الحكومة بنت ترسانة حربية هائلة من أرباح البترول.. و«العدل» خسرت أراضيها

بعد الهجوم على أم درمان بقي سؤال: ماذا كان يعتقد هؤلاء المتمردون؟

قوات سوادنية تقوم بدورية في أم درمان أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد أن تصدت الحكومة السودانية بسرعة لهجوم متمردي دارفور على العاصمة الخرطوم، يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون: «ماذا كان يعتقد هؤلاء المتمردون؟».

فخلال سنوات عديدة من الحرب، كان المتمردون يركزون هجماتهم على المواقع الحكومية في دارفور، ولم يحاولوا مطلقا الهجوم على العاصمة. ولهذا أسباب وجيهة. فالخرطوم شديدة التحصين، وبمطارها غرف محصنة تحت الأرض، وهناك نحو 50 من المدفعية الثقيلة في شوارعها. وقد تم تجنيب العاصمة الكثير من الصراعات التي كانت تقع في المناطق النائية لأن الحكومة المركزية قد استخدمت أرباح البترول والأسلحة الصينية في بناء قوة دفاعية هائلة. وبغض النظر عن أن المتمردين ينتمون إلى حركة العدل والمساواة، فإن أكثر ما يثير الدهشة في هذا الهجوم هو المدى الذي وصل إليه هؤلاء. فبعد أن عبروا الصحراء في عربات مسلحة يوم السبت، أصبحوا على بعد أميال قليلة من الخرطوم. ويتساءل دافيد موزيرسكي وهو محلل سوداني في مجموعة الأزمات الدولية، وهي معهد يتتبع مناطق الصراع حول جميع أنحاء العالم: «ما الذي كان يريده هؤلاء؟ من الصعب أن نتخيل أنهم تصورا إمكانية الاستيلاء على العاصمة بعدد من السيارات يتراوح بين 50 إلى 100».

وقد أفاد جون برندرجاست وهو مؤسس مشروع كفاية الذي يكافح الإبادة الجماعية بأنه يعتقد أن الهجوم كان حيلة لكسب التأييد. لقد أراد المتمردون »صفع» حزب المؤتمر الوطني الحكومي.. وبعد ذلك يمكنهم عقد اتفاق مشاركة للسلطة مع الحزب الحاكم دون مشاركة الجماعات الأخرى في دارفور». ويقول مشيرا إلى حقيقة أن كلا من متمردي دارفور التابعين لحركة العدل والمساواة ومسؤولي الحكومة السودانية، يحملان أجندة إسلامية على الرغم من الخصام بينهما: «إننا نرى استمرارا للاقتتال الداخلي بين جماعات إسلامية». وإذا كان هذا الهجوم يقصد منه إرسال إشارة ما، فقد تكلف ذلك عشرات الأرواح حسبما شهد سكان ضواحي الخرطوم الذي رأوا جثث المتمردين متناثرة في الشوارع حتى يوم الأحد صباحا. وهناك أكثر من 20 جماعة مسلحة في دارفور، بعضها قام بمباحثات مع الحكومة، وبعضهم يستمر في القتال، وبعضهم يقتتلون فيما بينهم. ويشترك كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان (جنوب) وهي الشريك الثاني في حكومة الخرطوم، ومتمردو دارفور في العديد من الأهداف، مثل مقاومة التهميش التاريخي للمناطق النائية في السودان. ومن بعض الوجوه، يبدو أن الجنوبيين غير الراضين وأهل دارفور غير الراضين، شركاء بطبيعة الحال. لكن في يوم الأحد، أوضحت قيادة الحركة الشعبية، عن الجانب الذي تؤيده. وقد شجب سلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان والنائب الأول للرئيس السوداني، الهجوم، وقال إنه لا يساعد على حل أزمة دارفور. وقد أصدر قادته العسكريون بيانا يقولون فيه إنهم مستعدون لمساندة الحكومة الوطنية. وبالإضافة إلى أن الهجوم لا يخدم مقاتلي دارفور، فإن الهجوم يمكن أن يعوقهم. ولا تتمثل هذه الإعاقة في التقارب الذي يمكن أن يحدث بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وإنما في فقدانهم للدعم الشعبي كذلك. ويقول إسحاق آدم بشير وهو عضو في البرلمان ومؤيد لحكومة الوحدة الوطنية: «أنا دارفوري. وأنا أعلم ما يحدث هناك. إن الشعب يعاني في دارفور. إن الهجوم على الخرطوم لا يساعد هؤلاء». وقد أفاد السيد إسحاق بأن الهجوم قد كشف عن الوجه الحقيقي لحركة العدل والمساواة.

وفي هذا يقول: «من الواضح أن حركة العدل والمساواة لم تعد مهتمة بدارفور. إنهم يستغلون دارفور لتحدي الحكومة هنا، لكنهم لا يسعون إلى حل الأزمة هناك». ويقول قادة حركة العدل والمساواة إنهم هاجموا الخرطوم حتى ينقلوا المعركة مباشرة باتجاه الحكومة. ولا شك أن الحكومة سوف تفرض نوعا من الإجراءات الصارمة. ويبدو أن ذلك قد بدأ بالفعل. ويقول السكان إن القوات الحكومية قد وضعت حواجز على الطرق وانتشرت في كل شوارع الخرطوم يوم الأحد، وقد كانوا يستقلون حافلات ويفحصون بطاقات الهوية ويقبضون على المشتبهين من أهل دارفور. أما من لم يقتل من المتمردين أو لم يتم القبض عليه، فيبدو أنهم قد اختفوا، سواء كان ذلك عن طريق الاختباء وسط سكان العاصمة أو بالعودة إلى دارفور. وقد أفادت تقارير كذلك بأنه تم القبض على ضباط في الجيش السوداني بتهمة التواطؤ مع المتمردين، مما يدل على وجود تهديدات فيما يتعلق بالخدمات الأمنية. وللحكومة السودانية وجهة نظرها الخاصة بشأن الهجوم، حيث ربطت دون رؤية واضحة بينه وبين القتال الأخير على حدود دولة تشاد التي تشهد اضطرابات عديدة في الآونة الأخيرة. ففي شهر فبراير (شباط) الماضي، استولى المتمردون التشاديون الذين كانوا يتخذون من الأراضي السودانية قاعدة لهم، على القصر الرئاسي في نجامينا، العاصمة التشادية. وقد كانت قوات حركة العدل والمساواة التي تربطها صلات قوية بتشاد، هي التي تقوم بحماية القصر.

ولذلك، لم يكن من المفاجئ أن يكون أول ما تقوم به الحكومة السودانية هو قطع العلاقات مع تشاد التي يتهمها المسؤولون السودانيون بمساعدة المتمردين في محاولتهم القيام بانقلاب عسكري. يقول برندرجاست: «لقد كان رد الجميل أكبر من المتوقع».