إسلام أباد: المدارس التركية.. هل تسحب البساط من تحت أقدام «الدينية»؟

13 مدرسة في 7 مدن توفر العلوم والكومبيوتر كمواد إجبارية مع جرعة قوية من القيم الأخلاقية

مدرس باكستاني في المدرسة التركية في حصة دراسية بالعاصمة إسلام أباد («الشرق الأوسط»)
TT

في خضم الانهيار شبه الكامل للتعليم التابع للقطاع العام في باكستان وارتفاع تكاليف الخدمات التعليمية التي يوفرها القطاع الخاص والموجهة إلى أبناء طبقة الصفوة، باتت المدارس الثلاث عشرة التي أنشأتها المؤسسة التعليمية الباكستانية ـ التركية ظاهرة نادرة داخل المشهد التعليمي الباكستاني. وتجتذب هذه المدارس الطبقة الوسطى العاجزة عن إلحاق أبنائها بالمدارس الخاصة باهظة التكاليف. بيد أن هناك أسباباً أخرى وراء انجذاب الطبقة الوسطى لهذه النوعية من المدارس، منها تدريس العلوم والكومبيوتر بها كمواد إجبارية، علاوة على أنه أصبح من الشائع في الوقت الحاضر بين أبناء الطبقة الوسطى الباكستانية الإقبال على إلحاق الأبناء بمدارس توفر لهم فرص تعليم أفضل من المدارس الدينية. علاوة على ذلك، يمزج المدرسون داخل المدارس التركية تعليم العلوم الحديثة بجرعة قوية من «القيم الأخلاقية المحلية». في هذا السياق، أكد كامل توري، المدير التركي لشؤون التعليم داخل المؤسسة التركية ـ الباكستانية والمسؤول عن الإشراف على النشاطات الأكاديمية داخل الـ13 مدرسة التابعة للمؤسسة والموجودة بسبع مدن باكستانية كبرى، أنه «إذا قمت بتعليم تلاميذك العلوم دون تدريس الأخلاق والقيم المحلية، فإن تلميذك سيصبح أشبه بطائر بجناح واحد. لذا، يتمثل درسنا الأول والمستمر لتلاميذنا في حب الوطن والوالدين». جدير بالذكر أنه خلال العقدين الماضيين لم يشكل التعليم محور الاهتمام الرئيس للحكومات الباكستانية المتعاقبة، مما أسفر عن وقوف القطاع التعليمي العام على شفا الانهيار. وفي وقت قريب، اعترف إحسان إقبال وزير التعليم الفيدرالي، بهذا الأمر عندما أعلن أمام مؤتمر للقيادات التعليمية على مستوى البلاد أن الأولوية الأولى للحكومة الجديدة هي إحياء القطاع التعليمي العام. وبصورة عامة، تعاني المدارس الحكومية من تدني مستويات التعليم بها، إضافة إلى مشكلة قلة عدد العاملين بها بشكل حاد. وأخيراً، أوكلت الحكومة إلى الجيش مهمة اكتشاف «المدارس الشبح» بالمناطق الريفية. ويشير هذا المصطلح إلى الحالات التي استولى خلالها المسؤولون المحليون على الأموال المخصصة لبناء مدارس بالمناطق الخاصة بهم، بينما في حقيقة الأمر لم يتم إنشاء أي مدارس. وفي ظل هذه الظروف، وجدت الطبقة الوسطى الباكستانية داخل المناطق الحضرية نفسها محصورة بين خيارين فقط، إما إلحاق أبنائها بالتعليم الحكومي الذي يفقد قيمته التجارية بسرعة، أو إلحاقهم بالتعليم الخاص الذي تتجاوز تكلفته حدود القدرات المالية لمعظم أبناء هذه الطبقة. ورغم أن المؤسسة التعليمية الباكستانية ـ التركية التي تدير 13 مدرسة فقط بمختلف أنحاء باكستان، لا توفر حلاً للمشكلات التعليمية التي يعاني منها قطاع ضخم من الشعب الباكستاني، فإنها بدأت في الظهور كخيار جاذب أمام الطبقة الوسطى داخل المناطق الحضرية.

والمجمع الهائل الخاص بالمؤسسة التعليمية الباكستانية ـ التركية يوجد في ضواحي إسلام أباد، وهناك في العادة أعداد ضخمة من الأهالي في ساحة المدرسة والذين كانوا برفقة أبنائهم الذي يخوضون امتحانات القبول. من ناحيته، قال محمد رمضان، أحد أولياء التلاميذ: «أرغب في تلقي ابني الدراسة هنا لأن ذلك سيساعده في اختيار المواد العلمية أو علوم الحاسب الآلي في المستوى الأعلى من التعليم». جدير بالذكر أنه يجري التدريس داخل هذه المدارس باللغة الإنجليزية، مما يشكل عامل جذب إضافيا لأبناء الطبقة الوسطى الباكستانية، حيث أن إتقان اللغة الانجليزية لا يعد فقط مواكباً لروح العصر السائدة، وإنما يحمل بالتأكيد قيمة تجارية داخل المجتمع الباكستاني. وبصورة إجمالية، يتلقى حوالي 3 آلاف طالب تعليمهم داخل المدارس الـ13 التابعة للمؤسسة الباكستانية ـ التركية. وأشار توري إلى أن «ما يزيد على 580 طالباً يحصلون على منح من المؤسسة، ما يعني أنهم يتلقون تعليمهم مجاناً". يذكر أن مصاريف الدراسة ليست متكافئة داخل جميع المدارس الـ13 التابعة للمؤسسة، حيث أوضح فسيه جليك، مدرس بمدرسة إسلام أباد، أنها «تختلف من مكان لآخر»، فعلى سبيل المثال، تبلغ مصاريف الدراسة للطلاب داخل مجمع إسلام أباد 3 آلاف روبية شهرياً (50 دولارا)، وهو مبلغ ترى إدارة المدرسة أن الآباء بالعاصمة بمقدورهم توفيره. واستطرد جليك قائلاً: «لكن داخل المدن الصغيرة، تقل المصاريف بكثير عن 3 آلاف روبية شهرياً». وفي الوقت الحاضر، تحاول إدارة المؤسسة الوصول إلى المناطق الريفية الباكستانية، حيث يعيش 75% من الشعب الباكستاني في فقر مدقع، مما يشكل تربة خصبة لتجنيد الجماعات المتطرفة في نظام التعليم القائم على المدارس الدينية. وفي هذا السياق، أكد جليك: «أننا نزور القرى ونحاول الوصول إلى الطلاب المعوزين وإعطاءهم منحا للدراسة في مدارسنا». وأشار أحد مديري المؤسسة التعليمية الباكستانية ـ التركية إلى أنه من بين هؤلاء الطلاب محمد جافد من لاهور الذي تم اختياره من بين أذكى 12 طالبا في باكستان ليضمن بذلك مكاناً له داخل الفريق الباكستاني الوطني الأولمبي الخاص بمادة الرياضيات. ومع أن عدد المدارس الضئيل الذي تديره المؤسسة داخل باكستان ليس بإمكانه على الإطلاق منافسة الحجم الهائل لنظام التعليم الخاص بالمدارس الدينية داخل باكستان، إلا أن نمط التعليم الذي توفره المؤسسة يشير إلى توجه جديد تماماً. وشدد جليك لـ«الشرق الأوسط» على أن «الدين لا يمكن تدريسه بالقوة، وإنما يمكن تدريسه فقط من خلال بناء القدوة». وأضاف: «مدرِّسونا يشكلون هذه القدوة أمام الطلاب من خلال ممارساتهم. نعتقد أن التطرف في كلا النمطين ينبغي تجنبه. إننا نعلم التسامح والاحترام المتبادل والتسامح إزاء جميع المعتقدات الدينية». وقال مدرس آخر إن أسلوب التعليم داخل مدارس المؤسسة يساعد على تجنيب الطلاب السقوط في التطرف الديني، وكذلك التطرف في اتباع ثقافة وقيم أجنبية. وأوضح كامل توري أنهم يحاولون داخل المؤسسة دمج العلوم الحديثة مع الأخلاق والقيم الدينية، مشدداً على أنه «على ثقة بأن مستقبل باكستان مشرق إذا نجحنا في دمج العلوم الحديثة مع القيم المحلية. نريد بناء أفراد لديهم قلوب مستنيرة وإيمان قوي بالقيم الأخلاقية والمعتقدات الدينية».