات في الاحياء الفقيرة للعاصمة بغداد، الامر الذي يدفعهن لتغطية وجوههن عند قيامهن بالتسول خوفا من ان تتم رؤيتهن من قبل اناس يعرفونهن، في هذه المنطقة التي يدخلها كل يوم مئات العراقيين للعمل بداخلها.

احدى هؤلاء النسوة وافقت على التحدث لـ«الشرق الاوسط» عن طبيعة عملها والأسباب والظروف التي أجبرتها على التسول، لكنها طلبت عدم اخذ صورة لها كشرط لحديثها، وقالت «ضيق العيش الكريم بعد وفاة زوجي المعيل الوحيد لي ولأطفالي الاربعة دفعني للبحث عن عمل، لكن لم تكن هناك اي وظيفة وكل مكان اذهب اليه تغلق ابوابه بوجهي، ولم اجد غير الصدقة من قبل الناس كمصدر لأعيش به انا وأولادي الصغار». واضافت المرأة وهي في بداية الاربعينات من عمرها وعرفت نفسها بـ«ام عبدالله» «انا على هذا الحال منذ اربع سنوات، وما اجنيه انفقه على اطفالي لاغراض الاكل والعلاج فاثنان منهما مريضان ويرقدان في الفراش وترعاهما شقيقتهما الكبرى اثناء خروجي من البيت، ولم يطرق الباب علينا احد من الحكومة او غيرها لإعالتنا الا اولاد الحلال من ابناء المنطقة وغيرهم».

وعند سؤالها عن السبب الذي دفعها للمجيء الى هذه المنطقة الخطرة والتسول في احدى نقاط التفتيش، قالت «ما احصل عليه هنا افضل بكثير من بقية الاماكن، وعلى اقل تقدير اخرج بوجبات طعام لي ولاطفالي لعدة ايام وهو الغاية الرئيسية من عملي، فضلا عن قيمة الصدقة في هذا المكان تكون اكبر مقارنة بما كنت احصل عليه في مناطق اخرى من بغداد».

وعند «نقطة التفتيش رقم واحد»، وهي البوابة الرئيسية للقصر الجمهوري سابقا ومدخل وزارة الدفاع حاليا، تتوجه للخارجين من تلك البوابة بعض النسوة والفتيات وهن يتشحن بالسواد ويطلبن من المارة التصدق عليهن بالنقود تحت اعذار وحجج مختلفة، فبعضهن تقول «اطفال جوعى» والاخرى تقول «لدي يتامى أرعاهم»، وثالثة تستقبل المارة بالدموع وتخبرهم بان ابناءها مرضى وتحتاج المال من اجل علاجهم، والقائمة تطول بالاعذار والشكاوى والحجج التي تدفع بهن لممارسة مهنة التسول بشكل يومي .

وتقول خمائل عبد المحسن الباحثة الاجتماعية والناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل «ان عمليات العنف وما رافقها من تهجير ونزوح قسري، وانتشار الفقر وما آلت اليه حال الساكنين في المخيمات النازحين من بطالة وعدم القدرة على سد رمق العائلة ساعد على تزايد اعداد المتسولين في الشارع العراقي، واستفحال هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع».  وتضيف عبد المحسن لـ«الشرق الأوسط» ان «تقاعس الدولة في الوقت السابق والحاضر على حدٍ سواء في ميدان محو الامية والجهل، والترنح في تطبيق اسس هذا المضمار اثر بشكل كبير على تعاظم هذه المشكلة ونظرة المجتمع للذين يمارسونها»، مؤكدة ان «المجتمع المتعلم اكثر مناعة امام اعصار التخلف والجهل والفقر، من المجتمع الجاهل الذي يسهل اختراقه بتمكين عدوى التشرذم ان تدخل الى مسامات هذا المجتمع».

وتوضح عبد المحسن ان استمرار معاناة العوائل المهجرة التي سكنت على أطراف المدن، وبعضها التجأ الى مناطق شعبية وسكنت في قطع الأراضي المتروكة او بنايات الدولة المدمرة، ساعد على تفاقم ظاهرة التسول، مشيرة الى ان البعض منهم بدأ يطلب مواد تموينية من المنازل المجاورة في الحي الذي يسكنونه بحجة صعوبة الحصول على المواد التموينية المخصصة لهم من مناطقهم التي اخرجوا منها قسرا، وفي بعض الاحيان يشارك الاطفال الذين لم يلتحقوا بمدارسهم ذويهم في ممارسة مهنة التسول.

وكانت وزارة الداخلية العراقية اطلقت مؤخرا حملة لجمع المتسولين، ويقول اللواء عبد الكريم خلف مدير مركز القيادة الوطنية في وزارة الداخلية، ان «الوزارة اطلقت حملة واسعة لجمع المتسولين والمختلين عقليا من الشوارع لمنع استغلالهم في تنفيذ هجمات ارهابية»، مؤكدا بان هذه الحملة ستتم بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من خلال توفير المأوى لهؤلاء المتسولين والمختلين عقليا وتاهيلهم ليكونوا نافعين في المجتمع. وتكشف البحوث والدراسات الميدانية التي اصدرتها منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة والطفل في العراق عن تزايد ظاهرة التسول خلال الفترة التي يزداد فيها الوضع الأمني سوءا في البلاد.