إيران تجفف نهرا في كردستان العراق بتغيير مجراه لتبقى مياهه داخل أراضيها

مشاريعها تهدد خانقين وبلدات وقرى قريبة منها بالجفاف

الجسر الحجري التاريخي المقام على نهر ألون والجفاف يبدو واضحا (تصوير: كامران نجم)
TT

يبدو أن ايران سبقت تركيا في إعلان حرب المياه في المنطقة بإقدامها على تجفيف مياه نهر «ألون» عبر تغيير مجراه لتبقى مياهه محصورة في عمق الاراضي الايرانية. ويعتبر النهر الذي ينبع من قمم جبال دالاهو في محافظة كرماشان بكردستان الايرانية، ويمر من وسط مدينة خانقين ليلتقي مع نهر سيروان المهدد هو الآخر بالجفاف ليكونا معا نهر ديالى، من أبرز الروافد المائية في العراق وأكثرها أهمية بالنسبة لمدينة خانقين وضواحيها الواقعة في أقصى الحدود الشرقية للعراق مع ايران. وعليه فان تجفيفه يعتبر بمثابة قطع شريان الحياة الرئيس ليس في خانقين وحدها بل في العديد من القرى والقصبات الواقعة على طرفي مجرى هذا النهر. وعلى مدى العقود الماضية سعت إيران مرارا لتجفيف مياه هذا النهر بشتى السبل، لكن إمكاناتها الفنية المتاحة وكذلك العوامل والظروف السياسية وقتذاك حالتا دون ذلك، إلا انها لم تكف عن التلويح دوما بالتجفيف مطلقا، وفي عهد الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم وتحديدا في عام 1960 عمدت ايران الى منع تدفق مياه النهر باتجاه العراق، لكن قاسم أمر على الفور بشق فرع من نهر سيروان المجاور بطول 41 كيلو مترا وبعمق 5 امتار وتوجيه مياهه نحو بلدة خانقين، ولم يستغرق المشروع الذي أنقذ البلدة وأهلها من الجفاف والقحط سوى ستة أشهر. والأنكى من ذلك كله هو ان ايران يبدو انها لن تكتفي بتجفيف مياه نهر ألون وحسب، بل تنفذ حاليا مشروعا اكبر من ذلك بكثير يتمثل في تغيير مجرى نهر سيروان ايضا الذي يمر من بين وديان عميقة داخل الاراضي الايرانية، وذلك عبر شق نفقين طويلين في احد الجبال التي تحاذي مجرى النهر بهدف تحويل المياه من خلالهما باتجاه المناطق الواقعة خلف مدينة جوانرو الكردية لتنتهي الى مصبات داخل الاراضي الايرانية. وفي حال استكمال هذا المشروع الخطير فان نهر سيروان سيغدو هو الآخر أثرا بعد عين لا محال.

والغريب ان ايران لم تعلن حتى الآن رسميا عن غايتها من تجفيف مياه نهر ألون، كما ان السلطات العراقية وحكومة اقليم كردستان لم يصدر عنهما اي رد فعل او موقف رسمي حيال ما يعتبره العديد من المحللين والمتابعين للشأن العراقي إعلانا لحرب المياه من جانب ايران وتركيا ضد العراق بغية ممارسة المزيد من الضغوط السياسية عليه لاسيما في ظل توفر الذرائع الممثلة بموسم الجفاف الحالي الناجم عن قلة سقوط الامطار في الشتاء الماضي والذي تعاني منه الدول الثلاث في المنطقة وبالأخص ايران والعراق. ويرى «ملا بختيار»، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الوطني الكردستاني وأحد أبرز وجوه القيادة السياسية الكردية، أن الأمر لم يصل بعد الى حد اعلان حرب المياه، معربا عن الاعتقاد بأن هذا النمط من المشاريع التي تتبناها ايران وتركيا ممثلة بإقامة السدود على تلك الانهر الصغيرة هو جزء مهم من المخططات الاستراتيجية لتلكما الدولتين والتي من شأنها وضع مشاكل المياه في صدارة المعضلات والقضايا القائمة في المنطقة على المدى القريب، طبقا لتوقعات الخبراء في منطقة الشرق الاوسط.

وعزا «ملا بختيار»، وهو من أبناء مدينة خانقين التي يتمتع فيها بشعبية كاسحة في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط»، السبب في اقدام ايران على تنفيذ مثل هذه المشاريع الى موجة الجفاف والقحط التي طالت ايران والعراق وسائر ارجاء كردستان بما فيها المناطق الشمالية مضمونة الامطار والتي نادرا ما تعاني من هذه الحالات. وفيما اذا كانت هناك اي برتوكولات او اتفاقات مشتركة بين حكومة اقليم كردستان او القيادة السياسية الكردية مع ايران حول مسألة تقاسم المياه، قال القيادي الكردي «الحوار الرسمي الوحيد بهذا الصدد قائم فقط بين وزارة الموارد المائية العراقية مع ايران، اضافة الى بحث الأمر عدة مرات بين قائممقام بلدة خانقين ونظيره في بلدة قصر شيرين الايرانية المجاورة بغية ايجاد حلول لها ولكن من دون جدوى، ولم يتم لحد الآن التوقيع على اتفاق ثنائي متين يلتزم به البلدان العراق وإيران أو حكومة إقليم كردستان وإيران، لكن حكومة الإقليم لا شك انها ستبحث هذه القضية الهامة مع الجانب الايراني في اطار المباحثات المستمرة بينها حول القضايا موضع الاهتمام المشترك»، مشيرا الى ان الرئيس العراقي جلال طالباني كان قد بحث قضية المياه مع السلطات التركية أثناء زيارته الأخيرة لأنقرة. وفي ضوء نتائج تلك المباحثات زودت تركيا العراق هذا العام بأكبر قدر ممكن من المياه في نهري دجلة والفرات، وقال ان الحكومة العراقية تسعى الآن للتوصل الى اتفاق مع ايران وتركيا بخصوص الحصص المائية حسب احتياجات الدول الثلاث كي لا تتحول المشكلة الى أزمة كبيرة بين هذه الدول مستقبلا.