أوغلي: يجب علينا والكنيسة الكاثوليكية قبول مصالحة تاريخية بين الإسلام والمسيحية

قال لـ«الشرق الأوسط» إن «منظمة المؤتمر الإسلامي» دخلت مرحلة جديدة

اكمل الدين احسان اوغلي (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يعتبر امين عام «منظمة المؤتمر الاسلامي» اكمل الدين احسان اوغلي ان الوقت قد حان لـ«مصالحة تاريخية بين الاسلام والمسيحية»، مؤكداً ان اوروبا تشكل موقعاً اساسياً لإبرام هذه المصالحة الضرورية. وكانت هذه رسالة اوغلي في زيارته الى بريطانيا حيث التقى بأعضاء من الحكومة البريطانية وجمعيات اسلامية، بالاضافة الى القاء كلمة في جامعة «اوكسفورد» حيث طرح تأثير الاسلام على القارة الاوروبية ودوره التاريخي والمعاصر فيها. وشرح اوغلي في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط» ان «رسالتنا الى اوروبا انها ليست قارة مسيحية وان الاسلام عنصر اساسي لاوروبا». وأوضح ان هذا الطرح يأتي على ثلاثة اصعدة، قائلاً: «على المستوى الجغرافي اذا نظرنا الى حدود اوروبا، شرقاً وجنوب شرق، ثانياً، ديموغرافياً، هناك الملايين من المسلمين الاوروبيين، يأتون من جذور اوروبية اساسية بالاضافة الى الملايين من المسلمين الذين اصبحوا اوروبيين بحكم المواطنة والمشاركة في الحياة العامة». وأضاف: «هذا بالاضافة الى عنصر اساسي ثالث وهو ان الاسلام هو احد العناصر الاساسية التي بنت الحضارة الاوروبية، وبدون تقدير مساهمة الاسلام في الجانب العلمي والفلسفي والانساني للحضارة الاوروبية لا يمكن ان نتحدث عن حضارة اوروبية معاصرة». وتأتي جهود اوغلي في وقت تشهد اوروبا والدول الغربية بشكل اوسع نقاشاً واسعاً عن علاقة «الاسلام والغرب». ورداً على سؤال حول المقارنة أو الحديث عن مواجهة بين «الاسلام والغرب»، قال اوغلي: «يجب ان نتناول هذه القضايا على اكثر من مستوى ومن زوايا متنوعة، والتركيز على اوروبا هو احد هذه الطرق المنهجية التي نتناول بها هذا الموضوع الواسع المتعدد الاطراف». ويرى اوغلي أن اوروبا تجد نفسها امام مرحلة حاسمة في تعريف هويتها، مثلما وجدت نفسها امام مرحلة حاسمة لتعريف نفسها بعد الحرب العالمية الثانية. وقال اوغلي: «اوروبا حتى الحرب العالمية الثانية لم تكن تعترف بوجود اليهودية كعنصر مكون للحضارة الاوروبية، بعد الحرب الثانية اضطرت اوروبا لقبول هذا التعريف، انها حضارة يهودية ـ مسيحية». واضاف: «الآن بالكشف عن العناصر الثلاثة، الجغرافية والديموغرافية والفكرية، في تشكيل اوروبا، لا بد من القبول بهذا التعريف».

وتوجد لدى اوروبا عناصر خاصة في علاقتها مع الاسلام تدفع اوغلي للتركيز على القارة، منها الجدال السياسي حول احتمال قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي. وعلى الرغم من ان اوغلي، وهو تركي الجنسية، لم يتطرق الى هذه القضية في خطابه في جامعة «اكسفورد»، الا انها طرحت من قبل بعض الحضور. وشرح اوغلي لـ«الشرق الاوسط»: «انني تناولت تعريف اوروبا، فاذا قبلت اوروبا التعريف الجديد لنفسها كما قبلت انها تعاود تعريف نفسها بعد الحرب الثانية، ستصبح مشكلة انضمام تركيا الى اوروبا غير قابلة للمناقشة، إذ سينطفئ المانع الديني، فلماذا الممانعة؟».

وتنشغل «منظمة المؤتمر الاسلامي» منذ فترة بمسألة العنصرية ضد الاسلام، وقد اسست لهذا الغرض مرصداً للعنصرية ضد المسلمين اصدر اخيراً اول تقرير له قدم لقمة دكار. وقال اوغلي ان مسألة العنصرية ضد الاسلام تعالج بطرق مختلفة ولها خصوصية، موضحاً «الخوف من الاسلام ليس جديداً في اوروبا، وان كان جديداً في اميركا. فعلاقة أوروبا مع العالم الاسلامي تتميز بالشد والجذب، منذ ظهور الاسلام، وهناك بعض الحساسيات التي ظهرت». وعدد اوغلي مراحل عدة لهذه العلاقة، قائلاً: «هناك تراكم للأحداث مثل الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش وطرد المسلمين من اسبانيا والبلقان في القرنين التاسع عشر والعشرين، وما حدث في البوسنة والهرسك وغيرها من حوادث تاريخية»، ليضيف: «كل هذه العناصر تؤكد ان هناك مشكلة، لذلك حل هذه المشكلة يأتي ضمن مشروع جديد شجاع، ويجب علينا وعلى العالم المسيحي ممثلاً بالكنيسة الكاثوليكية ان يقبلاه بدون تأخير وهو مشروع المصالحة التاريخية بين الاسلام والمسيحية». وشدد اوغلي على امكانية حدوث مثل هذه المصالحة بالمقارنة بما حدث مع اليهود، قائلاً: «الكنيسة الكاثوليكية استطاعت رغم كل المشاكل التي كانت بينها وبين اليهودية ان تحقق هذا التصالح، وفي عهد الباباوات السابقين منذ النصف الثاني من القرن العشرين استطاعت الكنيسة بالاتفاق مع المؤسسات اليهودية الدينية وبالتعاون مع اسرائيل ان تحل هذه المشكلة التاريخية والدينية». وتابع: «اعتقد ان المشاكل بين المسلمين والكاثوليك ليست اكثر خطورة من الخلاف بين المسيحية واليهودية». وشدد اوغلي على «التأثير الكاثوليكي كبير على اوروبا رغم مظاهر العلمانية... ونحن في منظمة المؤتمر الاسلامي نتبنى هذه الفكرة كإطار اساسي لحل مشكل الخلاف بين الشرق الغرب من جذوره». وأضاف: «اهم شيء ان تتبنى الحكومات هذا الطرح الجديد لانه لا يمكن حل هذا المشكل من دون ارادة سياسية بين الاطراف المعنية». وبالاضافة الى مطالبة اوغلي بتفهم اوروبي اوسع للإسلام، قال: «ما زلنا نحتاج الى عمل جاد وكبير لتعريف الآخر بديننا وثقافتنا، لا سيما ان هناك عناصر هامشية في العالم الاسلامي تحاول فرض رأيها بأساليب قسرية». واردف قائلاً: «على الغرب ايضاً ان يبدأ حواراً داخل مجتمعاته وأطره السياسية ليشرح للمتطرفين في المجتمعات الغربية حقيقة الاسلام وحقيقة علاقة الغرب بالاسلام، لاننا نجابه كل يوم دعوات من الغرب معنا، ونحن نقبل هذا الحوار ولدينا العديد من الاجهزة التي تقوم بهذا الحوار، ولكنه لم يحقق النتائج المرجوة». وحذر اوغلي من «إساءة استخدام حرية الفكر للنيل من الاسلام وتشويه صورته»، موضحاً ان معالجة ذلك تتطلب «حواراً داخل الاطر السياسية والاجتماعية» في الغرب. وأكد اوغلي ان «منظمة المؤتمر الاسلامي» تمر بمرحلة جديدة من الانتعاش بعد قمة داكار في مارس (اذار) الماضي. وقال اوغلي: «قمة داكار هي نقطة تحول تاريخية في مسيرة المنظمة، والقمة هذه وافقت على الميثاق الجديد، فندخل الذكرى الـ40 لتأسيس المنظمة بميثاق جديد ونظرة وروح جديدة». واعتبر اوغلي ان قمة مكة الاستثنائية التي دعا اليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في نهاية 2005 التي شهدت إطلاق الخطة العشرية للمؤتمر جوهرية في تحول المنظمة. واوضح ان الخطة، المبنية على أسس الاهداف للألفية الانمائية، هي «أول محاولة جادة من العالم الاسلامي لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين باسلوب علمي بعيد عن الحماسة والشعارات التي لم تُجْد شيئا، وثبت ان العالم الاسلامي يتطلع الآن الى اسلوب جديد في التعامل مع الحقائق». وخلص بالقول: «هناك الامكانات داخل العالم الاسلامي التي يمكن استخدامها باسلوب سليم لحل مشاكلنا».