أهالي مدينة الصدر يرمقون بصيص الأمل بعيون خائفة.. والحكومة تعدهم بمساعدات عاجلة

«الشرق الأوسط» في المنطقة المنكوبة بالفقر والعنف غداة اتفاق وقف إطلاق النار

شباب عراقيون يدخنون النارجيلة في مقهى بمدينة الصدر في أعقاب إعلان وقف اطلاق النار أمس (أ.ف.ب)
TT

كان منفذ الطالبية، أحد المداخل المؤدية الى مدينة الصدر شرق بغداد، مفتوحا كعادته أمام الوافدين أو الخارجين من المدينة، إلا انه حمل أمس صورة أخرى، فقد صمت صوت الرصاص وظهر الأطفال والنساء ووجدناهم وقد بانت على وجوههم علامات الفرح بشكل يعتادوا عليه منذ أكثر من شهر.

في الطريق إلى مدينة الصدر اتصلنا بتحسين الشيخلي المتحدث باسم خطة فرض القانون وعندما علم باننا متوجهون الى المدينة قال «ستشاهدون اليوم ما لم تشاهدوه في المرة السابقة، لقد أتاح الاتفاق متنفسا للناس وجعلهم يستبشرون خيرا»، وأكد أن العمل سار لفتح جميع المنافذ للمدينة وإعادتها كما كانت، مشيرا الى ان الخدمات بدأت بالوصول للمدينة وان وزارتي الكهرباء والماء مستعدتان للعمل على اعادة المنظومات الكهربائية التي تعرضت للضرر اثناء الاشتباكات.

وأكد الشيخلي أن أمام أهالي المدينة أربعة أيام لتسليم المطلوبين وإنهاء المظاهر المسلحة ورفع العبوات الناسفة من الطرقات لتدخل بعدها القوات العراقية فقط للمدينة، مشيرا الى ان الحكومة لم ولن تستهدف التيار الصدري وان التيار «بدأ يشعر بتحمل المسؤولية الوطنية تجاه العراقيين، وعرف ان العصابات الإجرامية الخارجة عن القانون ليست من التيار ويجب تسليمهم».

المظاهر المسلحة والتي بقيت مسيطرة على شكل المدينة منذ 25 مارس (آذار) الماضي اختفت بشكل ملفت للنظر، إلا من بعض الشوارع التي شاهدنا بها مسلحين اختفوا بين البيوت عندما اقتربنا منهم، اما الطائرات الاميركية فكانت ما تزال محلقة في اجواء المدينة بشكل كثيف ايضا، وامام مركز شرطة الجزائر كانت هناك شاحنات تحمل الأغذية والأدوية والمساعدات الانسانية. وقال مسؤول المركز لـ«الشرق الاوسط» إن «هذه المساعدات أرسلتها الحكومة منذ الصباح الباكر وستوزع على ابناء المدينة خصوصا المناطق التي تعرضت للحصار المباشر».

وصولنا الى مدينة الصدر كان بعد نهاية الدوام الرسمي، لكن أهالي المدينة بينوا لنا أن دوائر البلدية والماء والكهرباء قد فتحت أبوابها صباحا، مشيرين الى ان القوات الامنية افتتحت ايضا أجزاء من شارع الفلاح الرئيس أمام حركة السير.

وفي سوق للخضار وجدنا سيدة كبيرة في السن افترشت الارض وبدأت تبيع الخضار للزبائن، وقالت لنا «ام علي» انها اعتادت على الجلوس في السوق كل يوم منذ خمسة عشر عاما، لكنها انقطعت عنه في المواجهات المسلحة الاخيرة، وقد اخبرها احد ابنائها ان المواجهات قد انتهت فكان اول ما قامت به هذه السيدة هو انها اقتطفت من قطعة الارض التي تجاور بيتها بعض الخضار التي زرعتها وذهبت الى السوق، وعندما سألناها عن المواجهات قالت ان المواجهات «بين صدام وولد الثورة»، في اشارة الى اسم مدينة الصدر القديم قبل تسميتها بـ«مدينة صدام»، ابان عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ثم «مدينة الصدر» بعد سقوط النظام. وكانت هذه السيدة وكأنها تجهل ان صدام قد أعدم! وحاولنا تأمين لقاء مباشر بأحد مسؤولي جيش المهدي في مكتب الشهيد في المدينة، غير ان أحد زملائه في المكتب نقل عنه انه مستهدف ولا يمكن لقادة التيار الوجود في المكتب خاصة مع وجود الطيران الذي يرصد أي تحركات، وهنا فضلنا الاتصال به عبر الهاتف الجوال.

ووصف فريد الفاضلي حالة مدينة الصدر بعد توقيع الاتفاق بأنه كما هو ولم يطرأ عليه أي تغيير. وأضاف أن «جيش المهدي» داخل مدينة الصدر ما زال في حالة تأهب ومستعدا للتصدي لأي هجوم على المدينة، كما أن «حالة الاقتتال في بعض المناطق ما زالت مستمرة بين جيش المهدي والقوات الأمنية العراقية والأميركية لأن أسلحتهم ما زالت موجهة علينا فكيف نتخذ نحن وضعا مخالفا». وأشار القيادي في جيش المهدي الى أن اتفاق اول من امس «لا يعني لنا شيئا لحين صدور بيان رسمي من السيد مقتدى يأمرنا فيه بشكل مباشر بإنهاء الاقتتال حينها سنذعن للأمر وأيضا نطبق الاتفاقية، ولحد هذه اللحظة لم يصدر من السيد أي بيان وهنا سيبقى الحال عما هو عليه». مستشفى الإمام الصدر كانت تعيش هي الأخرى حالة «مأساوية» بحسب كلام مديرها الدكتور قاسم، والذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن على المعنيين زيارة المستشفى للاطلاع على أحوالها «فلم يعد الكلام كافيا لوصف الأمر أو إيصال مطالبنا»، وقال «لا أريد أن أتحدث عن عمليات جراحية وأدوية ضرورية هنا لكن سأختصر الأمر بان مادة القطن والذي يعد من ابسط المستلزمات لم تعد متوفرة، ولكم قياس الأمر للأمور الأخرى»، مؤكدا انه لم يتلق أية مواد ومساعدات طبية لا من الجهات الحكومية الرسمية ولا حتى من الجهات المدنية.

أثناء تجوالنا كنا نسمع باستمرار أصوات دوي انفجارات بعيدة لكن لم يكن واضحا المناطق التي تستهدف أو التي تطلق منها، ووصل عدد الضحايا حتى يوم أمس وبحسب الإحصائيات المتوفرة في مكتب الشهيد الصدر والأجهزة الصحية في مستشفى الامام علي الى أكثر من 1320 قتيلا بينهم نساء وأطفال فيما تجاوز عدد الجرحى 3321. ويقول ابو صلاح، وهو من اهالي المدينة، إن الطعام متوفر لكن بأسعار غالية جدا فلم يعد بمقدور التجار نقل بضائعهم لداخل علوة جميلة، أما بالنسبة للخدمات فالكهرباء غير موجودة نهارا لكنها في المساء متوفرة وان الخدمات البلدية غير موجودة خوفا من استهداف العاملين من قبل القناصين. وان المدارس عاودت افتتاح ابوابها لكن الطلبة لم ينتظموا بعد.

وقالت لنا إحدى الامهات التي وقفت عند باب منزلها القريب من السوق «الامتحانات شارفت على البدء، ونحن نخشى على مستقبل أطفالنا فهم لم ينهوا مقرراتهم الدراسية ووزارة التربية أعلنت أنها لن تؤجل الامتحانات في المناطق الساخنة».

خرجنا من المدينة وكان أحد المسلحين قد اقترب منا كثيرا، لكنه كان حذرا من اللقاء بنا، غير انه قال لنا «فقط أخرجوا قبل المساء لأنه قد يحمل الكثير من المفاجآت»، سمعنا نصيحة الشخص المسلح الذي نجهل هويته وخرجنا من منفذ الطالبية ونحن نحمل معنا بعض الأمل في حياة جديدة لهؤلاء الفقراء.