الصحة العقلية للمحتجزين.. أحدث المعارك القانونية في غوانتانامو

محامون: سائق بن لادن مصاب بلوثة عقلية بسبب حبسه انفراديا لمدة 22 ساعة يوميا

TT

في الشهر المقبل، قد يصبح سالم أحمد حمدان، اليمني الذي سبق وأن عمل سائقًا لأسامة بن لادن، أول محتجز في غوانتانامو بكوبا تتم محاكمته بناءً على اتهامات بارتكاب جرائم حرب. إلا أن المحامين الموكلين بالدفاع عنه يقولون إنه ليس بإمكانه الدفاع عن نفسه بسبب معاناته من لوثة عقلية أصابته جراء وضعه قيد الحبس الانفرادي لمدة 22 ساعة يوميًا على الأقل. وأشار فريق الدفاع إلى أن حمدان الآن باتت لديه ميول انتحارية، وأصبح يسمع أصواتًا مبهمة ويتحدث مع نفسه. وعليه، طلب المحامون من قاض عسكري إرجاء محاكمة حمدان، حتى يتم وضعه تحت قيود أقل داخل معسكر غوانتانامو، مشيرين إلى أنه لن يلقى محاكمة عادلة طالما ظل عاجزًا عن الدفاع عن نفسه. ومن المقرر أن يستمع القاضي الاثنين المقبل إلى المرافعات بشأن ما إذا كان القاضي لديه سلطة النظر في هذا الادعاء. يذكر أنه منذ فترة بعيدة يؤكد النقاد أن العزلة التي يتسم بها معتقل غوانتانامو، تمثل أرضًا خصبة للإصابة بالجنون. بيد أن تحويل هذا الرأي إلى إدعاء قانوني يعد بمثابة مرحلة جديدة بالنسبة للمحاكم العسكرية في غوانتانامو. من جانبهم، يدعي مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية أن غوانتانامو تشهد احتجاز رجال خطرين بصورة إنسانية، وأنه ليس بها مستوى غير عادي من الأمراض العقلية. وردًا على أسئلة حول هذا الأمر، أكدت بولين إيه. ستورم المتحدثة الرسمية عن معتقل غوانتانامو، أن المحتجزين يتمتعون بمستوى أفضل من حيث الصحة النفسية عن المحتجزين داخل السجون الأميركية، موضحة أن قرابة 10% قد يكونون مصابين بأمراض عقلية مقارنة ببيانات تكشف أن ما يزيد على نصف نزلاء المؤسسات العقابية الأميركية، يعانون من مشكلات تتعلق بالصحة الذهنية. على الجانب الآخر، أوضح محامو المحتجزين الآخرين أنه من خلال هذه الدعوة، يمهد فريق الدفاع عن حمدان الساحة للطعن في الإجراءات داخل محاكمات غوانتانامو فيما يزيد على حوالي 80 قضية تتعلق بارتكاب جرائم حرب. وتوقع كلايف ستافورد سميث، وهو محام موكل عن 35 من المحتجزين، أن «قضية إساءة معاملة السجناء والحياة البائسة التي يحيونها داخل الزنزانات، ستظهر بكل قضية».

يذكر أن قضية سالم حمدان تعد قضية فاصلة بالفعل، نظرًا لأن المحكمة العليا استغلت قضية سابقة ضده في إسقاط نظام المحاكم العسكرية الأول الذي وضعته إدارة بوش وذلك عام 2006. بيد أن هذه القضية، مثلما هي الحال مع غالبية المعارك القانونية الدائرة حول غوانتانامو، لم تؤثر على طبيعة الظروف هناك. ويؤكد محامو المحتجزين أن حالة العزلة الشديدة القائمة هناك حولت معسكر الاحتجاز تدريجيًا إلى ما يشبه مستشفى عقلي يخضع لحراسة مشددة، موضحين بأن وضع حمدان كأحد أشهر سجناء غوانتانامو، لم يساعد في تحسين أحواله هناك. وعلى امتداد فترة احتجاز تجاوزت ست سنوات، أجرى حمدان، محادثتين هاتفيتين مع أهله، ولم يتلق أي زيارات. وتشير أوراق محاميه إلى أنه تعرض للعقاب للعثور معه على قطعة حلوى أعطاه إياها أحد محاميه، ولوجود عدد كبير للغاية من الجوارب بحوزته. وبصورة عامة، فإنه من غير المسموح به أن تكون هناك زيارات عائلية في غوانتانامو، ولا يسمح بوجود أجهزة التلفزيون ولا أجهزة الراديو. ومن المقرر اتباع سياسة جديدة تسمح للمرة الأولى بإجراء محادثة هاتفية واحدة سنويًا. ويشرح المحامون أن داخل الزنزانات المحتجز فيها حمدان، وما يزيد على 200 آخرين من إجمالي 280 محتجزا، يجري الاتصال بين المحتجزين عامة من خلال الصياح عبر الفتحة الموجودة بالباب والمخصصة لتقديم الوجبات. أما الرسائل البريدية، فإنها تأتي متأخرة وغالبًا ما تخضع للرقابة. من ناحيته، أكد جولز لوبل، وهو بروفيسور في القانون بجامعة بتسبرج والخبير بأوضاع السجون الأميركية، أن الظروف داخل المعسكر تفرض على المحتجزين قدرًا من العزلة يفوق ما يوجد داخل السجون الأميركية الخاضعة للحد الأقصى من الإجراءات الأمنية. على الجانب الآخر، رفض المدعون العسكريون التعليق على الادعاءات بشأن أوضاع حمدان. وكما هي الحال في غوانتانامو، لم يتم الإعلان عن مرافعاتهم القانونية قبل الموعد المحدد للمحاكمة، إلا أن مرافعات الدفاع التي كشف عنها محامو حمدان، سلطت بعض الضوء على ادعاءاتهم ضد حمدان. وقال المدعون «إن الظروف التي يجري فيها احتجاز حمدان لا تشكل حبسًا انفراديًا، لأن المحتجزين بمقدورهم الاتصال عبر الجدران»، وأضافوا أنه نفى معاناته من مشكلات ذهنية، وأنه سجين غير منضبط لبصقه على الحراس وتهديده بمهاجمتهم. وبشكل عام، أكدت ستورم على أن المحتجزين يعتبرون مقاتلين أعداء يجري احتجازهم بشكل آمن. وفيما يخص حمدان الذي يناهز من العمر 39 عامًا، قال المدعون إنه ساعد ابن لادن في الهروب بعد الهجمات الإرهابية عام 2001. كما يواجه اتهامات بنقل أسلحة لـ«القاعدة» والعمل كحارس شخصي وسائق لـ«ابن لادن». وخلال الأسابيع الأخيرة، اجتذبت قضيته اهتمامًا كبيرًا بسبب تأكيد فريق الدفاع عنه ممارسة مسؤولين بارزين بوزارة الدفاع نفوذا غير ملائم على المدعين العسكريين والضغط عليهم للمضي قدمًا في القضايا لأسباب سياسية. ومن الممكن أن يكشف الادعاء بشأن مستوى الصحة العقلية لحمدان، النقاب عن الأوضاع في غوانتانامو. وطبقًا للإحصاءات العسكرية المتوافرة، فإنه يجري حاليًا احتجاز ثلاثة أرباع المعتقلين في معسكرين يشبهان إلى حد بعيد السجون الأميركية. ويخضع المعسكران اللذان يحملان اسمي 5 و6، لحراسة مشددة. وهما عبارة عن مبنيين مصنوعين من الخرسانة، ويحتجز بهما الأفراد الذين لم تجر محاكمتهم بعد. وخلف باب ضخم، يوجد بكل زنزانة حفنة من الأدوات المسموح بها، مثل كوب ونسخة من القرآن الكريم. واعترف المسؤولون بأن الساعتين المخصصتين لاستجمام المحتجزين داخل الساحة، يتم السماح بهما في بعض الأحيان أثناء الليل. ومن داخل هذه الساحة، لا يتمكن المحتجزون سوى من مشاهدة جزء ضئيل للغاية من السماء. وهذا الشتاء، تلقى محامو عبد الجبار التركستاني، المحتجز بالمعسكر السادس، خطابًا يصف الحياة هناك، ورد به: «إن فقدان أي اتصال بأي شخص، والحرمان من ضوء الشمس والهواء الطبيعيين، والوجود داخل صندوق معدني، لا تعد أمورًا ملائمة لبشر».

* خدمة «نيويورك تايمز»