نصر أبو زيد: لا أريد القضاء على تيار.. ومحاضرتي ليست تدميرية

يحاضر في القاهرة اليوم بعد بيروت عن «الفن وخطاب التحريم» وسط حماية أمنية

نصر حامد ابو زيد
TT

مساء اليوم، يلتقي الدكتور نصر حامد أبو زيد، جمهوره المصري في الجامعة الأميركية، ليلقي محاضرة بعنوان «الفن وخطاب التحريم». وسيعرض أبو زيد خلال هذه المحاضرة رأيه في أن «الفن ليس محرماً»، وسيلجأ للاستشهاد ببعض أفكار سيد قطب ليبرهن أنه أشار في احد كتبه الى تصوير فني في القرآن. وكانت أكثر من جهة في القاهرة قد رفضت استقبال أبو زيد إما برفع تكاليف تأجير القاعة أو بالمماطلة والتسويف، لتقبل الجامعة الأميركية بعقد هذه المحاضرة، وقد اتخذت إجراءات أمنية لحماية أبو زيد أثناء زيارته الى مصر التي وصلها أمس، رغم انه لا يعتبر نفسه في خطر. وتأتي محاضرة أبو زيد ضمن برنامج «مهرجان الربيع» الذي يقام على مدى شهر بالشراكة بين «مسرح دوار الشمس» في بيروت، و«مؤسسة المورد الثقافي» في القاهرة، حيث يقدم المثقفون والفنانون المشاركون البرنامج نفسه في العاصمتين.

وكان أبو زيد قد ألقى المحاضرة نفسها في العاصمة اللبنانية أول من أمس، بوجود جمع غفير من المثقفين والمفكرين وأساتذة جامعيين. وقدم للمحاضرة الكاتب اللبناني نصري الصايغ. ولم تغادر روح النكتة الدكتور ابو زيد رغم انه يدرك تماماً صعوبة «التفكير في زمن التكفير» كما قال، وبدا استشهاده بمقطعين من كتاب سيد قطب «التصوير الفني في القرآن» الصادر عام 1945، حيث شدد على تشبيهات استخدمها قطب أثناء حديثه عن الأسلوب القرآني مستخدماً مفردات مثل «لوحة» و«مشهد» و«صورة» و«مسرح»، ليصل إلى مقطع يتجلى فيه إحساس سيد قطب بالبلاغة القرآنية، فيقول انه يشعر أثناء قراءته القرآن وكأنه أمام «منظر يعرض وحادث يقع» أو أمام «تصوير باللون وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل كما أنه تصوير بالنغمة». كلمات غالباً ما تستخدم لتوصيف النصوص الأدبية تلك التي استخدمها سيد قطب لدراسته القرآنية، لذلك طالب أبو زيد «الإخوان المسلمين» بإعادة قراءة سيد قطب، وإعادة اكتشافه من جديد، لأن هذا البعد عنده بقي موجوداً حتى في كتابه «في ظلال القرآن». ووصل أبو زيد إلى نتيجة مفادها بأن سيد قطب اعتبر ان «علينا البحث عن منبع السحر في القرآن، قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية وقبل العلوم الكونية».

وخصص أبو زيد جزءاً كبيراً من محاضرته لمناقشة العلاقة بين الدين والفنون، متسائلاً : «هل الدين ولد من رحم الفن أم العكس؟» مستطرداً «كل دين يتضمن الصلوات والأدعية والابتهالات، وهي كلها شكل من أشكال التعبير الفني التي يصاحبها الإيقاع»، وإلا «لماذا يغيّر الوعاظ نبرة أصواتهم، حين ينتقلون من الكلام العادي إلى قراءة القرآن، الا يفعلون هذا من أجل التنغيم والموسيقى»؟، معتبراً علم التجويد علماً موسيقياً بامتياز، لكن أصحاب التحريم لا ينظرون إلى هذه الأمور باعتبارها فنوناً. ودافع أبو زيد عن الشعر لأن القرآن لا يكره الشعراء و«إلا فلماذا ازدهر كل هذا الازدهار خلال الحضارة الإسلامية؟». والمشكلة برأيه اننا بتنا نتحرك بين منطقتين هما الحلال والحرام وكأنما لا ثالث لهما، مع ان الإسلام تحدث عن المحرم والمكروه والمندوب والمباح، والأخير هو الأوسع وليس الأضيق، كما يريد ان يوحي البعض. يعيد أبو زيد الكثير من مواقفنا المعادية للفنون إلى طبيعة ثقافتنا السمعية التي اعتادت الضوضاء، ولم تألف الفنون البصرية، انها ثقافة مواويل وأغان، فيما متاحفنا نشيدها للأجانب. والتماثيل التي كان المفكر الإصلاحي محمد عبده قد قطع بشأنها، واعتبر انها كانت مشكلة في الجاهلية والعصور الإسلامية الأولى، وما عادت تشكل خطراً.. ها هي قضيتها تثار من جديد. وهنا يسأل أبو زيد: لماذا لم يحطم المسلمون الآثار الفرعونية وتماثيلها وكذلك تماثيل بوذا في افغانستان، باعتبارها أصناماً؟ والجواب على ذلك ان المسلمين الأوائل كانوا مشغولين ببناء إمبراطورية، ولديهم إحساس أنهم يفتحون دولاً متحضرة، عليهم أن يستفيدوا من ثقافتها.

وتشعبت محاضرة ابو زيد إلى الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية وفيلم «فتنة» الهولندي الذي اعتبره مجرد دعاية لا قيمة فنية لها، شارحاً ان هناك آلاف الكتب المعادية للإسلام في العالم، وهذا لا يقدم ولا يؤخر. كما تطرق إلى موضوع الغناء مذكراً بكتاب الأغاني الموسوعي التراثي وما له من قيمة أدبية وفنية. وهنا قال أبو زيد إذا كانت الفنون حراماً فلماذا نفاخر بمساجدنا وهندستها وجمالياتها الإبداعية، هل علينا ان نكون ضدها ونهدمها أيضاً؟ وأضاف «ليس غرضي القضاء على تيار أو محاربة أحد، ومحاضرتي هذه ليست دعاية تدميرية. التيارات الإسلامية من حقها ان توجد لكن ليس من حقها أن تمارس الوصاية على المجتمع بأكمله».

وعقب المحاضرة بدأ الحاضرون بالنقاش حول القضايا التي اثارتها المحاضرة التي قد لا تجد الصدى نفسه في القاهرة اليوم.