بوتين يتسلم رئاسة الحكومة الروسية للمرة الثانية ويعلن استراتيجية عملها

ميدفيديف يقول: بسببه عاد العالم إلى احترام روسيا من جديد

TT

في سابقة هي الاولى في تاريخ روسيا المعاصر، عاد الرئيس فلاديمير بوتين الذي سلم مهامه الرئاسية أمس الى خلفه ديميتري ميدفيديف، الى ما سبق واستهل به رحلته حين اختاره الرئيس السابق بوريس يلتسين رئيسا للحكومة الروسية في اغسطس (آب) 1999. اقر مجلس الدوما أمس ترشيح بوتين رئيسا للحكومة باغلبية اصوات تقدر بـ 392 صوتا مقابل معارضة 56 نائبا، هم مجموع اصوات الشيوعيين.  وحضر ميدفيديف جلسة مجلس الدوما امس  ليعلن بنفسه تقدمه بترشيح رئيس الحكومة في سابقة لم يشهدها المجلس منذ دورته الاولى في عام 1994. واستهل ميدفيديف حديثه بالاشارة الى ان بوتين ليس في حاجة الى سرد مؤهلاته حيث ان ما حققه من انجازات خلال سنوات ولايتيه ساهم في دعم امن وسيادة روسيا ونقلها الى الموقع الذي تستحقه ليعود العالم ثانية الى احترام روسيا. واكد الرئيس الجديد استمرارية السياسات والعمل من اجل تطبيق ما يسمى بخطة بوتين حتى عام 2020 لتوفير الظروف الملائمة لتطوير مختلف القطاعات، وفي مقدمتها التعليم والصحة والزراعة والاسكان.

من جانبه، القى بوتين كلمة أكد فيها ان «روسيا حققت الكثير لكن يبقى هناك العديد من القضايا الضخمة التي يتوجب تقريرها خلال الفترة القريبة المقبلة من خلال تضافر كل الجهود والاعتماد على السلطة التشريعية»، مشيرا الى انه ينوي التعاون معها من خلال مشاوراته الدورية مع ممثلي كل الكتل البرلمانية. واشار بوتين الى اولويات نشاط حكومته في اطار الاهتمام بالتعليم وزيادة ميزانيته بمقادر اربعة اضعاف الميزانية الحالية والتحول للارتقاء بنوعيته واهدافه وانشاء الجامعات ومعاهد الابحاث العلمية الخاصة بتلبية مطالب المناطق المحيطة بها في مختلف ارجاء الدولة الى جانب رفعه لمستوى قطاعات الصحة والإسكان والنقل والزراعة. وقال بان روسيا التي طالما كانت من مستوردي الحبوب، تقف اليوم في صدارة الدول المصدرة لها الى جانب موقعها المتقدم كدولة مصدرة للطاقة، مشيرا في نفس الوقت بضرورة الاهتمام بعدم تبديد مصادر المواد الخام وما تحققه من ارباح. واستعرض بوتين ما ستقوم به حكومته في مجال تحديث اساطيل النقل البحري والجوي وبناء الموانئ والمطارات في اطار خطة متكاملة تتناول ايضا دعم القوات المسلحة ورفع ميزانيتها. ولم يغفل بوتين ما سبق واشار اليه ميدفيديف حول الاصلاح الاداري ومكافحة البيروقراطية وإن اغفل القضية الهامة والتي توقف عندها ميدفيديف في كلمته بعد تنصيبه رئيسا للدولة حول اولوية مكافحة الفساد الذي سبق واعترف بوتين انه المشكلة الاساسية التي لم يستطع التغلب عليها طوال سنوات حكمه فيما طرح سبل مكافحتها في اطار رده على اسئلة النواب.

وقد استقبل الحضور انتهاء بوتين من تقريره بالتصفيق الحاد وقوفا قبل التحول الى مناقشته وتوجيه الاسئلة تمهيدا لبدء عملية التصويت لاقرار ترشيحه، ما كان مقدمة طبيعية للنتيجة التي اسفرت عنها عملية التصويت، رغم الهجوم الحاد الذي شنه زعيم الشيوعيين غينادي زيوجانوف ضد فترة حكم بوتين. وكان بوتين في رده على اسئلة ممثلي ثلاث من الكتل البرلمانية اعترف بحدة ازمة التضخم وارتفاع الاسعار التي قال ممثل الحزب الشيوعي انها المشكلة الاولى لـ 75% من السكان. اما عن مشكلة الفساد التي اثارها ممثل الشيوعيين، دعا بوتين الى تحقيق الاصلاح الاداري وتصفية العراقيل البيروقراطية الى جانب اهمية رفع مرتبات العاملين واعداد القاعدة القانونية اللازمة لمحاسبة المتهمين بالفساد. وانتقد بوتين الاوساط الاقتصادية الغربية التي تنثر العراقيل امام الاستثمارات الروسية في البلدان الغربية بعد ان كانت تشكو الحيلولة دون نشاطها في الدولة الروسية مؤكدا ان ما يقال حول مخاوف الغرب بشأن ان «الروس قادمون» لا اساس لها من الصحة. وقد شهدت جلسة الامس ما هو اشبه بالمسرحية الهزلية التي تبادل فيها الادوار كل من زعيمي الحزبين الشيوعي والليبرالي الديموقراطي. ففيما حمل غينادي زيوجانوف زعيم الشيوعيين على فترة حكم بوتين متهما اياه بالمسؤولية عن تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وتفشي الفساد على وقع تزايد ثروات رجال المال والاعمال وتعميم سياسات الخصخصة وعدم اضطلاع الدولة ببناء المؤسسات الصناعية والتعليمية والثقافية، قال فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي بمسؤولية الشيوعيين عن كل ما لحق بالبلاد من كوارث بعد فشل سياساتهم ابان الاتحاد السوفياتي السابق التي طالت لما يزيد عن 75 عاما. واذا كان بوتين قد تجهم وارتسمت على وجهه امارات السخط والغضب تحت وقع ضربات واتهامات زيوغانوف، فقد عادت الابتسامة العريضة لترتسم على شفتيه لدى سماعه لما طرحه جيرينوفسكي في تعليقه على حديث غريمه التاريخي من اتهامات وانتقادات حرص على تقديمها في اطار صور هزلية عبثية تندرا بسلبيات الاتحاد السوفياتي السابق. واختتم مناقشات الامس بوريس غريزلوف ممثلا عن حزب الوحدة الحاكم صاحب الاغلبية الساحقة مشيدا بما تحقق من انجازات خلال سنوات حكم بوتين ومؤكدا تأييد نواب الحزب وعددهم يزيد عن الاغلبية اللازمة لاقرار الترشيح بما يقرب من مائة صوت. ولذا كان من الطبيعي ان يحقق بوتين الرقم القياسي في عملية التصويت حاصدا اكبر قدر من اصوات نواب مجلس الدوما لم يحصل عليها اي رئيس حكومة سابق كما حرص بوريس غريزلوف رئيس المجلس على الاشارة اليه. وينتظر المراقبون اليوم ما سوف يقدم عليه بوتين من تغييرات في قوام الحكومة المدعو الى التقدم بتشكيلها الى رئيس الدولة في غضون اسبوع من امس تاريخ اصدار رئيس الدولة لمرسوم تعيينه رئيسا للحكومة الروسية.