رفح المصرية: ركود تجاري وتخوف من إعادة اقتحام الحدود مع غزة

تأثيرات إغلاق منفذ رفح امتدت لتشمل سكانها المصريين

TT

شتان ما بين الحالة العامة في مدينة رفح المصرية هذه الأيام، وبين أيام ما قبل إغلاق الحدود مع قطاع غزة عقب سيطرة حماس عليه في يونيو (حزيران) الماضي، فإغلاق الحدود لم يؤثر فقط على الفلسطينيين بل طالت تأثيراته المصريين من سكان رفح أيضا الذين كانوا يعتمدون على بيع سلعهم للفلسطينيين العابرين، وهو ما تلخصه كلمات ماهر سليم، وهو تاجر مصري يملك متجرا في مدينة رفح، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «عاد الركود مرة أخرى للمدينة بعد إغلاق الحدود .. البيع والشراء محدود للغاية .. عندما قررت فتح المتجر قبل ست سنوات كنت اعتمد في حركة البيع على الفلسطينيين الذين يترددون على معبر رفح يوميا بالآلاف .. انظر الآن البضائع مكدسة على أرفف المتجر».

ورغم أن حركة البيع والشراء شهدت نشاطا قويا عندما اقتحم آلاف الفلسطينيين الحدود في يناير (كانون الثاني) الماضي، وظلت الحدود مفتوحة لنحو 13 يوما، نفذت خلالها جميع البضائع من أسواق المدينة الحدودية المصرية الصغيرة، التي يقطنها نحو 40 ألف نسمة، إلا أنه منذ إغلاق الحدود في الثالث من فبراير (شباط) الماضي والمدينة تعاني من ركود وكساد شديدين، الأمر الذي أثر على الحالة الاقتصادية لسكانها. وقد زاد من حركة الركود بالمدينة لجوء عدد كبير من التجار إلى تخزين كميات إضافية من البضائع في أعقاب تهديدات حماس باقتحام الحدود من جديد الشهر الماضي أملا في تحقيق مكاسب تعوض حالة الركود برفح والتي بدأت منذ إغلاق المعبر بشكل كامل في منتصف يونيو من العام الماضي.

المشهد في شارع صلاح الدين، وهو الشارع التجاري الرئيسي برفح المصرية، كان غريبا، فرغم أن الساعة كانت الثانية عشر ظهرا، إلا أن الشارع والشوارع المجاورة كانت شبه خالية من المارة، فيما كانت أعداد قليلة من أهالي المدينة يقومون بشراء احتياجاتهم من بعض التجار.

يوسف سليم، صاحب متجر في شارع صلاح الدين، يبرر الكساد بقوله «عدد سكان رفح قليل للغاية والحركة التجارية في المدينة منذ فتح المعبر تعتمد على الفلسطينيين المترددين عليه فكنا نشتري منهم البضائع القادمة من غزة ونبيع لهم السلع المصرية»، مضيفا «عندما كانت غزة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي كان المعبر مفتوحا معظم الوقت وكانت حركة البيع مرتفعة للغاية».

وبلغ إجمالي عدد الفلسطينيين المترددين على معبر رفح في عام 2004، وهو العام الأخير للسيطرة الإسرائيلية على المعبر نحو 250 ألف فلسطيني.

موسى سالم وهو تاجر جملة حاول التخلص من الكساد بطريقة أخرى، يقول «توقعت أن تفتح الحدود من جديد فاشتريت كميات كبيرة من البضائع وهي مكدسة الآن داخل المخازن .. أخشى أن تتعرض للتلف وان أبيعها بخسارة إذا لم يعد فتح معبر رفح من جديد».

ولا تتوافر في مدينة رفح المصرية فرص كثيرة للعمل حيث يعمل أغلبية سكان المدينة في بيع السلع للفلسطينيين الذين كانوا يترددون على المعبر والباقي في مهن أخرى مرتبطة بالفلسطينيين خاصة قيادة سيارات الأجرة وبعضهم يعمل في الزراعة إلا انه عمل موسمي وليس دائما.

آراء المسؤولين الرسميين لم تختلف عن آراء التجار، فمن جانبه، يقول أسامة ذكري مدير الغرفة التجارية بشمال سيناء «التجار بمدينة رفح وتجار الجملة بالعريش أقاموا تجارتهم على أساس خدمة الفلسطينيين المترددين على معبر رفح .. الوضع التجاري هناك الآن صعب». وفي الساعة الثالثة عصرا تخلو مدينة رفح تماما من المارة باستثناء أعداد قليلة من السيارات التي تسير مسرعة في طرق بعضها غير مكتمل الرصف والبعض الآخر تتم عمليات رصفه.

وعلى أحد المقاهي التي لا تبعد سوى 50 مترا من الجدار الفاصل الذي شيدته مصر على الحدود مع غزة كان اثنان من عمال الصرف الصحي يحتسيان الشاي وسط طاولات المقهى الخاوية، بينما يروح ويغدو محمد، نادل المقهى، وهو فتى في الخامسة عشرة من عمره، الذي قال لنا «الحياة تتوقف تماما في رفح من الثالثة عصرا وحتى الخامسة مساء .. جميع أصحاب المحلات يغلقونها لقلة البيع والشراء .. كانت هناك متاجر كثيرة هنا تم إغلاقها بسبب ضعف الحركة».

وعن حال مقهاه يقول: «المقهى خلال فتح الحدود ظل 13 يوما يعمل دون أن يغلق أبوابه ساعة واحدة، والآن نظل اليوم كله في انتظار خمس زبائن وقد لا يأتون».

سائقو سيارات الأجرة نالوا نصيبهم من الكساد أيضا، فبعد أن كان أغلبهم يعمل على خط رفح – العريش، لنقل الفلسطينيين العابرين من الحدود إلى مدينة العريش عاصمة شمال سيناء، لجأ الكثير منهم إلى تغيير خطوط سياراتهم مؤقتا بسبب عدم وجود ركاب مع استمرار إغلاق معبر رفح. من جانبه، وافق المجلس الشعبي المحلي لمحافظة شمال سيناء على منح 300 سيارة خطوط سير مؤقتة لمناطق أخرى، بعد توقف عمل هذه السيارات نتيجة إغلاق المعبر.

ويعتبر معبر رفح نقطة العبور الوحيدة لسكان قطاع غزة حيث ينطلقون من خلاله إلى مصر ومختلف الدول العربية بعد قيام السلطات الإسرائيلية بإغلاق مطار غزة وتدمير مدرجه في أعقاب قيام انتفاضة الأقصى في أواخر سبتمبر 2000.

ورغم حالة الانتعاش الاقتصادي التي ستصاحب اقتحام الفلسطينيين للحدود مع مصر مجددا، إلا أن الآلاف من سكان رفح يخشون من هذا الأمر، خوفا من نفاذ السلع والبضائع وارتفاع الأسعار إلى أكثر من خمسة أضعافها مثلما حدث خلال اقتحام الحدود في الثالث والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. السيدة نبوية ،32 عاما، مواطنة مصرية تقيم في رفح، تقول: «الأسعار سترتفع لو دخل الفلسطينيون الأراضي المصرية بنفس الطريقة السابقة .. أسواق المدينة محدودة .. لم أجد حليب لطفلي خلال الاقتحام الماضي».

إلا أن مسؤولا محليا بمحافظة شمال سيناء أكد لـ«الشرق الأوسط» أن لدى المحافظة مخزونا احتياطيا استراتيجيا من السلع والوقود يكفي لمواجهة حالات الطوارئ في حال حدوث أي توتر بالمنطقة، مشيرا إلى أنه الآن لا يوجد أي نقص في السلع داخل مدن ومراكز محافظة شمال سيناء.

بدو سيناء، وهم أكثر الفئات التي تضررت من اقتحام الفلسطينيين للحدود، أكدوا أنهم سيتصدون لأي محاولات فلسطينية لاقتحام الحدود مرة أخرى. وقال عبد الله جهامة مستشار محافظ شمال سيناء لشؤون القبائل ورئيس مجلس قبائل وسط سيناء، إن جميع قبائل سيناء ملتزمة بالشرعية وحماية أرضها وأنها تعتبر حدود مصر خطا أحمر يجب عدم تجاوزه .

وقال يوسف الرميلي المتحدث الرسمي باسم قبيلة الرميلات بقرية الطايرة المجاورة للحدود الدولية «إن ما يقوم به الفلسطينيون يدعم المخططات الصهيونية وأننا نرفض حل المشكلة الفلسطينية على حساب مصر .. ونحن البدو نعتبر أنفسنا مجندين لحماية حدود مصر».