بين الطريق الجديدة وحي اللجا.. 20 دقيقة سيرا ومسافة أبعد نفسيا

مشاعر غضب متبادل وأصوات تنتقد لجوء حزب الله إلى السلاح

TT

بين حيّ اللجا والطريق الجديدة مسافة 20 دقيقة سيرا على الاقدام على أبعد تقدير. لكن بعد الثامن من مايو (أيار) لم يعد من السهل تحديد المسافة، ماديا ومعنويا.

توضيحا للامور حي اللجا هو أحد معاقل حركة «أمل» الشيعية في غرب بيروت. اما الطريق الجديدة فهي معقل المسلمين السنة ومعقل التأييد البيروتي لزعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري. وقد شهد أحد أطرافها ظهر اول من امس (السبت) جريمة إطلاق نار على موكب تشييع حصدت ستة قتلى وعدداً من الجرحى وحوّلت شوارعها وأزقتها الى دار عزاء في الهواء الطلق.

لا لزوم لإقناع الناس بالحديث مع الاعلاميين في الطريق الجديدة. كأنهم ينتظرون من ينقل غضبهم الى خارج حدود المنطقة المزنرة مداخلها بوحدات من الجيش اللبناني، وذلك تجنبا لأي احتكاك مع مسلحي المعارضة في منطقة بربور المواجهة بعد حصول استفزازات بدأت منذ يناير 2007 ولم تتوقف.

اما في حيّ اللجا فالامر مختلف. قد يرفض أحدهم الاجابة عن الاسئلة ويقول: Sorry. لا استطيع الكلام فأنا مسؤول في حركة أمل. ثم ينطلق على دراجته النارية. كذلك قد يتوقف «مسؤول» آخر ليسأل «الحاجّة» التي تحادثنا عن سبب وقوفها. ثم يدور بسيارته حولنا أكثر من مرّة لرصد تحركاتنا. في حيّ اللجا من يدلي برأي معتدل يتكلم بصوت خافت ويتلفت حوله. لا يريد «الشباب» ان يسمعوا حديثه. اما في الطريق الجديدة فالصوت عال والنقمة أعلى. يقول ابو طارق كعيكاتي لـ«الشرق الاوسط»: «ما حصل ليس مقاومة، لكنه احتلال. كنا مطمئنين الى أن (السيد) حسن نصر الله لن يدخل سلاحه الى الزواريب، لكنه فعل. ومن يقتل مسلما ليس أفضل من الاسرائيلي. وليت الامر اقتصر على ذلك. فرد الفعل الذي تسبب به هذا الاحتلال لشوارع بيروت وازقتها لم يعد يسهل ضبطه». ثم يشير الى محل لبيع الزهور ويضيف: «كيف سيتعامل الجيران في ما بينهم. صاحب هذا المحل شيعي. بعد قتل ستة شبان من المنطقة كسروا له محله. ماذا نفعل الآن، ابنتي متزوجة من شيعي وابني متزوج من شيعية كذلك؟ هل نقتل احفادنا او يقتلونا؟».

النساء كن أكثر غضبا من الرجال. قالت احداهن: «قتلوا شابا من المنطقة قبالة جامع عبد الناصر. سقط برصاصة قناص من بربور. كان يحاول نقل والده المريض الى المستشفى. وكان في الحادية والعشرين من عمره. متزوج وزوجته حامل. الطفل الذي سيولد سيحمل معه الحقد. لم نكن ننتظر ان يكون نصر الله مصدر الحقد الذي يغل قلوبنا حاليا ويحرقها على اولادنا».

شاب من آل عباس قال انه لا ينتمي الى اي حزب او تيار. لكن تلفزيون «المنار» نقل صورته وهو يتكلم مع عناصر من الجيش اللبناني وادعى المذيع أنه من «تيار المستقبل» يسلم مقرا للتيار الى الجيش بعد استسلامه.

الطفلة ريان كانت تحمل العلم اللبناني. قالت انها تحتمي به حتى لا يعتدي احد عليها او يهين كرامتها. اما والدتها فأكدت ان دخول الجيش انقذ الطريق الجديدة من مجزرة. وأضافت: «كنا نعيش على اعصابنا. خفنا من حركة أمل ومسلحيها الذين لا يريدون الا الظلم والافتراء».

أم ماهر عندما سألناها ماذا تفعل، أجابت: «ندفن الشباب الذين غدروهم أمس (الاول). والمقرف ان من أطلق النار عليهم كان يحظى بثقتهم. كلهم كانوا يشترون من محله ما يلزمهم». ماذا عن العائلات الشيعية في الطريق الجديدة؟ يجيب محمد: «هم اولاد منطقتنا ولهم فيها مثل ما لنا ويعيشون معنا. عائلاتان غادرتا المنطقة. وشباب الحيّ يتولون حراسة منزليهما حتى لا يتعرضا لأي تخريب او أذى. نحن لا نريد هذه الفتنة. عيب وضع هذه الفتنة في بيروت». تعقب إمرأة غاضبة: «عليه حذف اسم الله جل جلاله من اسم حزبه. حرام ذكر الله مع من يرتكب جريمة قتل المسلمين».

اما السيدة العراقية التي تسكن في احد احياء المنطقة وتتجنب ذكر اسمها فتقول: «انا عراقية من بغداد ويعز عليّ ما يحصل في لبنان. من المفروض ان يتوحد الجميع ويتعظوا من التجارب السابقة». تستنكر آثار الدمار التي لحقت بجامع عبد الناصر جراء القصف. وتضيف: «ان شاء الله يهدأ البال». رجل عجوز يقول انه لم يمر عليه في حياته فترة فيها كل هذه الحدة في المشاعر، ويضيف: «العقل زينة».

في حيّ اللجا الصورة مقلوبة. يقول رجل من عائلة قاووق: «انها ليست حربا بين السنة والشيعة. هي حرب بين الموالاة والمعارضة. هم كانوا البادئين وفتحوا النار علينا في كورنيش المزرعة. المعارضة قطعت الطرق بسبب إضراب الاتحاد العمالي العام. وهم حوّلوا الاضراب الى حرب». واذ أكد تأييده المعارضة رفض ان تستلم الحكم. وقال: «نحن نريد ان نعيش مع الجميع تحت سقف هذا الوطن». واعتبر ان «ما لحق بالأهالي من اضرار هو نتيجة طبيعية للحروب الداخلية. فهذا الثمن لا بد منه».

جارته كانت واضحة في تعاملها مع الوضع الراهن. قالت: «ما فعلناه لا يذكر. كان يجب على الشباب ان ينزلوا الى الشارع من زمن طويل حتى نكسر لهم رأسهم ونحقق مطالبنا». واستفاضت في حفلة شتائم واتهامات لقوى «14 آذار» مستخدمة كل النعوت البذيئة الممكنة. جلال يرفض هذا المنطق ويفترض ان الحصول على المطالب لا يكون بهذا الاسلوب. ويقول: «نزول حزب الله الى الشارع خطأ كبير. كان يجب ان يتفاهم المسؤولون فيه مع الحكومة لأن نتيجة ما فعلوه كانت إلحاق الضرر بأهلنا وأصحابنا وأقاربنا. كان يمكن للحزب ان يدافع عن سلاح المقاومة بطريقة مختلفة. انا من الجنوب ولولا المقاومة لما كنت استطعت ان اعود الى قريتي. لكني لست مع استخدام السلاح للحفاظ على السلاح. بالتأكيد ما جرى تسبب بزرع الحقد بين السنة والشيعة. لا أحد يحب ذلك».

ويعتقد جلال ان السياسيين يستخدمون الشعب ليحققوا مكاسبهم على حسابه، لذا بقي في منزله طوال الايام الماضية ولم يحمل السلاح ولم يقاتل «لأن السلاح يجب ان يوجه الى العدو فقط الموجود في اسرائيل وليس احياء بيروت». ويضيف: «الطرفان يلعبان بالمواطن. علينا ان لا نلحق بالزعماء».