الجزائر: مساع لتهدئة سكان غاضبين بسبب أزمة السكن

«تلاعب مزعوم» بأموال مساكن متضررة من زلزال وراء اضطرابات منطقة الشلف

جزائريتان تطلعان على عناوين الصحف في شارع بالعاصمة الجزائرية أمس. ونشرت وكالة «رويترز» الصورة، في إطار تحقيق لها عن وضع الصحافة في البلاد (رويترز)
TT

تسعى مجموعة من الأكاديميين الجزائريين إلى تهدئة وضع متفجر في منطقة تقع غرب البلاد، شهدت مطلع الأسبوع الماضي مشادات عنيفة بين العشرات من السكان وقوات الأمن بسبب أزمة السكن في منطقة تعرف طلباً كبيراً على السكن.

وذكر أحمد شنة رئيس «أكاديمية المجتمع المدني» لـ«الشرق الأوسط»، أن وفداً من الأكاديمية التقى وزير الداخلية يزيد زرهوني في اليوم الموالي لأحداث الشلف (200 كلم غرب العاصمة)، لبحث وقف المواجهات بين شباب المنطقة الغاضب والسلطات المحلية. وأوضح شنة أن الأكاديمية عرضت على الوزير وساطة يقوم بها أعيان الشلف، بين المتذمرين ووالي (محافظ) الشلف المتهم من قبل سكان البلدة «بهضم حقهم» في إعانة قدمتها الدولة للسكان الذين تحطمت مساكنهم بسبب زلزال دمر المنطقة عام 1980.

وأفاد شنة بأن وفداً من أعيان المنطقة طلب من السلطات العليا وقف «استفزاز» السكان بخراطيم الماء والقنابل المسيلة للدموع، وإطلاق النار في السماء، على أساس أن ذلك يزيد الوضع التهابا. وتعهد الوفد بأن يقنع الشباب الذي يرمي قوات الأمن بالحجارة بين الحين والآخر، بدخول بيوتهم. ودعا بعض الأعيان وزير الداخلية عدم متابعة المعتقلين قضائياً بدعوى أن خطوة كهذه ستزيد من درجة الاحتقان.

وقال شنة إن الوفد سينزل غدا إلى مدينة الشلف لبدء مساعيه، وتوقع عودة الأوضاع إلى سابق عهدها قريباً، مشيراً إلى أن الأعيان الذين اختارتهم الأكاديمية للوساطة «يتمتعون باحترام كبير لدى سكان المنطقة وكلمتهم مسموعة».

وقد اندلعت «أحداث الشلف» صباح الأحد الماضي حينما تجمع عدد كبير أمام محكمة المدينة لمتابعة نتائج محاكمة مسؤول بـ«مؤسسة البناءات الجاهزة»، المتهم بالتلاعب بأموال إعادة بناء مساكن المتضررين من زلزال 1980. وجاء هؤلاء الأشخاص من عدة بلدات وقرى في ولاية الشلف التي تصنف من أفقر مناطق الولاية. وطال انتظار المتجمعين الذين ازدادوا عدداً مع مرور الوقت ما دفع قوات الأمن بأمر من الوالي إلى التدخل لتفريق المتظاهرين، الذين رفضوا مغادرة المكان. وسرعان ما تحولت الساحة القريبة من المحكمة إلى حلبة صراع بين رجال الأمن الذين تعززت أعدادهم والمحتجين، واستعملت مديرية الأمن المحلية خراطيم المياه ثم لجأت إلى القنابل المسيلة للدموع، عندما لاحظت أن المدينة تتجه نحو انفلات أمني خطير. وانتشر الغاضبون في كل شوارع المدينة وحطموا العديد من المرافق العمومية، كمقر البريد ووكالات البنوك ومقار المؤسسات الإداراية وحتى المحلات التجارية الخاصة.

وقال عبد المالك بوكلال، وهو مراسل صحافي يقطن في الشلف، إن أحداث الشغب التي عاشتها المدينة يمكن وصفها بـ«ثورة السكن» في المدينة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الناس هنا لم يستسيغوا رؤية حلمهم يتبخر، فهم ينتظرون مساعدات الدولة لإعادة بناء أو ترميم مساكنهم المحطمة أو المتضررة منذ 28 سنة». وقال رب أسرة غاضب في المنطقة: «إن حالتي مثل ذلك العطشان الذي يبحث عن بئر في الصحراء ليروي ظمأه، وما أن وجده واستعد ليشرب من مائه فوجئ بشخص آخر يمنعه بالقوة ويحرمه من الشرب، فكيف يكون رد فعله ضد من منعه من الشرب؟».

وذكرت مصادر أخرى رواية ثانية للأحداث، مفادها أن منكوبي الزلزال فاجأتهم السلطات الادارية المحلية بقرار إلغاء مرسوم تنفيذي أصدره رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم في 2006، يتناول تقديم إعانة لهم تقدر بمليون دينار جزائري أي حوالي 7500 ألف دولار، فثارت ثائرتهم وعبروا عن غضبهم بالتظاهر في الشارع. وأوضحت ذات المصادر أن الأحداث اضطرت بلخادم لقطع زيارة إلى طنجة بالمملكة المغربية، حيث تنقل للمشاركة في اجتماع للأحزاب المغاربية التي أطلقت في 1958 مسار البناء المغاربي، وهو ما عرف بـ«مؤتمر طنجة».

وبدت مدينة الشلف أمس، حسب أشخاص تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، وكأنها خرجت من حرب ضروس، حيث ظلت المتاريس التي وضعها الغاضبون في الشوراع، وما زال رجال الأمن منتشرين في كل أرجاء المدينة. وتأتي أحداث الشلف بعد أقل من شهر من أحداث شبيهة وقعت في بلدة بريان بولاية غرداية (600 كلم جنوب)، حيث شهدت مواجهات بين سكان المنطقة، خلفت قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى. وأخدت القضية طابعاً عرقياً بين عشيرتين تتحدران من اثنيتين مختلفتين، واندلعت بسبب معاكسة شاب من عشيرة، فتاة من عشيرة أخرى.

ويرى مراقبون أن سبب الاضطرابات الأخيرة، حالة احتقان غير مسبوقة في أوساط شرائح واسعة من الجزائريين ممن يرون أن بلدهم يكتزن أموالاً طائلة بفضل عائدات النفط، بينما أوضاعهم الاجتماعية تزداد تأزماً.