«حديث التقاعد» يشغل إيران بمستقبل خاتمي السياسي

قال «كبرت وآن أوان التقاعد» .. ففرح أنصار أحمدي نجاد وقلق الإصلاحيون والبراغماتيون

خاتمي وسط أنصاره في طهران أثناء ولايته الرئاسية (رويترز)
TT

هل هو جاد أم يمزح؟ سؤال ردده كثير من الإيرانيين خلال الايام الماضية، سواء أكانوا مواطنين عاديين أم مسؤولين كبارا، وذلك بعدما أدت عبارة قصيرة جدا للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الى إثارة تكهنات حول اعتزامه التقاعد من المسرح السياسي الإيراني، الذي ملأه صخبا وحضورا سواء عندما كان رئيسا لمدة ثماني سنوات، أو بعدما غادر مكتبه الرئاسي؟ فقبل نحو أسبوع وفي 21 أبريل (نيسان) الماضي، وردا على سؤال صحافي حول أنشطته السياسية المستقبلية رد خاتمي «لقد كبرت الآن وأصبحت في مرحلة التقاعد»، ومنذ ذاك الوقت ترددت موجة من ردود الفعل التي يتسع مداها منذ ايام في إيران، خصوصا أنها تأتي في الوقت الذي بدأت فيه الطبقة السياسية الإيرانية تستعد للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 2009، وتجلى هذا في تصريح مثير لرئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، قال فيه للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «اراقبك عن كثب»، بينما يصعد الاصلاحيون حملتهم ضد سياسات حكومة أحمدي نجاد. تصريحات خاتمي فسرها رئيس البرلمان المحافظ غلام علي حداد عادل، الذي تمر علاقته مع أحمدي نجاد بمرحلة توتر على أنها «دعابة»، فخاتمي المعروف عنه علاقته الممتازة مع وسائل الاعلام ينطلق بالحديث للصحف في إيران بالكثير من المزح، إلا أن العديد من المسؤولين الاصلاحيين والمحافظين، أخذوا هذه العبارة على محمل الجد، معربين علانية عن معارضتهم لمثل هذا الاحتمال.

وبالرغم من أن خاتمي خيب آمال قسم كبير من الإيرانيين بسبب عدم دفاعه بما يكفي عن اصلاحاته التي تركها نهبا للريح خصوصا خلال ولايته الثانية التي اغلق خلالها الكثير من الصحف الاصلاحية، واعتقل فيها ناشطون اصلاحيون وطلاب، لكنه بقي مع هذا الأمل الوحيد للمعسكر الاصلاحي في الانتخابات الرئاسية في 2009 بسبب عدم وجود مرشحين آخرين، يتمتعون بما يتمتع به من شعبية. أما بالنسبة الى المحافظين، فإن انسحاب خاتمي من الحياة السياسية، من شأنه أن يضر بصورة إيران الديمقراطية والتعددية التي يسعى النظام الى ترويجها. وكتب حبيب الله اصغر اللادي، وهو أحد القادة البارزين في المعسكر المحافظ في مقال في صحيفة «رسالة» مؤخرا أن «خاتمي من الشخصيات المعتدلة في النظام، ويشكل رأسمالا ثمينا.. وتقاعده من الحياة السياسية ليس مرحبا به». من ناحيته علق النائب المحافظ وعضو رئاسة البرلمان حميد رضا حجي بابائي على تصريح خاتمي بالقول «أعتقد انها على الأرجح دعابة سياسية»، متوقعا ان «خاتمي سيكون مرشحا في الانتخابات الرئاسية» في 2009. وحدهم مؤيدو الرئيس محمود احمدي نجاد بدوا وكأنهم سعداء باختفاء خاتمي عن الساحة السياسية. وقال النائب المحافظ المتشدد مهدي كوشاهك زاده إنه «بالنظر الى المتطرفين الذين يحيطون بخاتمي، فمن شأن التقاعد ان يصب في مصلحته».

وقال ما شاء الله شمس الواعظين مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران لـ«الشرق الأوسط»: «خاتمي قال هذا الكلام. لكن ليس في السياسة الإيرانية شيء مطلق. فخاتمي قال هذا بشكل ارتجالي، وليس كبيان او موقف رسمي. أحد الصحافيين سأله هل تعتزم أن ترشح نفسك للرئاسة 2009، فرد قائلا أنا كبرت في السن وآن آوان التقاعد. عادة خاتمي يمزح عندما يكون ارتجاليا.. هل هذا موقف نهائي أم لا؟ هذا لا يبدو هذا في تصرفات وتحركات خاتمي، فهو ما زال ناشطا في الأوساط الثقافية والسياسية وحوار الحضارات. لهذا لا أعتقد أن هذا الوقف موقف نهائي له». ويعتقد البعض أن خاتمي ورفسنجاني وباقي الرموز الكبيرة وسط الاصلاحيين، باتت تشعر باليأس بشكل متزايد بسبب دعم خامنئي لأحمدي نجاد، وهو الأمر الذي جعل وجوها اصلاحية بارزة تتباطأ في اظهار رغبتها في خوض غمار انتخابات الرئاسة، متخوفين من أن خامنئي سيدعم احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية، مما يعرضهم لـ«فقد ماء الوجه» الذي تعرض له رفسنجاني عندما خسر الانتخابات الرئاسية امام نجاد عام 2005 بالرغم من فارق الخبرة والنفوذ والمكانة في مؤسسات الدولة الإيرانية. وأوضح شمس الواعظين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن: «أعتقد ان الانتخابات المقبلة 2009 ستكون منافسة محمومة ومتمركزة بين المرشحين من المعسكر المحافظ، أكثر من المعسكر الاصلاحي. فالتنافس سيكون بين تيارات عديدة داخل المعسكر المحافظ، بين المعتدلين والمحافظين، والاصولين وسطهم، وهناك وجوه كافية وسط المحافظين لخوض مثل هذا التنافس». وأضاف: «المنافسة وسط المحافظين ستكون بين على ولاياتي وزير الخارجية الإيراني السابق ومستشار خامنئي، ومسؤول الملف النووي سابقا علي لاريجاني، ومحمد قليباف عمدة طهران، وحداد عادل رئيس البرلمان الحالي.. لكن الاصلاحيين من جهتهم يحاولون التفتيش عن وجه يتمكن من الحصول على تأييد الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يحظى بدعم النخبة السياسية في الحركة الاصلاحية.. من هذه الوجوه المقترحة للاصلاحيين محمد رضا عارف نائب خاتمي ومصطفى معين المرشح الاصلاحي في الانتخابات الماضية.. لكن حتى اشعار آخر اللعبة ستدور في داخل معسكر المحافظين.. الاصلاحيون لم يتخذوا بعد أي موقف فيما يتعلق بمشاركتهم في الانتخابات الرئاسية، بسبب ما يصفونه بأنه عدم نزاهة الانتخابات والتلاعب الموجود». وحول تأثير غياب خاتمي الآن عن الساحة السياسية، قال شمس الواعظين «الكثير من الاصلاحيين يقولون إن خاتمي طرح قضية اعتزاله السياسة بشكل متأخر، وأنه كان يجب عليه أن يعلن اعتزاله قبل فترة، ربما خلال فترة رئاسته الثانية، عندما كان يتمنى التخلص من الرئاسة بسبب الاعباء والمشاكل والأزمات التي تراكمت عليه، وشكلت أزمة له شخصيا. وبالتالي يعتقد البعض أن اعلان ترك العمل السياسي تأخر بعض الشيء.. لأن خاتمي لم يكن ساعتها رجل المرحلة، بسبب الصعوبات التي واجهها. لكن الحقيقة أنه يظل أكثر الاصلاحيين شعبية». وفي المعسكر الاصلاحي، هناك الكثير ممن لا يزالون يعتقدون ان بامكانهم اقناع الرئيس السابق بخوض الانتخابات المقبلة. وقال احد المحيطين بخاتمي لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبا عدم ذكر اسمه أمس «هناك اجماع تقريبا لدى الاصلاحيين حول اسم خاتمي للانتخابات الرئاسية». واضاف «حتى الآن لم ننجح في اقناعه، لكنه قد يغير رأيه. كل شيء رهن الظروف». اما وزير الداخلية السابق الاصلاحي عبد الواحد موسوي لاري، فقال «هناك اشخاص اكثر اولوية للتقاعد». وعلى الرغم من ان تصريح خاتمي المثير للجدل، لم يتعد العبارة الواحدة، ومع ان اطلالاته الاعلامية نادرة، فإن الرئيس السابق لا يزال فاعلا على الساحة السياسية. فهو يواصل رحلاته الى الخارج، حيث غالبا ما يستقبل كرئيس دولة.

كما قررت مؤسسته التي تعمل من أجل الحرية والتقدم والازدهار «باران»، وتضم وزراء سابقين ونواب وزراء ومسؤولين آخرين اصلاحيين ومعتدلين، فتح مكاتب لها في مختلف محافظات البلاد. وخلال الانتخابات التشريعية الاخيرة، القى خاتمي بثقله لإقناع معسكره بالبقاء في المعركة الانتخابية على الرغم من تردد البعض في خوضها بعدما رفضت السلطات القسم الاكبر من ترشيحات الاصلاحيين. وقال سعيد ليلاز المحلل السياسي ان «خاتمي سيكون مرشحا بالتأكيد، لأنه الشخصية الأكثر شعبية في معسكر الاصلاحيين، لكن بشرط ان يحصل على ضمانة من السلطات بعدم السماح بأن يخسر ماء الوجه».