البصرة: نساء يتخذن من أطفال رضّع واجهات للتسول

متسولات يستأجرن أطفالا وبعضهن يعطونهم حبوبا منومة

TT

تتفاخر (أم علاء) التي تتخذ من ساحة أم البروم وسط البصرة مكانا للتسول بأنها لم تمنح طفلها الذي تتخذ منه وسيلة للتسول أدوية منومة كما تفعل الأخريات من المتسولات. وقالت (أم علاء) لـ«الشرق الأوسط» إن معظم زميلاتها من المتسولات «يخترن إن لم يكن لديهن أطفال رضّع من أطفال أقاربهن أو من أطفال الجيران والمحلة، واحدا شريطة أن يكون هزيلا شاحبا خفيف الوزن يكون واجهة لعملها في التسول تستدر من خلاله عطف المارة مقابل أجور يومية لأهل الطفل». وأضافت (أم علاء) أن المتسولة «تمنح الطفل مع الرضعة الصباحية حبوبا منومة بعد أن تلبسه ثياب العمل المهلهلة مما يسهل عليها التجوال في الأسواق والمقاهي والمحال التجارية وهي تحمل الطفل الغارق في النوم من دون أن يعكر لها أجواء التسول بالبكاء على ذويه».

لم تكن هذه الصورة التي رسمتها أم علاء نادرة، فقد انتشرت في الآونه الأخيرة بشكل كبير فلا يمكنك العبور من احد التقاطعات الضوئية إلا وطرقت زجاج سيارتك إحداهن بالثياب السوداء الرثة وغطاء الوجه (البوشية كما يسمى باللهجة المحلية)، وهي تحمل طفلة أو طفلا نائما تستدر عطفك بكلمات لا تخلو من الدعاء.

وتجد هؤلاء المتسولات في معظم الأماكن بعضهن أقارب أو من منطقة سكنيه واحدة بينهن أرامل ومطلقات، بعضهن يحصلن على مرتبات الرعاية الاجتماعية وأخريات بعمر الشباب يتخفين خلف البرقع كما قالت أم علاء. وإن كانت حكاياتهن مختلفة فان النتيجة واحدة.. نساء عراقيات فقدن أزواجهن أو آباءهن ولم يبق لهن إلا التأقلم مع وضع جديد وإعالة من لم تحصده أعمال العنف من عائلاتهن. لكن الشيء المثير للأسى حكاية الأطفال الصغار وتعرضهم لتأثير العقاقير المنومة لساعات طويلة من النهار.

وقال مهدي التميمي مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان في محافظات الجنوب لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة «معنية بحقوق الأطفال كما هي معنية بالفئات العمرية الأخرى، وإن تلك الضغوط التي يتعرض لها الأطفال تدعو إلى الحزن والخجل لما وصل إليه هذا الجانب من الحياة الاجتماعية..»، وأضاف «يجب ألا نحمل الدولة كامل المسؤولية حول معاناة هذه الشريحة من الأطفال وان بعض أولياء الأمور الذين يدفعون أولادهم وبناتهم ونساءهم إلى ميادين العمل يتحملون وزر الجانب المهم من هذه المشكلة».

ولم يستبعد التميمي قيام بعض العوائل بتأجير الأطفال الرضع نتيجة الفقر والفاقة وعدم قدرتها على مواصلة تربيتهم، وقال «إن الوضع القائم يتسع إلى كل الاحتمالات وان وجدت مثل هذه الظاهرة فهي تجري بشكل محدود وبعيد عن الأنظار»، داعيا السلطات التشريعية إلى إصدار القوانين التي تحمي الأطفال من أولياء الأمور.

وحول تأثير عقار المنّوم على الأطفال أوضحت الصيدلانية في مستشفى البصرة العام انعام جاسم «أن إعطاء الأطفال كميات متواصلة من عقار المنوم يعد جناية بحق الطفولة يحاسب عليها القانون لما لها من تأثيرات كبيرة على الصحة العامة لهم». وأضافت «أن من بين التأثيرات الجانبية على حياة هؤلاء الأطفال هي ضعف النمو وخاصة في مراكز الجهاز العصبي والخمول وقلة الشهية للطعام وشرود الذهن وبالتالي صعوبة في الاستيعاب وعدم القدرة على مواصلة الانتباه وكثرة التململ، مما ينعكس سلبا على حياتهم في البيت أو عند دخولهم الى المدارس وكذلك يخلق لديهم الرغبة بالإدمان عند بلوغهم مرحلة النضوج».

ويرى الدكتور كريم عبود الأكاديمي في جامعة البصرة «أن أهم أسباب اتساع هذه الظاهرة تكمن في الفقر وأعمال العنف وتعطيل العمل بالقوانين والهجرة من الريف إلى المدينة وعدم قدرة العائلة على القيام بوجباتها مما يشجع على استخدام كل الوسائل ومن بينها الأطفال لسد بعض الاحتياجات الأسرية الملحة..». وأضاف «أن من التداعيات الرئيسة لهذه الظاهرة هي ارتفاع مستوى الجهل والأمية واتساع نطاق العوز والفاقة في المجتمع وتعرض هؤلاء الأطفال إلى انتهاك حقوقهم التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل (انضم إليها العراق في مارس /آذار 1994) على أساس حمايته من الاستغلال الاقتصادي والأعمال التي يمكن أن تضر بنمو الطفل او تؤثر على تعليمه، فيما تدعو هذه الاتفاقية حكومات الدول إلى اتخاذ تدابير تشريعية تكفل حماية الأطفال من جميع الظواهر غير المرغوب فيها».