خيم اعتصام «حزب الله» في وسط العاصمة اللبنانية تحولت إلى ثكنة عسكرية تضخ العتاد والرجال للمناطق

انتشار الجيش في بيروت الغربية لم يلغ السلاح «غير الظاهر»

TT

تحولت خيم اعتصام حزب الله في الوسط التجاري لمدينة بيروت الى ثكنة عسكرية تضخ الى المناطق الاخرى حاجتها من العتاد والرجال.

وكان تطبيق الجيش اللبناني لقرار الانتشار في شوارع بيروت الغربية ومنع المظاهر المسلحة قد تراوح مفعوله بين منطقة وأخرى، ففي حين حظيت مداخل الطرق المؤدية الى منطقة الحمراء بوجود كثيف للآليات والجنود، لم يتغير الامر عما كان عليه خلال ايام العنف الماضية في مناطق البسطة والنويري وبرج ابي حيدر. لا وجود للجنود في منطقة بربور مثلا. فهم حافظوا على مراكزهم في كورنيش المزرعة واطراف مداخل رأس النبع. اما في منطقة مار الياس ورغم وجود ثكنة كبيرة للأمن الداخلي فلا يزال الشارع الرئيسي مقطوعا بحواجز «مدنية»، ما استدعى الدوران في الطرق الداخلية ليتمكن سائقو السيارات من الوصول الى وجهتهم.

جسر فؤاد شهاب او «الرينغ» كما هي تسميته الشائعة لا يزال مقفلا، وكأن اقفاله يحمي خيم الاعتصام المنصوبة جنوبه.

ازاء هذا الواقع لم ينعكس قرار الجيش الانتشار ارتياحا لدى المواطنين في المناطق المعروفة بسيطرة المليشيات عليها قبل السابع من مايو (أيار). فـ«الشباب» الذين كانوا يسيطرون على هذه المناطق، حافظوا على وجودهم، ولكن من دون سلاح ظاهر. وقد انعكس هذا الامر شللا على حركة الاهالي الذين سارعوا في ساعات الصباح الى الاستفادة من الطرق الداخلية المفتوحة قبل عودة الحصار الى حاله مع اعادة السواتر الجديدة قرب المراكز الميليشيوية.

صحيح ان بعض المحال فتح ابوابه في المناطق الداخلية، لكن خط البسطة مثلا لم يشهد يوما عاديا فبقيت معظم محاله مقفلة. واكتفى اصحاب هذا المحال بتفقد سريع للأضرار. وحدها متاجر بيع المواد الغذائية والخضار والفاكهة انتعشت ، ولكن رفوف بعض المواد التموينية المستوردة بدأت تفرغ من بضائعها.

السمة الغالبة على شوارع بيروت الغربية كانت النظافة المبالغ فيها. فقد شهدت هذه الشوارع حملة تنظيفات لإزالة آثار جولات العنف. علق أحد سكان منطقة البسطة على الامر فقال: «لم نشهد حملة كهذه في الايام العادية. لكن يبدو ان دعوة المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل فعلت فعلها مساء الاول من امس في مؤتمره الصحافي. فقد دعا الخليل وسائل الاعلام الى التجول في بيروت، لذا كان يجب اعداد الشوارع لاستقبال هذه الوسائل». ابو صالح الذي غادر منزله في النويري للمرة الاولى منذ اندلاع الاحداث الاخيرة ليتفقد منزل ابنته في منطقة رأس بيروت، قال: «لا يكفي ان يعلن الجيش انتشاره حتى نقلب الصفحة. لم اشعر بالامان خلال تجوالي. وجوه المسلحين الغائب سلاحهم لا تزال ترصد حركة الناس. يشعروننا بان مدينتنا اصبحت رهينة لديهم. لا نجرؤ على قيادة سياراتنا بحرية. ولا نجرؤ على البقاء خارج بيوتنا بعد الظهر. والجيش على أي حال لم يحمنا في الايام الماضية. ماذا تغير؟ عليهم ان يقنعونا بان هناك ما تغير فعلا».

يحتاج أهالي بيروت الى الاقتناع بأن الجيش يحميهم فعلا. التجربة الماضية كانت قاسية عليهم. يضيف ابو صالح: «ما فعله المسلحون في بيروت وتحت انظار الجيش اللبناني شكل طعنة كبيرة لنا. لن ننساها بسهولة. ولن ننسى ان لا شيء يمنعهم من معاودة الكرة عندما يجدون ان مرور شرطي قرب أحد المراكز الحزبية يشكل خطرا على المقاومة. الامور أكثر تعقيدا».

وجهة النظر هذه لها ما يبررها. فـ«الشباب» جالوا بعيد الساعة الثالثة على المحال التي فتحت أبوابها في بعض الشوارع الداخلية وامروهم بإقفالها. بالطبع نفذت الاوامر. «لا شيء يستحق المخاطرة» يقول اسامة صاحب محل الكيّ في شارع داخلي ضيق. ويضيف: «التوقف عن العمل وخسارة بعض المال اهون من خسارة المحل بمعداته». يبتعد اسامة عن الكاميرا التي تسعى الى التقاط صورته. يقول انه يتكلم مع صحافة مكتوبة لكنه لن يغامر ويظهر على الشاشة الصغيرة وهو يعترض او ينتقد. «مش وقتها. لكن لكل شيء نهاية».

على فكرة صاحب محل الكيّ هو سوري الجنسية، يعيش في بيروت منذ 27 عاما. ولا يهمه كثيرا ما يحصل على الساحة اللبنانية من تطورات. كل ما يهمه ان يبقى مع اولاده بخير وان يتمكن من تأمين لقمة عيشه.

الجولة في شوارع بيروت، شرقا وغربا، تدل على أن قرار الجيش بالانتشار لم ينجح حتى يوم أمس بإعادة الحياة الى طبيعتها. حركة السير الخجولة تسمح للسائقين بالتجوال وعبور المناطق المعروفة باكتظاظها بسرعة وهدوء أعصاب. وهي ربما الايجابية الوحيدة التي يمكن الاستفادة منها، مع شعور بالغصة لأن بعض المدارس في شرق العاصمة فتح ابوابه في حين لا تزال مدارس بيروت الغربية وجامعاتها مقفلة في وجه التلاميذ والطلاب الذين لا يجدون الا شرفات بيوتهم او مداخل ابنيتهم ليكسروا قواعد الاعتقال الطوعي والقسري في انتظار ان يجد السياسيون باباً لحل الازمات واستعادة الوتيرة الطبيعية للحياة.