خادم الحرمين: هل نجفل من هذا العصر الذي يشهد توسعا وانفتاحا في الأفكار أم نفتح بيتنا التاريخي وميراثنا العظيم؟

استقبل المشاركين والمشاركات في الحوار الفكري الأخير المنعقد ببريدة

TT

أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيزعن أمله في أبناء بلاده بجميع توجهاتهم الفكرية المتمسكة بثوابت العقيدة والأخلاق، في ممارسة دورهم التاريخي المناط بهم، وعد هذا العصر بأنه عصر توسع في نقل الأفكار، حيث يعيش «انفتاحا لم تشهده الإنسانية في تاريخها». وتساءل «هل نجفل منها.. أم نفتح بيتنا التاريخي وميراثنا العظيم؟!». مشددا على القول بأن على الجميع ممارسة حقه مع التاريخ بثقة، في كل ما يخدم العقيدة ومبادئ السلام والإنسانية.

جاء ذلك خلال استقباله أمس في مكتبه بالديوان الملكي بقصر اليمامة، المشاركين والمشاركات في اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري الذي عقد بمدينة بريدة خلال الفترة من 22 ـ 23 ابريل (نيسان) الحالي، تحت عنوان «مجالات العمل والتوظيف.. حوار بين المجتمع ومؤسسات العمل»، وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين:

«بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أحييكم بأكرم تحية وأحيي من خلالكم اللقاء والوطن والحوار والفكر ومن خلالكم أيضاً ألمس الأمل الكبير ـ بعد الله ـ في أبناء هذا الوطن بجميع توجهاتهم الفكرية الخيرة المتمسكة بثوابت العقيدة والأخلاق والحس الإنساني بالرغم من تعدد الأفكار.

إن عصرنا هذا توسع في نقل الأفكار بانفتاح لم تعهده الإنسانية في تاريخها فهل نجفل منها؟ أم نفتح بيتنا التاريخي، وميراثنا العظيم، لنرى دورنا الكريم وشراكتنا الإنسانية في أروع القيم والمفاهيم والمسؤوليات وهي تتصدى لدورها الأخلاقي بثوابت دينها الإسلامي. لذلك علينا أن نمارس حقنا مع التاريخ بثقة المؤمن المتوكل على الله في كل حوار يخدم عقيدتنا الإسلامية ومبادئ السلام والإنسانية في هذا العالم وفق رؤية نستمدها من رحابة ديننا العالمي. هذا وأسأل الله لكم التوفيق دائماً، وأرجوه تعالى أن يصون كل حوار متسامح حر كريم منفتح على كل أفق نبيل وخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وعقب الاستقبال التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالمشاركات في اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري، واستمع إلى آرائهن وأفكارهن حول موضوع اللقاء والموضوعات التي تهم المرأة بشكل عام.

فيما عبرن عن شكرهن وتقديرهن لخادم الحرمين الشريفين على اهتمامه بكل ما من شأنه الارتقاء بالوطن والمواطن بشكل عام وبالمرأة السعودية بشكل خاص مما يعزز دورها في المجتمع السعودي المسلم مع تمسكها بتعاليم دينها وعاداتها وتقاليدها الحسنة.

وقد أثنى الملك عبد الله على الدور الكبير الذي تقوم به المرأة السعودية وبمشاركاتها الفعالة ومساهماتها المثمرة في النهضة الشاملة التي تشهدها المملكة في مختلف المجالات مع حرصها على التمسك بعقيدتها وأخلاقها الفاضلة.

وكان خادم الحرمين الشريفين قد استقبل أمس في الديوان الملكي بقصر اليمامة أعضاء الهيئة الرئاسية بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني برئاسة الشيخ صالح الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف رئيس اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري، ونواب رئيس اللقاء، وهم كل من الدكتور راشد الراجح الشريف، والدكتور عبد الله عمر نصيف، والدكتور عبد الله بن صالح العبيد وزير التربية والتعليم، وفيصل بن معمر المستشار في الديوان الملكي الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، والمشاركين والمشاركات في اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري الذي عقد بمدينة بريدة.

وأوضح الشيخ صالح الحصين في كلمته أن محاور اللقاء أتت تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وتحت رعايته وعنايته، وهي موضوع العمل ومشاكله هو موضوع الدورة السابعة للحوار الوطني.

وأشار إلى أن زهاء ثمانية آلاف مواطن ومواطنة شاركوا في اللقاءات الخمسة في المناطق الخمس وفي اللقاء الأخير، وتحاوروا حول الرؤى والاتجاهات المتقابلة في هذا الموضوع ليس فقط بسبب أن أحد طرفي الحوار مؤسسات المجتمع التي تقدم الخدمة والطرف الثاني المجتمع الذي يتلقى الخدمة، وإنما بسبب أن الاتجاهات التي تحكم الموضوع بطبيعتها هي اتجاهات متقابلة.

وبين أن موضوع عمل المرأة استأثر بجزء كبير من الحوار، مشيراً إلى أنه يوجد اتجاهان في هذا الشأن، الاتجاه الأول أن أسمى وأنبل عمل للمرأة هو عملها الأساسي في المنزل وأنها إذا عملت خارج المنزل فإن الدافع والمبرر لعملها هو الحاجة وعلى المجتمع أن يعتبر ذلك تضحية من المرأة وأن يعمل على أن يحرر المرأة من هذه الحاجة أو تقليل تأثير عملها خارج المنزل على عملها النبيل الأساسي راعية أسرة.

والاتجاه الثاني يرى أن عمل المرأة ليس الدافع والمبرر له الحاجة إنما هو الاختيار بدافع محاولة تحقيق ذاتها بالعمل واستقلال إرادتها وتحررها من التبعية للرجل وتحقيقها المساواة معه.

وأفاد الشيخ الحصين أن العالم مر بتجربتين مهمتين تتحيزان للاتجاه الثاني، الأولى منهما تجربة الثورة الشيوعية عندما أطلق لينين شعاره المشهور، أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم ونصف أفراده في المطبخ وحقق النظام مساواة المرأة بالرجل في العمل واستمرت هذه التجربة حوالي سبعين سنة عندما انهار النظام الشيوعي وأعلن زعيم إعادة البناء أن المساواة بين الرجل والمرأة في العمل تحققت ولكن هناك عجزا في مزاولة المرأة لدورها كأم وربة منزل ووظيفتها التربوية لا غنى عنها وأن كثيراً من المشاكل التي يواجهها الشباب في سلوكهم أو ثقافتهم أو في إنتاجهم يعود لهذه السياسة في المساواة في العمل بين الرجل والمرأة.

والتجربة الثانية في الولايات المتحدة الأميركية في بداية الستينات من القرن الماضي، حيث الحركة النسوية التي اتخذت شعار المساواة التامة بين الرجل والمرأة ولكن بعد أربعة عقود وفي عام 2005 أجريت دراسة أظهرت أن نصف النساء من الأكثر امتيازات والأرقى تعليماً اخترن العودة إلى البيت والعمل كربات بيوت وعززت هذه الدراسة دراسات أخرى كثيرة.

وتطرق في كلمته إلى حكمة الإسلام في مسايرته لقوانين الطبيعة فهو لا يعتبر قوانين الطبيعة عدواً ويحاول أن يقهرها وإنما يعتبرها أشياء سخرها الله للاستفادة منها فمهمته أن يتناغم معها. ولفت الشيخ الحصين النظر إلى أن الثقافة المعاصرة في الغالب لا تتجه هذا الاتجاه، مشيراً إلى أنه في هذا الوقت أصبح العالم تحت قبضة أقوى قوة عرفها التاريخ وهي الإعلام، فهو أقوى من الجيوش ومن السياسة ومن الاقتصاد، يغزو الفكر ويستولي على القلوب، وللأسف فإن للذين يسعون في الأرض فساداً نفوذاً ظاهراً فيه.

وقال «نحن حقيقة نتمتع ونملك أسمى وأرقى نظام وهذا لا يجعلنا في حصانة من التأثر بهذا الإعلام والتأثر بثقافة العولمة التي يحملها. وعلى المربين ودعاة الإصلاح أن يوعوا الأمة إلى جوانب السمو والرقي والتقدم الحضاري في الثقافة المعاصرة وفي نفس الوقت يوعونها بجوانب التخلف الحضاري والجاهلية المحرومة من الوحي». ونوه بجهد وزارة الثقافة والإعلام المشكور والمبارك حيث ساهمت في إدخال هذه اللقاءات إلى كل بيت لينتفع بها المواطنون عامة، وقال «أظهر اللقاء الأخير حكمة التوجيه الكريم عندما صدر الأمر الكريم بأن يتولى مسؤولية إدارة اللقاء قادة المعرفة والحكمة في هذه البلاد مديرو الجامعات فظهرت حكمة هذا التوجيه حيث تبين للجميع أن هذا اللقاء تميز عن كل اللقاءات السابقة».

وبعد نهاية كلمته سلم الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين نتائج اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري لخادم الحرمين الشريفين.

من جهته ألقى الدكتور يوسف الشبيلي عضو مجمع فقهاء الشريعة في أميركا عضو اللجنة الدائمة بالمجمع عضو الجمعية الفقهية السعودية، ثمن خلالها بادرة خادم الحرمين الشريفين لعقد اللقاءات الوطنية للحوار الفكري، حيث عدها تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي سن الحوار بالحكمة والكلمة الطيبة وامتداداً لسياسة الباب المفتوح التي انتهجها قادة هذه البلاد بدءاً من المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز ثم أبنائه من بعده وقال «ها أنتم أولاء تسيرون على نفس الخطى وترسمون لأبنائكم أبناء هذا الوطن هذا المسار».

فيما أشادت الدكتورة سميرة إسلام رئيسة وحدة قياس ومراقبة الأدوية في مركز الملك فهد للبحوث الطبية بجامعة الملك عبد العزيز في كلمتها باستقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للمشاركين والمشاركات في اللقاء الفكري، وقالت «إن المرأة في بلادي يا سيدي مدينة لكم بعد الله لمنحها شرف مشاركة شقيقها الرجل في الحوار الوطني والإسهام في نهضة هذا الوطن. ولقد نجحت فكرة الحوار الوطني في تجسير الفجوات بين الشرائح الفكرية في بلادنا ومنحها فرصاً ثمينة للتشاور».

وأبدت عن تطلعها إلى أن تسهم برامج الحوار الوطني في تعزيز التواصل والانفتاح ومن منظور إنساني ووطني شامل.

بينما أكد سلمان الجشي رئيس اللجنة الصناعية بالمنطقة التجارية عضو مجلس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية بأن قيام مركز الملك عبد العزيز برسالته الوطنية، بأنه «خدمة لكل مواطن يعيش على ثرى هذه الأرض المباركة، ومساهماً معه في تحقيق طموحاته ، وذلك عطفاً على ما يقدمه المركز من دور يسهم في محاربة التعصب ويؤكد الوسطية والاعتدال التي يدعو لها ديننا الإسلامي الحنيف».

وبدوره ألقى صالح الحصين عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بالمجلس كلمة قال فيها «قدر الله أن تكون التحديات كبيرة ولكن من لطف الرحيم أن هيأ لنا قائداً قوياً أميناً، أدرج الكريم على يديك خيراً غير مسبوق، وأمرك بإطفاء شر من ضل، سبقتنا بطموحك، ومبادراتك الخيرة متتالية، في إسكان الفقير وخدمة الحجيج ومشاريع عملاقه وإصلاح شامل، سياستكم سياسة الحوار داخلياً وخارجياً ولا يقدر على ذلك إلا الأقوياء الشجعان مثلك». من جانبها ألقت هيا السمهري مديرة إدارة التعليم الأهلي والأجنبي في الإدارة العامة للتربية والتعليم للبنات بمنطقة الرياض قصيدة بهذه المناسبة.

حضر الاستقبال الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير منصور بن ناصر بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير عبد العزيز بن فيصل بن سلمان بن محمد آل سعود، والدكتور غازي القصيبي وزير العمل، ومحمد الفايز وزير الخدمة المدنية، وخالد القصيبي وزير الاقتصاد والتخطيط، وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي، وعدد من المسؤولين.