بوتين أنعش الاقتصاد الروسي خلال فترة حكمه وتمكن من ضبط الحركات الانفصالية

أول رئيس روسي ينتظم في الذهاب إلى مقر عمله

TT

من الدعابات التي تناقلت في الساحة الروسية مع تولي الرئيس السابق فلاديمير بوتين مهامه كرئيس للدولة في العام 2000، انه يمكن لروسيا ان تسعد بأول رئيس لها ينتظم في الذهاب الى مقر عمله مع كل صباح جديد، مقارنة بالرئيس السابق بوريس يلتسين الذي لم يكن يفعل ذلك بسبب اصابته بالكثير من الوعكات ومنها ما كان يعود الى ادمانه الشراب. وفي هذه الدعابة جزء كبير من الحقيقة. فقد تسلم بوتين روسيا وعقدها على وشك الانفراط على وقع تزايد ضربات الحركات الانفصالية وفي مقدمتها الشيشانية في الوقت الذي بدت فيه وقد سلمت كل اوراق قرارها الى الغرب الذي ارتمت قيادتها في أحضانه على النحو المثير للكثير من الجدل.

فبعد حملته في الشيشان التي بدأها في صيف 1999 مع بداية توليه منصب رئيس الحكومة الروسية، استطاع وقف نزيف الحركات الانفصالية وعودة الكثير من مناطقها عن حالات العصيان. وفي نفس الاطار يمكن الاشارة الى ما اتخذه من إجراءات للحد من نفوذ حكام الاقاليم واستعادة ما استطاعوا الحصول عليه من صلاحيات واستقلالية ابان عهد يلتسين تلبية لمقولته الشهيرة: «خذوا من الاستقلال ما تستطيعون ان تبتلعوه»!. واستهل بوتين فترة حكمه بوقفة جادة وحاسمة مع رفاق سلفه بوريس يلتسين ممن كانوا يسمونهم بـ«العائلة» وفريق الاوليغاركيا من اقطاب المال والاعمال الذين استطاعوا جمع المليارات في سنوات معدودات نتيجة خصخصة الكثير من ثروات الوطن، وفي مقدمتها مصادر الطاقة والمعادن واجهزة الاعلام. ورغم ان هناك من يقول إن بوتين كان محظوظا على الصعيد الاقتصادي بسبب ارتفاع اسعار النفط والغاز والذي يعزون اليه الطفرة الكبيرة وتحقيق اعلى معدلات النمو، فان هناك من الاسباب الموضوعية التي يقولون ومنهم بوتين انها كانت وراء ارتفاع هذه المعدلات ومنها الابتعاد عن الاعتماد على المواد الخام وتحديث الاقتصاد.   وفي اطار توجه جديد يستند الى رفضه لهيمنة القطب الواحد، تبنى بوتين في مجال السياسة الخارجية نهج الانفتاح على بلدان اوروبا الغربية والتوجه بخطى حثيثة على طريق بناء العالم المتعدد الاقطاب من خلال تنشيط اتصالاته وتعزيز علاقاته مع الصين والهند وبلدان آسيا الوسطى، ومن بقي ضمن دائرة نفوذه من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق رغم كل المتاعب التي تناثرت على الطريق من جانب جمهوريات الثورات الملونة مثل جورجيا واوكرانيا بمباركة مباشرة من الولايات المتحدة الاميركية. كما انتفض معارضا للكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها سلفه يلتسين على اعتبار انها تكرس حالة الضعف والانهيار التي بلغتها خلال سني حكم سلفه،  فأعلن عن تجميد عضوية بلاده في معاهدة الحد من الاسلحة والقوات في اوروبا، مؤكدا رفضه ايضا لنشر عناصر الدرع الصاروخي الاميركي في بلدان شرق اوروبا وتوسع الـ«ناتو» على مقربة مباشرة من حدود روسيا، فضلا عن تخصيص الكثير من المليارات لتمويل المؤسسة الصناعية العسكرية بما يحقق للقوات المسلحة القدرة على استعادة الكثير من مواقعها السابقة. ويذكر المراقبون قراره حول استئناف الطلعات الجوية للقاذفات والمقاتلات الاستراتيجية خارج الحدود الروسية قريبا من المياه الاقليمية لكبرى البلدان الغربية بعد فترة توقف تزيد عن خمس عشرة سنة. وعلى صعيد علاقات بلاده مع البلدان العربية كان بوتين ايضا اول رئيس روسي يعود الى منطقة الشرق الاوسط بعد قطيعة دامت ما يقرب من اربعين عاما، حيث استطاع خلال سنوات قليلة زيارة معظم هذه البلدان ليوقع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي قد تكون اساسا لعلاقات نوعية جديدة بين روسيا والبلدان العربية وإن كان لا يزال بعيدا عن تحقيق موقع متقدم تستطيع روسيا من خلاله ان تكون طرفا اكثر فعالية ونشاطا في مباحثات التسوية الشرق أوسطية.