مدينة الصدر تستعيد بعضا من هدوئها.. لكن سكانها يصطدمون بجدارها الأمني

مواطنون وتجار يشكون: نشعر وكأننا في سجن.. والهدنة ليست الحل

TT

فيما أعلن الجيش الأميركي أول من أمس، أنه أنجز 80 في المائة من الجدار الاسمنتي الأمني في مدينة الصدر معقل ميليشيا «جيش المهدي» التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر في شرق بغداد ورغم سكوت المدافع والهدوء النسبي الذي عاد الى المنطقة بعد إعلان هدنة فيها، تحطمت آمال حسين ياحيم «ابو علي» وصدم لرؤية الجدار عندما عاد لافتتاح متجره الصغير.

وتساءل ياحيم وهو في الخمسينيات من عمره بحسرة وهو ينظر الى الجدار الاسمنتي الطويل «لا أدري ماذا أفعل». ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية عنه قوله «ان العمل توقف تماما، معظم أهالي المدينة غادروها»، وتابع «حتى أنا لا استطيع الوصول الى تجار الجملة لشراء متطلبات المتجر بعد الآن».

وقطعت القوات الأميركية مدينة الصدر عند شارع القدس بجدار اسمنتي يمتد من الطرف الشمالي الى الطرف الجنوبي من هذه الضاحية الفقيرة التي تعد أكبر معاقل التيار الصدري.

وبدت المنطقة هادئة نسبيا أمس بعد توقف حدة الاشتباكات اثر اعلان التيار الصدري التوصل لاتفاق مع الائتلاف العراقي الموحد الحاكم يتضمن وقف العمليات العسكرية والسماح لقوات الأمن بالتحرك فيها.

ففي الصباح، لم تسمع سوى رشقات أسلحة رشاشة محدودة فيما انتشر الاطفال في الشوارع التي كانت بالأمس خالية تماما، وهم يلعبون كرة القدم. وتوجهت ربات المنازل لتأمين حاجيات البيت في المحال القريبة. من جانبها، استمرت القوات الاميركية التي كانت اول من وقف بوجه ميليشيا جيش المهدي بالانتشار في مدينة الصدر، حيث وقفت مدرعاتها عند تقاطعات الطرق رافعة فوهات مدافعها لتعلن استعدادها لإطلاق النار.

واعتبر أبو علي ان الاعلان عن وقف العمليات غير مجد، قائلا «ان هذا ليس هو الحل». وأضاف وهو يتطلع الى الجدار «نشعر وكأننا في سجن» وتابع «كان هنا المئات من الباعة والمحال قبل ان تقع الاشتباكات وان يبنوا هذا الجدار، لكنهم هربوا خوفا من القتل». وشدد على ان «الجدار عزل القسم المهم من المدينة، حيث المستشفيات وخدمات البلدية والاطفاء عن قطاعنا»؛ في اشارة لعزل «قطاع 9» حيث يسكن ابو علي، عن باقي مدينة الصدر.

ويبلغ طول الجدار الاسمنتي حوالي كيلومترين بارتفاع ثلاثة امتار تقريبا، ويفصل قطاع 10 و 11 و13 و58 المواجهة له والتي تعرضت المباني فيها لأضرار بليغة، عن القسم الآخر من المدينة، حيث منزل ابو علي. وأكد ابو علي ان «معظم اهالي القطاعات خلف الجدار، هجروا منازلهم». وأضاف وهو يشير الى بوابة حديدية مغلقة «صديقي نعيم، الذي يعمل في المتجر المجاور ترك عمله وأخذ عائلته وهرب».

وتعتبر المنطقة المحيطة بالجدار وتبعد حوالي عشرة امتار عن متجر ابو علي، الآن «منطقة محرمة» لا يجرؤ احد على التقرب منها، فقد تعالت صرخات الاهالي عندما حاولت امرأة ترتدي عباءة سوداء التقرب من الجدار لتختصر طريقا يؤدي الى منزلها فعادت مسرعة. كما انتشرت اكوام القمامة وحطام اكشاك السوق امام واجهات المنازل التي تعرض معظمها لأضرار جراء الاشتباكات، على ما افاد مراسل وكالة فرانس برس. وفي زقاق قريب، افترشت نحو 15 امرأة بملابس سوداء تقليدية، الارض خلف كميات قليلة من الخضر من طماطم وخيار وبصل، وشكلن بذلك سوقا جديدة لبيع الخضار. وقالت ام احمد (35 عاما) التي حمل وجهها تجاعيد كثيرة «لقد بنوا الجدار واجبرونا على الرحيل عن سوقنا والعمل هنا».

وبدأت القوات الاميركية العمل في الجدار مطلع ابريل (نيسان) الماضي، مع ذلك بدت عليه آثار اطلاق نار، في حين تحطمت اجزاء علوية منه بأسلحة ثقيلة وحدث ثقب كبير في احدى كتله الاسمنتية. ويقول القادة الاميركيون إن الجدار يهدف للحد من اطلاق قذائف الهاون التي تستهدف المنطقة الخضراء وسط بغداد، حيث مقار السفارة الأميركية والحكومة العراقية.

وقال الجنرال جيمس ميلانو مساعد قائد القوات الاميركية اول من أمس، إن ثمانين في المائة من أعمال بناء هذا الجدار أنجزت. وأعلنت القيادة الأميركية في العراق في وقت سابق، أنها تقيم هذا الجدار للحؤول دون تسلل مطلقي القذائف التي تستطيع بلوغ «المنطقة الخضراء» المحصنة.

من جانبهم، واصل عناصر جيش المهدي حمل السلاح لمنع مواصلة بناء الجدار العازل الذي يعتبره خطوة أولى لتقسيم مدينتهم بهدف السيطرة عليهم، مما أدى لوقوع اشتباكات عنيفة في المناطق القريبة، لكنهم لم يستطيعوا وقف بناء الجدار. ومع بناء الجدار، اصبح ثلث المدينة معزولا تماما عن باقي أجزائها.

وأعلن الشيخ صلاح العبيدي الناطق باسم التيار الصدري السبت التوصل لاتفاق بين التيار والائتلاف الشيعي الحاكم يتضمن وقف العمليات العسكرية وانسحاب الميليشيا من الشوارع لتتولى قوات الأمن العراقية مسؤولياتها الامنية في المدينة. وأكد أن «تنفيذ الاتفاق سيبدأ اعتبارا من يوم الاحد» على ان تنفذ «النقاط كافة» خلال أربعة أيام.