شرق بيروت واجم بسبب ما يدور في غربها وامتعاض عام من «كل الزعماء» اللبنانيين

TT

وجوم يخيّم على منطقتي عين الرمانة وفرن الشباك المتاخمتين لمستديرة الطيونة وطريق صيدا القديمة حيث أشعل مناصرو المعارضة اللبنانية الاطارات وقطعوها. شوارع خالية الا من حركة سير خفيفة، حتى عند ساعات الظهر... والقليل القليل من المارّة... وناقلات جند وملالات تمركزت عند مداخل عين الرمانة، منعا لحصول اية اشتباكات في هذه المنطقة المعروفة بحساسيتها الطائفية. هذه المداخل التي تتحول نقاط تماس ما ان تلوح بوادر الحرب أو أي شكل من اشكال النزاع.

وكان لافتا عدم استنفار عناصر «القوات اللبنانية» أو حتى مؤيديها. غابوا بشكل ملحوظ، حتى في الشوارع التي يشكّلون غالبيتها الساحقة. وهذا بعكس ما كان يحدث في المرات السابقة وآخرها في 27 يناير (كانون الثاني) الفائت عند وقوع أحداث مار مخايل. ذلك انهم كانوا خلال تلك الاحداث يتجمّعون عند بعد النقاط «الحساسة» ترقبا واستعدادا.

اللافت كذلك حرص أصحاب الافران على «ادارة» كميات الطحين «لئلا تنفد بسرعة بعدما تهافت عليها الناس في اليومين الاخيرين. اذ ان هناك الكثير ممن اقفلوا أفرانهم طوعا وتجنبا لاية مشكلة نحن في غنى عنها». كما يقول احد اصحاب الافران لـ«الشرق الأوسط» خلال الجولة التي قامت بها على المنطقة. وأضاف: «إذا استمر تهافت الناس على تخزين الخبز لن يكفينا الطحين المدعوم لمنتصف الشهر». وقد أفاد عدد من اصحاب المحال والعاملين في هذا المجال ان أفران الضاحية الجنوبية لبيروت أقفلت، ما تسبّب بنفاد الخبز من الافران في المناطق الشرقية للعاصمة.

أما نبض الناس فكان على غير عادته. النقمة هذه المرة مصوّبة نحو السياسيين، ذلك ان جميع من تسنّى لـ«الشرق الأوسط» التحدث اليهم كانوا يبدون امتعاضا من «الزعماء الذين يصرون على ارجاعنا الى الحرب». وفي هذا الاطار، تقول ندوى التي تعيش وتملك محلا في المنطقة: «لسنا ممتنّين... اللعبة باتت مكشوفة ولم تعد تنطلي على احد من اللبنانيين». وتتابع بانفعال: «لماذا أسأل عن اي من السياسيين وهم لا يسألون عن اي من اللبنانيين؟ من دفع من دمه ثمن ارضنا؟ لماذا لا يعترف كل منّا بحق الآخر في العيش في لبنان؟ ومتى درجت هذه الموضة، موضة تقسيم الشعب؟ انهم يتشاجرون بغية تقاسم المغانم، لكنهم في النهاية يتفقون على سرقتنا». وعما اذا كانت تتخوّف من امتداد المشكلات الى المنطقة، قالت: «اشعر بأمان مع انتشار الجيش. وليلزم الجميع منازلهم. إذا لم يتحدّوا لا احد يأتي صوبهم. لا نريد أن يسقط شبان دفاعا عن مستوعبات النفايات ... . الناس باتوا يدركون ان تخويفهم من الآخر ليس سوى حيلة يعتمدها الزعيم ليبقى مسيطرا على ابناء طائفته. لقد لعبوا بعقولنا طوال اعوام … ولاحقا، تبيّن اننا جميعا، مسلمين ومسيحيين، نريد البقاء والعيش في هذا الوطن. وتبيّن أيضا ان لا احد يريد أكلنا سوى الزعماء الذين يدّعون حمايتنا. الواقع انني لا أخشى سوى انقطاع الكهرباء والغلاء».

وأعرب رجل في العقد السادس من سكان المنطقة عن امتعاضه، وقال: «لقد عشنا حرب عام 1975، وبتنا معتادين على تحمّل أصعب الظروف. لكن أخاف على اولادي ومحلي لانه مصدر رزقي الوحيد. اما السياسيون الذين أقحمونا في كل هذا فبالتأكيد أخرجوا عائلاتهم من البلاد. بعد التجربة، تعلّمت درسا وهو الا أمشي خلف اي زعيم. حتى البطريرك (الماروني نصرالله صفير) أين هو الآن؟». وأضاف: «لقد تموّنا منذ شهرين وليس قبل يومين لاننا توقعنا حدوث مشكلات في ظل تبادل الخطابات الاستفزازية».

أما الشاب جورج ج. فأكد ثقته بالجيش، وقال: «ان المؤسسة العسكرية تشكل ظهر اللبنانيين جميعا، إذا كسرت ينكسر ظهرنا. لذلك يجب الا يجعلها البعض عصا يضرب بها الآخر». وأضاف: «لقد ولدت في الحرب وكبرت خلالها. وأمضيت حياتي في هذه المنطقة، حتى في حرب يوليو (تموز) 2006 الاسرائيلية لم أغادرها. فلم أخاف الآن؟ كل ما قمت به هو شراء بعض المونة لتكفينا بضعة ايام لا أكثر. أعرف ان ما يحصل اليوم خطير، لكنّه لن يؤدي الى نتيجة. على الجميع العودة الى الحوار، فلا احد يستطيع العيش بانفراد». في المقابل، يبدو الذعر واضحا على وجه احدى السيدات وقد رفضت الافصاح عن اسمها وقالت: «الخبز بدأ يفقد من المحال. يحضرون (الباعة) كميات قليلة فتنفد سريعا. المعلّبات متوافرة انما لا مال لشرائها. انني خائفة من عودة الاحداث (الحرب). لا اريد رؤية السيارات تحترق والنار تشتعل».وتوجّه سيدة اخرى قلقها الى ناحية اخرى، بالقول: «يبلغ راتبي 400 ألف ليرة (270 دولارا). وقد تموّنت (اول من) امس بـ22 ألف ليرة (نحو 15 دولارا). لكنني لن أتمكن من تسديد هذا المبلغ قبل نهاية الشهر. ايعقل ان المواد الاولية ترتفع بنسبة تفوق المائة في المائة؟ هل يريدون ان نتسوّل؟».