رايس: على الإسرائيليين والفلسطينيين إدراك أن أحلامهما التاريخية غير ممكنة

وزيرة خارجية أميركا في حوار مع «الشرق الأوسط»: إيران وراء كل مشاكل المنطقة .. وعلى سورية أن تختار

TT

تؤكد وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس أن الولايات المتحدة ليس لها اعداء دائمون «فأقرب حلفائنا اليوم هي اليابان التي كانت عدوة في الأمس، ولدينا اليوم علاقات أفضل مع ليبيا رغم خلافاتنا السابقة», وفي اشارة الى ايران التي اعتبرتها مصدر كل المشاكل الحالية في المنطقة قالت «نحن قادرون على تجاوز الخلافات، ولكن إيران لا تفتح نافذة في هذا الاتجاه».

وفي حوار خاص اجرته معها «الشرق الأوسط» في لندن بعد يوم من حضورها اجتماعات الرباعية الدولية واجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن اضافة الى المانيا دعت الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني الى أن يقدما التنازلات عن بعض أحلامهم من أجل تحقيق الحلم الكبير. وتوقعت أن تكون الدولة الفلسطينية دولة كاملة السيادة، مؤكدة أن الاعتراف بها لم يعدا محط تساؤل.

عن مفاوضات السلام السورية ـ الاسرائيلية التي تجري بوساطة تركية، بدت متشككة في رغبة سورية في السلام لكنها قالت: نحن لا نريد بأي شكل أن نقف حائلا دون أي محاولة لتحقيق السلام بين إسرائيل وكل جيرانها». ايضا شددت على أن «الأمر الذي يجب ألا يحدث، هو أن نتحدث مع سورية في السلام متجاهلين أمر لبنان».

عن ايران قالت إنها تقف وراء كل مشاكل المنطقة سواء فيما يخص دعمها لـ«حزب الله» في لبنان وتعطيل عملية اختيار رئيس للبنان، أو في دعمها لميليشيا «جيش المهدي» في العراق، أو في دعمها لحركة «حماس» في غزة. اضافة إلى سعيها الحثيث لامتلاك التكنولوجيا التي تؤهلها لصناعة أسلحة نووية. وكانت بداية الحوار عن نشأتها في الجنوب الأميركي وتأثير ذلك في رؤيتها للعالم.

> كيف أثرت نشأتك في الجنوب الأميركي الذي عانى سابقا من سياسة الفصل العنصري، في رؤيتك لمعنى العدالة في القضايا الدولية؟

ـ في الحقيقة، أثر ذلك علي بطريقتين مهمتين، أولا أنا أتحدر من عائلة كانت تعقد الآمال علي في النجاح، وهذا ما دفعني لاحقا إلى التركيز على قضية توفير التعليم للجميع كوسيلة للنجاح. لقد كنت محظوظة بالطبع لأن والدي كانا مدرسين ويقدران جيدا قيمة العلم. وهذا جعلني أدعم وأتبنى كثيرا من البرامج التي تحفز على التعلم عندما كنت أترأس جامعة ستانفورد (في ولاية كاليفورنيا). التعليم يمنح المرء الأفق الأرحب الذي يمكنه من ممارسة طموحه وتحقيق أهدافه، مهما كانت الصعوبات والظروف القاسية التي تواجهه. كما أن نشأتي في الجنوب وتجربتي قد علمتاني أن تحقيق الديمقراطية والمساواة ليس بالأمر السهل، وأن تحقيقها يحتاج إلى جهد كبير دائم ومستمر، حتى في المجتمعات التي تعتبر نفسها مجتمعات ديمقراطية مثل الولايات المتحدة. فقضايا العدل تتطلب كفاحا يوميا، وساعة بساعة، والصراع لأجل تطبيقها لا ينتهي أبدا. وعندما أنظر تحديدا إلى الوضع الفلسطيني، أتفهم كيف أن الأسر الفلسطينية لا تستطيع أن تمنح أبناءها الأمل في مستقبل ناجح، في ظل أفق سياسي ضيق ومحدود. ولكن لا بد أن يأتي اليوم الذي يعيش فيه الفلسطينيون في دولتهم المستقلة. إن ما نطمح إليه أن يأتي اليوم الذي يحلم فيه طفل فلسطيني بأن يصبح رئيسا لدولة فلسطين عندما يكبر. هذا ما نطمح إليه حقيقة. كما أنني أتفهم أيضا قلق الأم الإسرائيلية التي تؤوي صغيرها إلى الفراش وهي تخشى قنبلة قد تنفجر به في الليل. تجربتي هذه خلقت لدي تعاطفا أكبر مع الجانب الإنساني في القضايا الدولية. فالعلاقات الدولية لا تقوم على مؤسسات ودبلوماسية وقيادات فقط، وإنما من المهم أيضا في العلاقات الدولية أن يكون لدينا إحساس بالجانب الإنساني.

> سؤالي هذا من شقين، تصريحاتك الأخيرة تشير في معظمها إلى أن الوقت بدأ ينفد بالنسبة إلى حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وأن نافذة الفرصة لتحقيق حلم الدولتين قد بدأت تضيق. فهل تعتقدين أنه في ظل هذا الوقت الضيق للإدارة الأميركية الحالية، ما زال هذا الهدف ممكن التحقيق؟ الشق الثاني من السؤال، إذا كان هناك أمر واحد على الفلسطينيين أن يقوموا به، وأمر واحد على الإسرائيليين القيام به لتحقيق رؤية الدولتين قبل نهاية العام، فما هو برأيك؟

ـ على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن يدركا بأن أحلامهما التاريخية غير ممكنة، وأن عليهما القيام بتنازلات صعبة، وأن الحل يكمن في التوصل إلى نقاط التقاء وتوافق. أعرف أن لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين معتقدات تاريخية تركز على أن هناك نصرا خالصا لطرف على حساب هزيمة كاملة تلحق بالطرف الآخر، أي معادلة صفرية فيها رابح مطلق وخاسر مطلق. هذا أمر غير ممكن. على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يقدما التنازلات عن بعض أحلامهم من أجل تحقيق الحلم الكبير، وهو قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب.

> إذا افترضنا أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لديهما النية الفعلية للتوصل إلى اتفاق، وبذلا جهدا حقيقيا من أجل تحقيق التسوية التاريخية، ولكن بقيت هناك عقبة أو أكثر لم يتمكنا من تجاوزها قبل ذهاب الإدارة الاميركية الحالية. فما الحل إذن؟

ـ سأقوم إما أنا أو الرئيس جورج بوش بإعطاء الطرفين تلك الدفعة الأخيرة التي يحتاجانها. الدرس الذي تعلمته من خلال المفاوضات الثلاثية التي كانت تجمعني بالإسرائيليين والفلسطينيين، أنني أحيانا أرى نقاطا إيجابية تغيب عن الطرفين المنغمسين في الخلاف والمشكلة، وكنت أوضحها لهم. وفي اعتقادي أن هذا هو دور رئيس الولايات المتحدة ودور وزيرة الخارجية الأميركية، أن نسلط الضوء على النقاط الغائبة عن ذهن الطرفين من أجل بناء أرضية مشتركة للحوار. هناك اعتقاد خاطئ يصل إلى حد الخرافة يقول بأنه لو فرضت الولايات المتحدة حلا جاهزا على الإسرائيليين والفلسطينيين لانتهت المسألة. هذا اعتقاد خاطئ ولن يفيد. على الطرفين نفسيهما أن يتوصلا إلى صيغة توافقية ويجدا نقاط التقاء بينهما ويقدما تنازلات في سبيل ذلك. وإذا رأينا في المستقبل بعض العقبات التي لا يستطيع الجانبان تجاوزها أو بعض الثغرات التي لم يستطيعا ملأها، فإن الولايات المتحدة لن تتردد في أن تتدخل وتسد هذه الثغرات. > بصفتك مفكرة استراتيجية، ماذا تقولين للعالم العربي المنقسم اليوم بين متفائلين بالدور الأميركي وقدرته على إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، وبين متشائمين ومشككين في هذا الدور؟ لقد قمت، وكذلك الرئيس جورج بوش، بزيارات متكررة إلى المنطقة، والرئيس الأميركي قادم قريبا للمرة الثانية إلى المنطقة، فما الذي ستقدمه الولايات المتحدة لترجيح كفة المتفائلين بالدور الأميركي وإمكانية الحل، سواء في زيارتك هذه أو في زيارة الرئيس القادمة؟

ـ نستطيع إقناع المشككين والمتشائمين في العالم العربي، فقط عندما ننجح في التوصل إلى اتفاق وحل. المتشككون سيبقون متشككين، ولكن يجب ألا نحكم على الأمور من خلال هذه الزيارة أو تلك. لقد قال الرئيس جورج بوش، والأطراف المعنية التزمت، بأنه سيكون هناك اتفاق في نهاية العام. وهذا سيكون إنجازا تاريخيا عظيما، إذا ما أخذنا في الاعتبار السنوات العديدة التي استغرقها هذا الصراع. لذا يجب ألا نحكم على المباراة قبل انتهاء مدتها الزمنية، فلا تمكن معرفة نتيجة المباراة من نتائج الشوط الأول فقط. أنا أتفهم مخاوف المتشككين، فهذا صراع استمر لعقود طويلة من الزمن. كثيرا ما يسألونني إذا كانت هذه المعضلة التاريخية قد استعصى حلها على كثيرين، فلماذا تظنين أنك قادرة على حلها؟ السؤال نفسه وجه أخيرا إلى الرئيس جورج بوش من قبل أحد أصدقائه، قائلا له: «لماذا تظن أنك قادر على حل هذا الصراع المزمن؟» الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا تستطيع حل الصراع، ولكنها تستطيع أن تساعد الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في التوصل إلى حل. الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني اليوم يدركان أن الفرصة لقيام الدولتين لن تكون متاحة لهما إلى الأبد، فالوقت يداهم الجميع. > عندما زار الرئيس جورج بوش المنطقة في المرة السابقة، احتفى به القادة العرب في الدول التي زارها. الآن شعوبهم تسألهم ما الذي قدمه الرئيس الأميركي لنا ليستحق هذا الاستقبال؟

ـ أتفهم ذلك. لا بد أولا أن يعرف الجميع بأن لدينا اليوم عملية حقيقية للسلام. ثانيا، أن الأوضاع على الأرض ستتحسن، خصوصا في الضفة الغربية، وسأمارس ضغوطا لتحقيق ذلك. وعودا على سؤالك، إذا كان هناك شيء واحد أستطيع فعله الآن، هو أن أعمل على توفير مناخ أفضل للحياة في الضفة الغربية وبشكل ملموس يشعر به الناس هناك في حياتهم اليومية. إذا ما أحس الناس بتغيرات في حياتهم ومعيشتهم نحو الأفضل، فإنهم بالتأكيد سيراهنون على السلام. ولكن مرة ثانية أقول، إن تحقيق السلام عمل شاق وتراكمي لا يحكم على نتائجه بزيارة أو عدة زيارات، إنه جهد متواصل يتطلب الاستمرارية. في لحظة ما أو عند نقطة ما، ستلتقي كل هذه الجهود لتثمر عن حل، وهذا هو الهدف من زياراتي أو زيارات الرئيس بوش. > لقد طرحتم في قضية استقلال كوسوفو، ما اصطلح عليه بـ«الاستقلال تحت الإشراف الدولي» Supervised Independence. إذا ما أخذنا في الاعتبار ضيق الوقت المتاح لإدارتكم، فهل يمكن تطبيق نموذج كوسوفو على الأراضي الفلسطينية؟

ـ في اعتقادي، أننا تجاوزنا نموذج كوسوفو فيما يخص الدولة الفلسطينية. كوسوفو كانت محكومة بظروف خاصة جدا، أما الدولة الفلسطينية فإنني أتوقع بأن تكون دولة كاملة السيادة، وقيامها والاعتراف بها لم يعودا محط تساؤل، ربما فقط من قلة قليلة. في كوسوفو، هناك الكثير من القضايا العالقة التي لم تحل بعد، أما فيما يخص الدولة الفلسطينية فلو بقيت هناك قضايا عالقة، فإننا والمجتمع الدولي سنتدخل لحلها. > قد تأتي اللحظة التي يضيق فيها الوقت لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة في نهاية العام، فهل تحت ضغط عامل الزمن، يمكن تصور سيناريو تقولون فيه، سواء أنتم أو الرباعية الدولية، لنعتمد نموذج كوسوفو أو كوسوفو معدلة؟

ـ أعرف أن حل الدولة بحدود مؤقتة كان مطروحا، ولكنني أقول بثقة أننا قد تجاوزنا ذلك بمراحل، وأننا اليوم في صدد دولة فلسطينية حقيقية. بالطبع هناك رؤى مختلفة فيما يخص مفهوم عناصر السيادة بالنسبة إلى بعض الدول، وأعرف أيضا بأن الفلسطينيين قالوا بأنهم لا يريدون دولة ذات طابع عسكري، وإذا ما اختارت الدولة الفلسطينية ذات السيادة قرارا كهذا، فإنه سيكون قرارا سياديا اختاروه بأنفسهم وبإرادتهم. ربما هذه بعض التنازلات الممكنة، ولكنني لا أتصور بأن نعود إلى سيناريو الدولة المؤقتة. ولكن إذا ما قرر الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني بأن نموذج كوسوفو هو الذي يريدانه، فلن يكون لدينا اعتراض على ذلك. رغم أنه باعتقادي أن الطرفين قد ذهبا إلى أبعد من هذا النموذج. > ما هو المطلوب من الدول العربية فعله لدعم تحقيق حل الدولتين، غير الدعم المالي؟

ـ الدعم المالي مهم جدا. لأن الفلسطينيين يحتاجون المال في بناء مؤسساتهم الوطنية، بما فيها مؤسساتهم الاقتصادية والأمنية. حتى يتحسن الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، فإن الفلسطينيين يحتاجون إلى كل الدعم. وأتمنى أن تكون الدول كافة كريمة في دعمها المالي للفلسطينيين، خصوصا في دعم الميزانية الفلسطينية، وليس مجرد دعم لبرامج إنمائية. كذلك تحتاج إسرائيل إلى أفق للسلام، ليس بعد تحقيقه ولكن أثناء العملية السلمية حين يكون مطلوبا من إسرائيل أن تقدم تنازلات مؤلمة. يجب أن تطمئن إسرائيل بأن تقديمها لهذه التنازلات يعني قبولها كدولة في محيطها الشرق اوسطي. ودعني أكرر بأن هذه الطمأنة يجب أن تقدم لإسرائيل أثناء المفاوضات وليس بعدها. > هل يمكننا الحديث عن تسوية قانونية تعترف بقيام الدولة الفلسطينية قبل الحديث الفضفاض عن سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أي بمعنى توقع استمرار صواريخ حركة «حماس» في اتجاه إسرائيل، ولكن في الإطار الجديد سيكون هذا صراعا بين دولتين يحكمهما القانون الدولي. هذا إذا كنتم ترغبون في جائزة استراتيجية تتمثل في تحالف يجمعكم مع الدول العربية كافة ضد أخطار التطرف وانتشار الأسلحة الفتاكة؟ ـ في تصوري، نحن نتجه لمعالجة القضايا في الشرق الأوسط بشكلها الأوسع، بما فيها سورية ولبنان، كي يتحقق السلام الشامل. وأنا أدرك بأنه لن يكون سلاما سهلا، لكنه في النهاية سلام. وعلى الأطراف جميعا أن تتأقلم مع الوضع الجديد وتتفاهم فيما بينها. بمرور الزمن، بالطبع، سيكون هناك أطر قانونية لهذا السلام، ولكن الأمر الأهم هو أنه في نهاية كل هذه الصراعات المختلفة، سيكون لدينا سلام.

> على ذكر سورية، هل تبارك الولايات المتحدة مفاوضات السلام الجارية بين السوريين والإسرائيليين بوساطة تركية؟ ـ لقد قرأت تقارير عن هذا الشأن. بالطبع تركيا هي حليف جيد للولايات المتحدة، وكذلك إسرائيل حليف جيد أيضا. نحن لا نريد بأي شكل أن نقف حائلا دون أي محاولة لتحقيق السلام بين إسرائيل وكل جيرانها، بما في ذلك سورية. وإذا أراد الطرفان أن يبذلا جهودا من أجل السلام، فإن الولايات المتحدة ستبارك وتدعم هذه الجهود. المشكلة أن سورية لم تظهر حتى الآن رغبة في سلام شرق أوسطي، تحديدا فيما يخص لبنان. والأمر الذي يجب ألا يحدث، هو أن نتحدث مع سورية في السلام متجاهلين أمر لبنان. قطعا، لا بد أن يرسم السوريون حدودهم مع لبنان، ولا بد من تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 بخصوص مزارع شبعا، وعلى السوريين أن يرسلوا سفيرا إلى لبنان، وأن يتوقفوا عن التعامل مع لبنان وكأنه مقاطعة سورية. والحديث مع السوريين عن السلام يجب ألا يتعارض أيضا مع المسار الفلسطيني باتجاه السلام. ولكن إذا أمكن التحرك على كافة المسارات باتجاه السلام، فإن الولايات المتحدة لن يكون لديها اعتراض. > هل يمكن التفاوض مع سورية من خلال معادلة «الجولان مقابل لبنان»، أي أن تعيد إسرائيل مرتفعات الجولان إلى سورية، ويعيد السوريون جنوب لبنان إلى لبنان؟ ـ لا أعرف إذا كانت هذه هي المعادلة التي سنصل إليها. ولكنني متأكدة بأن هناك العديد من القضايا التي يجب أن تحل أولا. فمثلا، منذ زمن طويل كان على سورية أن ترسم حدودها مع لبنان، وأن تتبادل الدولتان السفراء، وتلك قضية مستقلة عما سيتم التوصل إليه بشأن الجولان. نحن نود أن تحل كل عناصر الصراع في المنطقة لكي يتحقق السلام. وهناك إجراءات وقرارات دولية واضحة فيما يخص ترسيم الحدود وقضية مزارع شبعا، خصوصا القرار 1701.

> إذا أخذنا في الاعتبار قلقكم من الدور الإيراني فيما يخص زعزعة استقرار العراق، والملف النووي الإيراني، ألا يكون من الحكمة تقديم بعض المحفزات لسورية لنقلها من الجانب الإيراني؟ ـ على سورية أن تقرر وتختار. عند التحضير لمؤتمر أنابوليس كان يوجه إلينا دائما سؤال هل سورية مدعوة إلى هذا المؤتمر؟ يومها قلنا بالطبع، إن سورية مدعوة. وكان يوجه إلينا استفهام أيضا فيما إذا كان مؤتمر أنابوليس سيركز على المسار الفلسطيني فقط أم أنه سيبحث فكرة السلام الشامل في المنطقة، بما فيه المسار السوري. وقلنا سنبحث السلام الشامل. وقتها كان لدى سورية الفرصة أن تختار بأن تكون من الدول التي تسعى إلى التقليل من خطر المتطرفين وأن تسعى لمساعدة اللبنانيين، ولكن لم يمض وقت طويل حتى رأينا سورية تعرقل عملية انتخاب الرئيس في لبنان.

على سورية فعلا أن تتخذ القرار فيما إذا كانت تريد أن تكون جزءا من منظومة الدول التي تدعم الاستقرار في المنطقة. فيما يخص العراق، على سورية أن تقف مع الديمقراطية في العراق وتوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق من أراضيها. وفي لبنان، على سورية أن تساهم في دعم الديمقراطية اللبنانية في تسهيل مهمة اللبنانيين في اختيار رئيسهم. وأن تساعد على قيام الدولة الفلسطينية من خلال ممارسة تأثيرها على حركة «حماس» للالتزام ليس فقط بالمعايير الدولية، بل بالمعايير العربية أيضا. وأن تدعم المبادرة العربية للسلام. سورية هي التي يجب أن تقرر وتختار.

> إيران اليوم ضاعفت عدد أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب، وأيضا سلوك إيران اليوم يعقد الصورة الاستراتيجية في المنطقة خصوصا فيما يتعلق باستقرار العراق. كيف ستتعاملون مع إيران آخذين مسألة الاستقرار الإقليمي بعين الاعتبار؟

ـ هذا سؤال ممتاز. إيران تقف وراء كل مشاكل المنطقة. سواء فيما يخص دعمها لـ «حزب الله» في لبنان وتعطيل عملية اختيار رئيس للبنان، أو في دعمها لميليشيا «جيش المهدي» في العراق، أو في دعمها لحركة «حماس» في غزة. من كل ما سبق، يتضح أن إيران هي المشكلة. وأضف إلى ذلك سعي إيران الحثيث لامتلاك التكنولوجيا التي تؤهلها لصناعة أسلحة نووية. وفي هذا السياق، قمنا بدعم قدرات حلفائنا لمواجهة الخطر الإيراني، والترتيبات الأمنية التي نقوم بها في منطقة الخليج ذات أهمية عالية في هذا الشأن. ومن جهة أخرى، سنتصدى لإيران فيما يخص سلوكها في العراق، لأنها تدعم عمليات هناك تعرض قواتنا للخطر وتؤدي كذلك إلى قتل العراقيين الأبرياء، ونحن جادون ونشيطون جدا في مواجهة عملاء إيران في العراق. بالطبع، إيران دولة جارة للعراق وبينهما علاقات دبلوماسية، ولكن عندما يصل الأمر إلى إمداد عملائها بالمتفجرات التي توضع على الطرقات وتعرض قواتنا للخطر، لا بد لنا وقتئذ أن نتصدى لهم.

أما فيما يخص الملف النووي، فنحن نعمل مع المجتمع الدولي. في اجتماعنا في لندن بالأمس أوضحنا أن أمام إيران خيارين، إما العقوبات عن طريق مجلس الأمن، وبالمناسبة لن تكون عقوبات يفرضها مجلس الأمن فقط وإنما ستكون عقوبات على البنوك والهيئات الإيرانية التي تستخدم المؤسسات المالية من أجل تحقيق مكاسب وأغراض غير مشروعة. ونحن في الولايات المتحدة سنستمر في العمل على تطبيق هذه العقوبات، وعلى جعل الأشخاص والهيئات يدركون التأثير السلبي للتعامل مع إيران على سمعتهم المالية.

من ناحية أخرى، هناك خيار آخر أمام إيران، فأولا يجب أن يعرف الجميع بأنه لا يوجد لدينا خلاف مع الشعب الإيراني، فهو شعب عظيم وأبناء حضارة عظيمة، ويجب أن نكون أصدقاء. الولايات المتحدة ليس لديها أعداء دائمون، وقد أثبتنا ذلك فأقرب حلفائنا اليوم اليابان التي كانت عدوة في الأمس، ولدينا اليوم علاقات أفضل مع ليبيا رغم خلافاتنا السابقة. نحن قادرون على تجاوز الخلافات، ولكن إيران لا تفتح نافذة في هذا الاتجاه.