الإضراب العمالي يوقع بيروت في فلتان واسع.. واشتباكات بين أنصار المعارضة والموالاة في الأحياء

غصن سارع إلى تعليق التحرك الاحتجاجي وإرجاء مظاهرة نقابية ضد قرارات الحكومة

TT

تحول الاضراب العام الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام في لبنان امس، احتجاجاً على السياسة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، الى فلتان امني واسع عم مناطق القسم الغربي من بيروت حيث شهدت احياء عدة مواجهات مسلحة بين انصار «تيار المستقبل» وانصار قوى المعارضة ولاسيما «حزب الله» وحركة «امل» استعملت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية واسفرت عن احتلال بعض المراكز الحزبية وسقوط عدد من الاصابات، فيما بذلت قوى الجيش جهودا مضنية للسيطرة على الموقف والفصل بين الفريقين ومحاولة الحد من اتساع الصدامات المسلحة.

وقد اقفل انصار المعارضة مداخل بيروت وشوارع فيها بالعوائق واطارات السيارات المحترقة وسواتر الردم والاتربة ما اعاق التنقل وحال دون وصول الكثير من الموظفين والعمال الذين لم يؤيدوا الاضراب الى مراكز عملهم. وزنرت مداخل العاصمة بحزام من نيران الاخشاب والاطارات المشتعلة، بما في ذلك طريقا مطار ومرفأ بيروت حيث تعطلت حركة الملاحة في المرفقين.

وإزاء تدهور الوضع الامني سارع رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن الى تعليق الاضراب. وأعلن تأجيل التظاهرة المركزية التي كانت ستنطلق من ساحة البربير وتعبر كورنيش المزرعة الذي انطلقت منه شرارة الصدامات الامنية فشارع مار الياس التجاري وصولا الى شارع الحمراء حيث مصرف لبنان المركزي. وحمَّل غصن الحكومة مسؤولية عدم حماية الاضراب والمظاهرة وأعلن ان المجلس التنفيذي للاتحاد سيحدد في وقت لاحق موعدا جديدا للمظاهرة العمالية.

بداية تحرك الاتحاد العمالي انطلق في وقت مبكر صباح امس وقبل الوقت المحدد لانطلاق المظاهرة العمالية. وعمد شبان من انصار المعارضة الى اقامة الحواجز الترابية واشعال الاطارات عند المداخل الرئيسية للعاصمة في مناطق الاوزاعي وطريق المطار ومستديرة الطيونة وفي شوارع بشارة الخوري وكورنيش المزرعة واوتوستراد الرملة البيضاء وطريق المرفأ وعدد من الشوارع الداخلية المؤدية الى شارع الحمراء.

شرارة الصدامات المسلحة انطلقت من تقاطع جامع عبد الناصر ـ بربور حيث يتقابل انصار «تيار المستقبل» في الطريق الجديدة مع انصار المعارضة في احياء المزرعة. وذكرت المعلومات ان مجهولا القى قنبلة يدوية في اتجاه مجموعة من انصار المعارضة كانوا يتجمهرون في المنطقة، ما تسبب بجرح جنديين وثلاثة مدنيين. وأثار الحادث توتراً شديداً. وحصلت عمليات كر وفر ومواجهات بين الجانبين بالحجارة والعصي. وظل الجيش، الذي حشد قوة كبيرة في مناطق المواجهة، يعمل لساعات على ضبط الوضع والفصل بين انصار الفريقين.

وسمعت اصوات طلقات نارية في منطقة المزرعة. وما لبثت الصدامات ان انتقلت الى احياء اخرى. وحصلت اشتباكات في منطقة بشارة الخوري، رأس النبع حيث تتقابل مراكز حزبية من الجانبين. واستعملت في الاشتباكات الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية. وذكرت وسائل الاعلام ان انصار المعارضة سيطروا على مركز لـ«تيار المستقبل». كذلك وقعت اشتباكات مماثلة في محلة النويري. وبث تلفزيون «المنار» الناطق باسم «حزب الله» ان الاهالي سيطروا على مركز «تيار المستقبل» في محلة بربور ـ المزرعة وصودرت منه اسلحة وذخائر.

وترافقت هذه الاشتباكات مع انتشار عناصر مسلحة على سطوح الابنية والشرفات العالية وفي عدد من الاحياء في المصيطبة وزقاق البلاط وساقية الجنزير وعائشة بكار والحمرا والبسطة والخندق الغميق. فيما شهدت منطقة وطى المصيطبة اشكالا بين مسلحين من الحي وآخرين من انصار المعارضة مروا في الشارع الرئيسي على دراجات نارية. كما شهد محيط جامعة بيروت العربية واوتوستراد المدينة الرياضية اطلاق نار. وافيد ان اشتباكات بالقذائف الصاروخية والرشاشات وقعت في وطى المصيطبة. لكن الجيش ما لبث ان سيطر على الموقف.

وأفادت تقارير ميدانية انه عند السابعة من صباح امس تجمع حوالي 50 شخصا وقطعوا الطريق البحرية قرب «غراند كافيه» في الروشة. وفي محلة زقاق البلاط شوهد عدد من الاشخاص على سطوح المباني. واقدم متظاهرون على تحطيم واجهات عدد من المحلات في كورنيش المزرعة. وسجل ظهور مسلح في محلة بربور.

وإزاء تدهور الوضع الامني وانسداد خط مسيرة التظاهرة العمالية وفق الخريطة التي حددها الاتحاد العمالي العام، سارعت قيادته الى عقد اجتماع طارئ، وقررت تأجيل التظاهرة. وقال رئيس الاتحاد غسان غصن، في مؤتمر صحافي عقده لاحقاً «ان الحكومة لم تقم يوماً بطرح الملف الاجتماعي بشكل صحيح منذ قيامها... وبقراءة بسيطة تبين لنا ان لا تصحيح للاجور لعدم امكان اصدار مرسوم بالحد الادنى للاجور او اصدار قانون من اجل زيادة غلاء المعيشة للقطاع العام. واغفلت بشكل كامل القطاع الخاص بعد اتفاقها مع ارباب العمل».

واعتبر ان «اختيار خط سير التظاهرة من البربير الى الحمرا عبر مار الياس كان اختياراً صائباً، لانها مكان وجود الناس والاهل والفقراء من كل فئات المجتمع اللبناني لاننا نتحدث عن لقمة عيش واحدة غير مجزأة. الا ان ما حصل من تعديات على حقوق الناس ورمي القنابل على القوى الامنية في كورنيش المزرعة، جعلنا نتساءل: هل الاتحاد مسؤول عن الامن في لبنان؟ فواجب الدولة حماية كل المواطنين وحق التعبير كفله الدستور».

واصدرت المنسقية العامة للنقابات العمالية في «تيار المستقبل» بياناً قالت فيه: «اتحفنا المدعو غسان غصن في مؤتمره الصحافي بجملة تناقضات ومغالطات اصبحت مكشوفة للرأي العام... وأهمها توقف السيد غصن امام قرارات الحكومة اللبنانية بتصحيح الأجور، متناسيا ان الحكومة قامت وتقوم بواجبها كاملا رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية البالغة الصعوبة نتيجة ممارسات جهات باتت معروفة الأهداف، والتي عطلت اجتماعات المجلس النيابي الذي من واجبه اصدار الزيادة الملحوظة في القرار بقانون يتم تطبيقه على القطاع العام بأسرع وقت ممكن، كما هي حال وزير الوصاية وزير العمل الذي من واجبه اصدار مراسيم تطبيق القرار ليتم تنفيذه على القطاع الخاص».

وأضافت: «اما لجهة التظاهرة المقررة والملغاة بناء لاقتراحه ولتعليمات من وراءه، فإننا اذ نعجب لأسباب اقرارها أعجبنا بقرار إلغائها خصوصا ان الرجوع عن الخطأ لا ينفي سوء النية.