مساع جزائرية لطلب التعويض عن مجازر ارتكبتها فرنسا في أربعينيات القرن الماضي

TT

كشف قانونيون، وأساتذة متخصصون في تدريس التاريخ بالجامعات، عن وجود مساع جزائرية لطلب التعويض من فرنسا عن مجازر مروعة راح ضحيتها 40 ألف جزائري، في أربعينيات القرن الماضي، خلال فترة استعمارها الجزائر (1830 ـ 1962).

وقال المؤرخ محمد القورصو لـ«الشرق الأوسط» إنه بصدد الاعداد لملف تاريخي يحمل شهادات ووثائق وصور عشرات الجزائريين تعرضوا لمذبحة أيام 7 و 8 و 9 مايو (أيار) 1945، عندما خرج حوالي 100 ألف شخص في مظاهرات كبيرة بثلاث مدن جزائرية بالشرق، هي قالمة وسطيف وخراطة، مطالبين السلطات الاستعمارية الفرنسية بالوفاء بوعد منح الاستقلال لمستعمراتها في حال هزيمة النازية. وذكر القورصو، الذي يعد من أهم الباحثين في أحداث 8 مايو، أن مجموعة من الباحثين في التاريخ عقدوا لقاءات دورية مع الكثير من ضحايا الأحداث وأبنائهم، بغرض تأسيس جمعية للمطالبة بحقوقهم في التعويض، عن طريق رفع دعاوى قضائية ضد السلطات الفرنسية في فرنسا. وأفاد القورصو بأن محامين فرنسيين عبروا عن استعدادهم للانخراط في المسعى بالتنسيق مع جمعيات مناهضة للعنصرية في فرنسا. يشار إلى أن المئات من الجزائريين شاركوا مع الحلفاء في حربهم ضد النازية. وقد التحقوا بجبهات القتال بعد أن تلقوا وعداً بأن بلدهم سيستعيد الحرية. وجرت أمس بغالبية مدن الجزائر احتفالات بالذكرى الـ 63 للمجازر.

واستبعد مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، أن يتم التعاطي إيجابياً مع الدعاوى المرتقبة في المحاكم الفرنسية، على أساس أن القانون الفرنسي لم يتعامل من قبل مع هذا النوع من الملفات. وقال إن القضية ستأخذ أبعاداً سياسية في حال حظيت باهتمام الإعلام الفرنسي. وذكرت مصادر أخرى مطلعة أن السلطات الجزائرية تتحاشى التدخل بشكل مباشر في الموضوع، لكنها مستعدة لرعاية مبادرة الباحثين والضحايا «بشكل غير مباشر»، بدون تقديم تفاصيل. وعلمت «الشرق الأوسط» أن «منظمة المجاهدين» التي تحظى بنفوذ في نظام الحكم بالجزائر، سترمي بثقلها في القضية، عن طريق توفير أدلة مادية عن تورط وزراء وضباط عسكريين فرنسيين بطريقة مباشرة، في قتل الأطفال والعجزة في مظاهرات مايو 1945، من بينهم أشخاص لم يكونوا ضمن المتظاهرين.

ولم يوضح القورصو متى سيتم رفع الدعاوى القضائية، لكنه قال إن الملفات التي يجري تحضيرها ستكون جاهزة قبل نهاية الخريف المقبل، وإن الضحايا يعتزمون وضعها بين يدي القضاء الفرنسي قبل نهاية العام. ويأتي موضوع الشكوى بشأن مجازر قالمة وسطيف وخراطة، في سياق استكمال ملف آخر يخص التعويض أيضاً، ويتعلق بالتجارب النووية الفرنسية التي أجريت في صحراء الجزائر عام 1960، وخضع لها حوالي 10 آلاف جزائري حسب أرقام رسمية، بعضهم توفي متأثراً بالإشعاعات بعد الاستقلال، والبعض الآخر نقل أمراضاً كثيرة مثل السرطان إلى أبنائه وأحفاده.

وترعى المبادرة محامية جزائرية تدعى فاطمة الزهراء بن ابراهم، حيث تسعى لإقناع السلطات بتمكينها من الأرشيف الذي تناول التجارب في مناطق رقان وتمنراست وواد الناموس بالصحراء الكبرى، لضمها إلى شهادات الضحايا ووثائق طبية تثبت أنهم أصيبوا بأمراض جراء إخضاعهم بالقوة للاشعاعات النووية. وقالت المحامية للصحافة، إنها تجري تنسيقاً مع قانونيين بفرنسا لمساعدتها على رفع القضية بمحكمة باريس، وحرصت على تأكيد أن الضحايا عازمون على الذهاب إلى القضاء الدولي لو رفضت المحاكم الفرنسية قبول الدعوى.