أبو الغيط: 2008 لن يشهد حل الأزمة اللبنانية وموضوع رئاسة الاتحاد من أجل المتوسط سابق لأوانه

وزير خارجية مصر في حوار مع "الشرق الأوسط": القمة الخماسية في شرم الشيخ غير مؤكدة وإسرائيل لم تعلن رغبتها في الحضور

أحمد أبو الغيط (أ.ف.ب)
TT

نادرا ما يعطي وزير خارجية أو مسؤول، موعدا للقاء صحافي، الساعة السابعة صباحا. لكن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط صباحي، إذ يبدأ نهاره في الخامسة. وموعدنا الصباحي معه في فندقه في باريس، التي جاءها مع الرئيس المصري حسني مبارك، بعد أن كان فيها يوم السبت الماضي، أتاح الغوص في تفاصيل ثلاث مسائل رئيسية، كانت مدار تباحث مع المسؤولين الفرنسيين، وهي الملفات: اللبنانية والفلسطينية والاتحاد من أجل المتوسط.

وبالنسبة للملف الأول، يبدو أبو الغيط متشائما من إمكانية حل سريع، إذ يستبعد أن يتم الخروج من المأزق اللبناني في العام الجاري بسبب تعقيداته الداخلية والإقليمية وحسابات بعض الأطراف. ولذا يدعو الوزير المصري الأطراف اللبنانية، الى قبول الحوار، ولكن مع اشتراط توافر ضمانات حتى لا يكون الحوار مضيعة للوقت، ولتفادي الانزلاق الى الأسوأ، وهو بذلك يدعو الى إدارة الأزمة، إذا كان من الصعب حلها الآن. وفي الموضوع الفلسطيني، يشدد أبو الغيط على الحاجة الى الوصول الى تهدئة بين إسرائيل وحماس. ويلقي الوزير المصري اللوم سلفا على إسرائيل، في حال لم تعقد القمة الخماسية بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة الشهر المقبل. وبحسب ما قاله أبو الغيط، فإن الرصد العسكري المصري، يؤكد أن إسرائيل تحضّر لعمليات عسكرية واسعة ضد غزة، وهو ما تسعى القاهرة لتفاديه، من خلال العمل على هدنة بين حماس وإسرائيل. ورغم الدور النشط، الذي تقوم به مصر على صعيد الاتحاد من أجل المتوسط، فإن أبو الغيط يعتبر أن الخوض في موضوع رئاسة الاتحاد واحتمال أن تعود إلى مصر في شقها المتوسطي غير الأوروبي، أمر سابق لأوانه.

* الفرنسيون قلقون من عدم حصول تقدم على مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان هذا الموضوع مدار بحث في اللقاء مع الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة فيون. ما هي الرؤية التي نقلتموها للفرنسيين حول هذا الموضوع؟

ـ الجانب الفرنسي استمع للشرح المصري ولمنطلقاتنا في التعامل مع الملف الفلسطيني والوضع الحالي الضاغط على القضية الفلسطينية. نحن اوضحنا رؤيتنا بخصوص ما يجري في المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما وصلنا اليه في مساعينا من أجل الوصول الى تهدئة بين حماس من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. الوضع الفلسطيني عرف انقساما عميقا أدى الى تعقيدات بالغة للفلسطينيين في مفاوضاتهم مع إسرائيل. شرحنا للجانب الفرنسي ما يحدث على مثلث مصر، إسرائيل، حماس. نحن نعتقد أن هناك حاجة ملحة للتوصل الى تهدئة ووقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس. وللوصول الى ذلك لا يكفي الاتفاق فقط على وقف لإطلاق النار ولكن يجب أن يشمل وقف النار مجموعة عناصر إضافية تحقق لكل طرف ما يريده من أهداف. وطرحنا يدور حول ثلاثة عناصر أساسية: وقف إطلاق النار من الجانبين بشكل صارم بحيث لا تحصل عمليات عسكرية إسرائيلية لتصفية الناشطين الفلسطينيين في غزة، في المقابل وقف إطلاق الصواريخ وتوقف العمليات من جانب حماس. والعنصر الثاني يقوم على تبادل الأسرى، أي الإفراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط مقابل الإفراج عن عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين.

* يقال إنكم اقترحتم الإفراج عن 400 أسير فلسطيني؟

ـ في حدود الـ 400 سجين. نحن نسمع الكثير من المبالغات والمزايدات من الجانب الفلسطيني من نوع: نريد الإفراج عن ألف، ألفين أسير.. : هذا كلام لا يصح ويعكس من جانب حماس تفاوتا في المواقف والآراء وعدم وجود وضوح كامل بمعنى وجود خطة واحدة لديهم بحيث يتحدثون بصوت واحد. هم يعبرون عن آراء مختلفة ونحن نسمع عن رؤية هنا ثم عن رؤية نقيضة من طرف آخر في الداخل أو الخارج الفلسطيني. أما النقطة الثالثة فتتناول، الى جانب وقف النار والأسرى نستطيع أن نحقق فترة التهدئة بشكل يؤدي الى فتح المعابر على كافة المنافذ إسرائيل ـ فلسطين وـ مصر (معبر رفح) ويفتح بالشكل الذي كان يدار به سابقا أي أن يتواجد مراقبون أوروبين وعناصر من السلطة الفلسطينية لكي يؤمنوا حضور السلطة الفلسطينية أي وجود شرعي للفلسطينيين.

* أي العودة الى ما كان عليه الوضع في يونيو (حزيران) الماضي؟

ـ بالضبط ، هذا يمكن أن يفتح الطريق لكي تكون المفاوضات عاقلة وهادئة تمكن الرئيس الفلسطيني من جهة وإسرائيل من جهة ثانية من التفاوض من دون منغصات ومن دون قيام إسرائيل بعمليات عسكرية دموية في غزة وفي نفس الوقت من غير إطلاق صواريخ على إسرائيل.

أين صرنا؟ نحن نعرض أفكارنا على الجانبين ونتلقى ردودا ونتلقى استفساراتهم وأسئلتهم وننقلها الى الطرف الآخر ونقرب من وجهات النظر ونقول لهذا الطرف: أنت لا تستطيع أن تطالب بهذا لأن معناه كذا وكذا ونذهب للطرف الآخر ونقول: الطرف الآخر يرغب بتحقيق هذا الهدف ونرجو أن تعطونا جوابكم. الآن، ننتظر ردود حماس وقد جاء وفد منها الى القاهرة ثم سافر الى دمشق لمناقشات فلسطينية حمساوية ـ حمساوية وسوف نرى كيف يتصرفون وكيف ستتصرف إسرائيل في مواجهة هذا الوضع.

غير أنني أريد أن أشير هنا الى وجود نوايا عسكرية إسرائيلية ضد غزة.

* تتحدثون عن اجتياح؟

ـ أقصد عمليات عسكرية كبيرة والرصد العسكري عندنا يرى أن هناك توجهات لعمليات عسكرية كبرى ضد غزة والأحاديث الإسرائيلية تؤشر الى نوايا من هذا النوع. ونحن نسعى لإجهاضها وتفادي هذه النوايا والحؤول دونها عن طريق الإسراع في التوصل الى اتفاق التهدئة بما يسقط يد إسرائيل ويقيدها ولا يعطيها الفرصة لكي تقوم بهذه العمليات التي تخطط لها. هذه هي المرحلة التي نمر بها.

نريد التهدئة إذا لفتح الطريق من أجل مفاوضات سلسة. هذا ما نقلناه الى المسؤولين الفرنسيين الذين استمعوا الينا باهتمام شديد وعبروا عن تقديرهم لما نقوم به. وطرح الجانب الفرنسي أسئلة عن وضعية العلاقة بين حماس والسلطة وعن كيفية إعادة توحيد الصف الفلسطيني. ورؤية مصر للموضع هي التالية: إذا أراد الفلسطينيون إعادة توحيد صفوفهم فهذا شأنهم. لكن المؤشرات المتوافرة تفيد أن الرئيس محمود عباس يشترط عودة حماس عما يعتبره انقلابا قامت به في غزة، وتقديم الاعتذار عنه وبعدها يفتح باب التفاوض مجددا بين الجانبين. وفي تحليلنا أنه إذا عاد الفلسطينيون الى حكومة الوحدة الوطنية، فإن ذلك سيدفع إسرائيل الى وقف التفاوض لأنها ترفض التعامل مع حماس وترفض مواقفها تجاهها.

* يعني أن الوضع سيكون على ما كان عليه عندما كانت حماس في السلطة وهذا ما قلته في واشنطن؟ ـ لم اقل هذا الكلام في واشنطن رغم أنه يعبر عن الموقف المصري. لم آت على ذكره في واشنطن ويبدو أن هناك من لا يقرأ الإنكليزية.

* من تعني؟ ـ الذين ترجموا كلامي ولذا قمنا بتصحيح الموقف وقلنا إن وزير خارجية مصر لم يتحدث في هذا الأمر. أعود الى الموضوع الأساس، أي المفاوضات، نحن نرى أنه عندما تتمكن السلطة من التفاوض ومن الوصول الى مشروع اتفاق مع إسرائيل، عندها سيطرح على الفلسطينيين في الضفة وغزة في استفتاء أو في انتخابات وعندها يتعين على الجميع أن يلتزموا رؤية الشعب الفلسطيني ويبدأ النظر في كيفية التطبيق.

* الملف اللبناني ـ تمت مناقشة الملف اللبناني مع المسؤولين الفرنسيين نتيجة اهتمامهم الشديد بالموضوع.

ثمة اقتناع بأن الوضع اللبناني لن يسوى في المستقبل القريب، أي لن تحصل انفراجات خلال اسبوع أو اسبوعين وأننا سنضطر للتعامل مع الوضع اللبناني لفترة طويلة، حل الوضع ليس ليوم غد.

* الى متى يجب أن ينتظر اللبنانيون الحل؟

ـ لا أستطيع أن أجيبك على ذلك بدقة. المؤكد أن 2008 لن يشهد الحل المنشود.

* هل تريد أن تقول إنه يتعين انتظار الانتخابات الأميركية وربما ما بعدها؟ ـ ننتظر الانتخابات الأميركية وأيضا ننتظر التأثيرات الأخرى في الإقليم التي قد تكشف عنها بدايات العام القادم.

* ما المقصود؟ ـ لن أذهب أبعد من ذلك في التحديد والتعيين.

* هل المقصود الملف النووي الإيراني أو الوضع السوري؟ ـ هناك الكثير من العناصر التي يأخذها الكثيرون في حساباتهم عندما يتساءلون. نحن ذاهبون الى أين؟ أريد أن أقول إن الوضع اللبناني لن يحل سريعا. من هنا نصحنا بأن يتم النظر في أية أفكار تطرح وتتناولها بقدر من التفكير الخلاق ومن التدقيق حتى لا نهدر فرصا يمكن أن تحملها. أما البعد الآخر الذي أريد التأكيد على أهميته فهو ضرورة خفض التوتر في لبنان. لأن أي صدام غير محسوب وأي حدث يؤدي الى سقوط ضحايا قد يقود الى تطورات وخيمة. من هنا، إذا طرحت فكرة الحوار مرة أخرى بين الأطراف، فليدرس هذا الأمر دراسة معمقة، ولا يرفض فورا ويتعين على كل طرف أن يعالجه من منطلقاته وبهدوء مع وضع ضمانات.

* أي ضمانات تعني؟ نتائج الحوار مثلا؟

ـ ضمانات حول إدارة الحوار وأهدافه وإطاره الزمني وكيف يمكن الانتقال خطوة خطوة بالإضافة الى جدول الأعمال وخلافها... إذا ما اتفقت كل الأفكار على ذلك، فليكن الحوار، أما إذا اعترضت الجماعات المتقابلة والمتعارضة فليكن. ولكن في أي حال، علينا أن نبحث عن أفكار جديدة لكي نضمن قدرا من الهدوء بما لا يؤدي الى انفجار الموقف.

* تقول: علينا أن نرى الموقف الإقليمي والعناصر المؤثرة ومن جهة ثانية تقول الحوار. ولكن إذا كان الوضع اللبناني مرهونا بتطورات الخارج فهذا يعني أن هامش التحرك في الداخل ضيق، وبالتالي هل الحوار سيفيد؟

ـ الحوار وسيلة عاقلة ومعقولة لمنع الانزلاق الى مواجهات. لا يجب أن يفهم هذا الكلام أنني أؤيد الحوار (كما طرحه الرئيس بري).

* هل يعني كلامك أن المبادرة العربية دفنت الآن ولكن بشكل غير رسمي؟

ـ المبادرة العربية لها منطق معقول للغاية: انتخاب رئيس للجمهورية يقوم بالتحرك في إطار تشكيل حكومة والحكومة تعد قانونا انتخابيا. وعندما بحثت في منزل عمرو موسى (أمين عام الجامعة العربية) هذا كان مشروعها.

* يعني هناك مراحل في تنفيذ المبادرة؟

ـ نعم هناك مراحل. ومن يقول عكس ذلك فإنه يعطيها تفسيرا غير تفسيرها.

* من يعطل المبادرة العربية؟

ـ هو من يؤكد على ضرورة مناقشة عناصر الموقف والاتفاق عليها مسبقا في كل تفاصيلها قبل البدء في التنفيذ. منطق الأمور يقول: إذا كان هناك رئيس منتخب للبنان فهذا الرئيس له سلطاته ودوره أما إذا جردناه من سلطاته وصلاحياته واتفقنا مسبقا على إطار عام لتسوية شاملة كاملة تفصيلية، فليجلس في بيته ولا حاجة له.

* أنت تقول بشكل غير مباشر إن المعارضة هي التي تعطل لأنها تريد سلة حل متكاملة وتدعمها سورية في هذا الطرح.

ـ أنا لا أرغب في الانزلاق في تحديد من يعطل ومن لا يعطل. أنا أقول إن هناك وضعا لبنانيا متأزما يحتاج لفكر خلاق ويجب أن يستوحيه اللبنانيون وإذا كان سيتم من خلال التحاور وبناء الجسور على طاولة حوار فليكن. وإذا كانت هناك أفكار أخرى فلتبحث. المؤكد أن المبادرة العربية موجودة ولن تنتهي لأنها من منطق الأمور.

* المبادرة العربية يكاد أن يلحقها ما لحق بمسار السلام في الشرق الأوسط حيث لم يبق من مسار السلام إلا المسار؟ أول من أمس، حصل اجتماع أصدقاء لبنان في الكويت وصدر بيان دعم للمبادرة للحكومة اللبنانية. وماذا بعد؟ ما هي الحلقة الضائعة التي يساعد العثور عليها على إخراج لبنان من أزمته السياسية؟

ـ اللبنانيون أنفسهم. أنا لا أفهم كيف أن اللبنانيين يتركون أمورهم على هذا النحو. المسؤولية تقع على القيادات اللبنانية. اقول: عليهم أن ينقذوا لبنان من المصالح الضيقة لهذا الطرف أو ذاك.

* هل يمكن عزل الوضع في المنطقة عن العوامل المؤثرة في المنطقة وابعد منها؟ هل يمكن لجهات لها علاقات خارجية أن تعمل بمعزل عن تأثيراتها؟

ـ هناك مسؤولية للبنانيين تجاه بعضهم البعض. ينبغي أن نسعى لعزل المسألة اللبنانية عن التأثيرات الخارجية. ومع ذلك أنا أعترف بوجودها ولذا قلت لك إن الأزمة اللبنانية لن تحل في 2008.

* كنت في واشنطن نهاية الأسبوع الفائت التقيت الكثيرين من أهل القرار. هل يريد الأميركيون فعلا أن يتم انتخاب رئيس تسوية الأزمة السياسية أم لا يريدون ذلك كما تتهم المعارضة باعتبار أن الوضع الراهن مريح لهم؟

ـ حقيقة الموقف الأميركي يحب أن يتحدث بها الأميركيون. لست في معرض شرح موقفهم. ولكن المؤكد أن الولايات المتحدة لا ترغب في أن ترى وضعا لبنانيا ملتهبا. وأنا واثق أن الجميع لا يرغبون في ذلك. القوى المحلية والإقليمية والدولية لا ترغب أن ترى الوضع اللبناني متفجرا لأن لا منطق لوجود صدام في لبنان.

* علاقة مصر بسورية في الوقت الحاضر ليست في أفضل أحوالها. ما هي مطالب سورية منكم ومن الجانب السعودي؟

ـ الإخوة في سورية يطالبون بأن تبذل السعودية جهدا موازيا مع أصدقائها في لبنان. وتقول للسعودية: لتتحمل سورية مسؤولياتها في لبنان. نحن نقول ما قاله الرئيس السادات في السابق: لترفع الأيدي عن لبنان. وليترك اللبنانيون يناقشون قضاياهم بأنفسهم. وإذا تركت الأمور بأيديهم ومن غير ضغوط خارجية فسوف تحل العلاقات. الحل في أيدي القيادات اللبنانية.

* لماذا لا تسعى هذه القيادات للحل؟

ـ الجواب معروف.

* الأسبوع الماضي وخلال جلسة مناقشات في مجلس الشيوخ الأميركي، نقل أحدهم (ألان باكستر) عن العاهل الأردني حديثا يعكس مخاوف السوريين من المحكمة الدولية. وردت وزيرة الخارجية بأن المحكمة ليست موضع مساومة. هل ترى في هذا الأمر أحد أسباب التعطيل في لبنان؟

ـ سورية ترى في المحكمة محاولة للتسييس وللنيل منها. هذه وجهة نظر سورية. المحكمة يجب أن تكون محكمة موضوعية، قانونية وتبتعد عن المسائل والأهداف السياسية لأي من الأطراف. يجب أن يعي العقل العربي أن لا يصح أن نقبل بعمليات قتل على أية أرض عربية لمسؤولين أو مواطنين ولا يكون هناك محاسبة. هذا موقف مبدئي.

سبب المحكمة قرار دولي. هناك حكومة لبنانية مسؤولة وعليها مسؤوليات ومهام تجاه القرار الدولي وهذه المحكمة. إذا ما ضمنا أنها لن تسيس لنمض بها. وفي كل الأحوال، يجب أن نعلم أن المحكمة آتية آتية مع بداية العام القادم وبالتالي لن يستطيع أي طرف أن يوقفها ولكن يجب أن توضع الضمانات بحيث لا تكون مسيسة.

* أليست الضمانات موجودة؟ أليست المحكمة دولية؟

ـ أقصد أن نتابع عن قرب تدقيق عملها ووثائقها وألا يسمح بأي تدليس فيها.

* ولكن هل هناك علاقة بين مراوحة الأزمة اللبنانية مكانها وبين المحكمة؟

ـ أعتقد أنه لا يخفى على المتابع أن هناك الكثير من التفسيرات التي تقول بما تحدثت به.

* وما هو تفسيركم أنتم؟

ـ التفسير المصري نبقيه لمصر في المرحلة الحالية الحساسة التي يمر بها العالم العربي داخليا.

قمة شرم الشيخ الخماسية ليست مؤكدة

* هل هناك قمة خماسية في شرم الشيخ الشهر القادم؟ وما هو غرضها في حال كانت قائمة؟

ـ الجانب الأميركي اقترح قمة والجانب المصري رأى أن مثل هذه القمة لكي تعقد يجب أن تتضمن مشاركة كل الأطراف وأن يوضع لها هدف واضح ومحدد هو الإسراع في الوصول الى الاتفاق (الفلسطيني ـ الإسرائيلي). الآن، لا توجد مؤشرات بأن إسرائيل على استعداد للمشاركة في هذه القمة.

* ما الذي تعنيه بالمؤشرات؟

ـ المؤشرات في العرف الدبلوماسي والسياسي هو أن يبلغوا عن استعداهم وأن يتحدثوا عن رؤيتهم وأن يعبروا عن رأي بخصوص هذا الموضوع. حتى الآن لا توجد مؤشرات إسرائيلية عن استعدادهم للمضي في هذه الطريق. وإذا صحت هذه القراءة، إذن لن توجد هناك مشاركة إسرائيلية وهذا يعني أن لا هدف واضحا لقمة تنعقد من غير وجود إسرائيل. من هنا، استبعد حتى الآن انعقاد أي قمة في شرم الشيخ على المستوى الخماسي (الولايات المتحدة، مصر، الأردن، فلسطين وإسرائيل) والمؤكد أن غياب إسرائيل سيؤدي الى عدم انعقاد أية قمة على أي مستوى آخر. سوف تحصل قمم ثنائية إذا ما حضر الرئيس الأميركي لأنه حتى الآن، ليست لدينا تأكيدات نهائية على حضور الرئيس بوش.

* هل صحيح أنكم تريدون، في حال حصول القمة، صدور شيء يشبه اتفاق مبادئ أو اتفاق إطار؟

ـ نحن نرى أنه من المهم أن تفضي هذه القمة الى نتائج تعكس التزام الطرف الاسرائيلي بتسوية جادة مع الفلسطينيين. البعض يسمي ذلك إعلان مبادئ، البعض الآخر اتفاق إطار. الهدف أن نرى حركة متقدمة الى الأمام تعكس استعداد الجانب الإسرائيلي للمضي في تنفيذ تعهداته التي التزم بها منذ سنوات. ما نراه حاليا هو تكتم شديد على ما تتم مناقشته بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن أيضا عدم قدرة الأطراف على صياغة تفسيرية لما يتم التحدث به بين الجانبين. هناك مناقشات شفهية على عناصر التسوية ولم يتم حتى الآن ترجمتها الى صياغات مكتوبة تعكس التزام الطرفين بمواقف محددة قابلة للتنفيذ.

* بقي للإدارة الأميركية ثلاثة أو أربعة أشهر تستطيع التحرك خلالها بعدها تتحول الى إدارة تصريف أعمال بانتظار الرئيس الجديد؟ ـ الوقت يمر سريعا. فترة الأربعة شهور يمكن أن تسمح مع ذلك، إذا ما صدقت النوايا، بالتوصل الى اتفاق لأن كافة عناصر التسوية معروفة والأطر الحاكمة للتسوية معروفة وسبقت محاولة تنفيذها على مدى العقد الأخير. وقلت في واشنطن اننا إذا ما جلسنا سويا يمكننا أن نصيغ اتفاقا مكتوبا في ساعات قليلة.

* النوايا قد تكون صادقة ولكن هل هناك رغبة أميركية في الالتزام حقيقة بالوصول الى نتيجة؟

ـ هذا ما يؤكده الأميركيون. يقولون لديهم النية والإرادة لذلك. ولا يجب أن يفوتنا أن الوزيرة رايس حضرت الى الإقليم (الشرق الأوسط) 12 أو 13 مرة. والرئيس بوش إذا جاء الشهر القادم سيكون قد حضر بدوره الى الإقليم مرتين خلال شهور قليلة. الواضح أن هناك رغبة أميركية. هل لديهم القدرة والتصميم للمضي على هذه الطريق؟ الأيام هي التي ستأتي بالجواب.

* ما سر أن الرؤساء الأميركيين يهتمون بالشرق الأوسط في أواخر عهودهم؟

ـ لست موافقا على هذا التوصيف. هذه الإدارة (بوش) اهتمت بالموضوع الفلسطيني في عامها الأخير ولكن المؤكد أن الرئيس كلينتون بذل جهدا طويلا على مدى سنوات من 1993 وأن أوسلو جاءت بعد العام الأول لرئاسته. كذلك، الرئيس بوش الأب انغمس بالموضوع منذ البداية وان كارتر عمل وسعى منذ بداية تسلمه السلطة من أجل الحل. إدارة الرئيس الحالي هي الوحيدة التي تأخرت في التعاطي مع هذا الموضوع لأن اهتمامات أخرى طغت على أولوياتها: الحرب على الإرهاب، أفغانستان، العراق....

* هناك من يؤكد أن التوجه بشأن الاتحاد من أجل المتوسط هو أن تعهد الرئاسة من الجانب المتوسطي غير الأوروبي الى الرئيس مبارك على أن تكون من الجانب الأوروبي الى الرئيس ساركوزي. هل هذا صحيح؟

ـ من المبكر التحدث في هذا الأمر أولا لأن فكرة الاتحاد من أجل المتوسط ومؤسساته وشؤون إدراته وإقامة الأمانة الخاصة به وغير هذا، الأمور سوف تبت في اجتماع القمة في باريس تحت الرئاسة الفرنسية. نحن ننتظر الآن تقرير تعده المفوضية الأوروبية عن هذه المواضيع. نحن بدأنا بعقد سلسلة من الاجتماعات في القاهرة باعتبارها المنسق العربي لدول الجنوب (المتوسطي). وقبل أيام، عقدنا اجتماعا لكبار المسؤولين في القاهرة لبحث هذا الموضوع وبدأنا بإرسال رسائل للإخوة العرب لعقد اجتماع تنسيقي على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة.

* أي أنكم بدأتم فعلا بممارسة الرئاسة؟

ـ كلا. نحن لن نتحدث في الرئاسة بل عن مفهوم الاتحاد من أجل المتوسط والطرح والأهداف والمشاريع. الرئاسة فكرة تنفيذية يتفق عليها الرؤساء في ما بينهم عندما نصل الى شهر يوليو (تموز) وبالتالي مسألة من يتولى الرئاسة سابق لأوانه.

* نعرف أن مسار برشلونه جاء في سياق أوسلو وآمال السلام السريع وقتها. ولكن أوسلو استنفذ لأن النزاع العربي ـ الإسرائيلي لم يحل. ألن يواجه الاتحاد من أجل المتوسط العقبات نفسها؟ وهل سيعرف مصير برشلونه؟

ـ هذا محتمل. برشلونه عانت من نقطتي ضعف مؤثرتين: الأولى أنها كانت ملكية أوروبية والمفوضية الأوروبية سيطرت على المسار بكليته. الآن، الملكية مشتركة من خلال الطرح الفرنسي المتمثل بأمانة صغيرة مستقلة الى حد كبير عن المفوضية وتخضع بشكل مباشر الى توجهات الدول نفسها. وهذا بحد ذاته صمام أمان حتى لا يشعر الجنوب أن هذه عملية تقاد أوروبيا بل هي شراكة متكافئة. أما النقطة الثانية، فتتناول الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إذ كانت الأطراف العربية ترغب، عبر برشلونه، في الانطلاق في عملية سياسية اقتصادية ثقافية لتحقيق المشاركة. لكن عندما انفجر الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين في العام 1999، وتوقفت عملية السلام بسبب ذلك ومجيء الإدارة الأميركية، كل ذلك انعكس سلبا على مسار برشلونه. اليوم، الوضع مختلف. الفكرة الفرنسية تركز على البعد الرابع أي المشروعات الإقليمية التي تهم كل الدول المشاطئة مثل تلوث المتوسط وريط الموانئ المتوسطية بين بعضها البعض والحاجة الى طرق سريعة تربط بين مدنه ... هذه الأفكار مهمة ونحتاج للتفكير فيها حتى بمعزل عن عملية السلام. لنضع عملية السلام جانبا ولنمض في هذه الطريق. البعد الآخر هو أن عملية السلام لا يجب أن تعيق سعي العرب والأوروبيين لتشكيل علاقة بين الطرفين تؤدي الى تحقيق مصالح عربية.

* ولكن ما الذي يبرر الحديث عن «اتحاد»؟

ـ لنتذكر بالاتحاد الأوروبي عندما بدا حول التعاون في موضوع الصلب والفحم. لنبدأ خطوة ولنر كيف ستتطور الأمور.