واشنطن: عمليات التجسس الداخلي تفوق المحاكمات بتهم الإرهاب

تضاؤل عدد قضايا الإرهاب بنسبة 50% عن عام 2002

TT

تشهد أعداد الأميركيين الذين يجري التنصت عليهم أو مراجعة سجلاتهم المالية وغيرها من السجلات من جانب الحكومة، زيادة مطردة، نظراً لحرص المسؤولين على الاستفادة بأكبر صورة ممكنة من السلطات التي حصلوا عليها بعد هجمات 11 سبتمبر. في الوقت ذاته، استمر تضاؤل أعداد قضايا الإرهاب التي يتم عرضها على المحاكم، بصورة حادة في بعض الحالات، التي تشكل أحد مقاييس فعالية مثل هذه الإجراءات البوليسية السرية.

وتثير هذه التوجهات التي تجلت في البيانات الحكومية الحديثة وتحليل خاص لسجلات وزارة العدل، القلق لدى الجماعات المعنية بالحريات المدنية وبعض أساتذة القانون، حيث تعتبرها هذه الجهات دليلا جديداً على أن الحكومة انتهكت حقوق الخصوصية للمواطنين العاديين دون نتائج إيجابية واضحة. علاوة على ذلك، بدأ هذا الاهتمام ببرامج التجسس في إثارة قلق بعض أعضاء الكونغرس الذين تراودهم المخاوف من أن الحكومة تفرط في الاستثمار في برامج مكافحة الإرهاب على حساب جهود مكافحة الجرائم التقليدية. بينما يثير بعض الأعضاء الآخرين تساؤلات حول مستوى أداء مكتب التحقيقات الفيدرالي على صعيد مكافحة الإرهاب. جدير بالذكر أن لجنة شؤون الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ أعلنت الأسبوع الماضي أن أداء المكتب جاء متدنياً للغاية فيما يخص إقرار التعديلات الداخلية اللازمة لحماية البلاد من التهديدات الإرهابية. وحث أعضاء الكونغرس مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي على تحديد أدوات معينة لقياس حجم التقدم الذي يتم إحرازه وتقديم تقارير إلى الكونغرس بصورة أكثر انتظاماً. وتزامن ازدياد هذه المخاوف مع سعي إدارة بوش لتوسيع نطاق السلطات الممنوحة لها بحيث تتمكن من جمع الاستخبارات من دون موافقة مسبقة من المحكمة. وطلبت الإدارة من الكونغرس الموافقة على إدخال تعديلات على قانون المراقبة الاستخباراتية الأجنبية الصادر عام 1978 بحيث يشير بوضوح إلى أن التنصت على إشارات الاتصال الأجنبية المارة عبر الولايات المتحدة لا يستلزم الحصول على إذن محكمة. من جانبهم، يؤكد المسؤولون المعنيون بفرض القانون، أن السلطات الإضافية بمجال المراقبة تنطوي على أهمية حيوية ربما لا تتضح دوماً أمام العامة. ويوضح هؤلاء المسؤولون أن التهديدات القائمة من الممكن تقليصها من خلال ترحيل الأشخاص المشتبه فيهم أو جعلهم يدركون أن السلطات تراقبهم. وفي هذا السياق، شدد توماس نيوكمب، مساعد الأمن القومي بإدارة بوش سابقاً، على أنه لا تعني مسألة انخفاض أعداد المحاكمات تضاؤل أهمية هذه التحقيقات. وإنما توحي بأن هذه التحقيقات ربما تثمر أنماطاً أخرى من المنع والحماية، مشيراً إلى توافر عشرات الإجراءات خارج إطار المحاكم الجنائية يمكن للحكومة من خلالها القضاء على التهديدات المحتملة، بما في ذلك استخدام القنوات الدبلوماسية أو العسكرية. على الجانب الآخر، نجد أنه بينما يعتقد الخبراء القانونيون أنه ليس من الضروري توقع ازدياد أعداد المحاكمات بتهم الإرهاب مع زيادة نشاطات المراقبة، لا تتوافر الكثير من السبل المناسبة الأخرى لتقدير مستوى التقدم الذي تحرزه الحكومة نحو الحفاظ على أمن البلاد. من ناحيته، تساءل دانييل ريتشمان، المدعي الفيدرالي السابق: كيف يمكن للمرء قياس النجاح؟ الإجابة الموجزة هي أننا لسنا في وضع يؤهلنا لمعرفة ذلك. وقال إنه مع تراجع أعداد المحاكمات، لا يبقى أمام الرأي العام سوى سبل غير مكتملة، وربما مضللة، لتقدير مستوى التقدم الذي حققته إدارة بوش في إطار حربها ضد الإرهاب، مثل عدد التصريحات السرية بالمراقبة والتنصت التي تصدرها الحكومة أو عدد العملاء الذين أوكلت لهم قضايا الإرهاب. وأضاف ريتشمان: تعتبر هذه هي الآثار الوحيدة التي تخلفها التحقيقات حول الإرهاب، حال عدم وجود أي محاكمات أخرى تتعلق بالتصدي للإرهاب. وهذا هو السبب وراء وجود حاجة ملحة، أكثر من أي وقت مضى، لممارسة الكونغرس لدور إشرافي، ولإقرار مبدأ مساءلة كبار مسؤولي الوزارة (العدل) ولإبداء الرأي العام ثقته في الوزارة. الى ذلك، كشفت دراسة أجرتها في وقت قريب مجموعة ترانزكشنال ريكوردس أكسس كليرينجهاوس غير الهادفة للربح التابعة لجامعة سيراكوز، أن عدد القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومي التي قدمتها وزارة العدل إلى المحاكم عام 2007 جاء أدنى من العدد المناظر عام 2002 بنسبة 50%. وتوصلت المجموعة، التي حصلت على البيانات في إطار قانون حرية المعلومات، أن عدد القضايا التي تم عرضها على المحكمة تضاءل بنسبة 19% في العام الماضي وحده، حيث انخفض إلى 505 قضايا عام 2007، بدلا من 624 عام 2006. في المقابل، أشارت وزارة العدل الشهر الماضي إلى موافقة المحكمة المعنية بقضايا التجسس على 2.370 طلبا من الوزارة للحصول على تصريحات بتفتيش أو التنصت على إرهابيين وجواسيس مشتبه فيهم داخل الولايات المتحدة العام الماضي، بارتفاع قدره 9% عن عام 2006. وقد ارتفع عدد مثل هذه التصريحات التي وافقت عليها محكمة المراقبة الاستخباراتية الأجنبية إلى ما يزيد على ضعف ما كانت عليه منذ هجمات عام 2001 الإرهابية.

كما أشارت الأرقام الصادرة عن الوزارة إلى حدوث زيادة حادة في استخدام خطابات الأمن القومي الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، من 9.254 عام 2005 إلى 12.583 عام 2006، طبقاً لأحدث البيانات المتوافرة. وتسعى هذه الخطابات للاطلاع على معلومات تتعلق بعملاء المصارف والشركات المعنية بتقديم خدمات شبكة الإنترنت وشركات الهواتف. وقد أثارت هذه الخطابات القلق، نظراً لأن العملاء ليس لهم الحق في معرفة أن المعلومات الخاصة بهم يتم الكشف عنها وأن إصدار هذه الخطابات يتم من دون إشراف من المحكمة.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز»