الأقلام المناهضة لحزب الله تهجر بيروت الغربية إلى الأحياء المسيحية من العاصمة

بعضهم فضل «الصمت» والبعض الآخر اختار النزوح

مصور من تلفزيون المستقبل أثناء تصوير مذيعة الأخبار دوغان ناصر بعد إعادة افتتاح القناة أمس (أ.ف.ب)
TT

تقول لي صديقة مقيمة في احد الاحياء الغربية من بيروت كانت شهدت انتشارا مسلحا واعمال شغب واسعة النطاق «اصبحنا مثل الفئران، نخاف ان نتكلم، تستطيعون انتم ان تقولوا ما تريدون، نحن هنا تحت رحمة المسلحين، نخاف على حياتنا، بتنا نفضل ان نصمت».

تروي هذه الكاتبة الصحافية التي لم تكتب حرفا منذ اندلاع الاحداث وتفضل ان لا تكشف هويتها ان المنطقة الغربية من المدينة باتت خالية من كتابها ومثقفيها وصحافييها الذين يفترشون عادة مقاهيها وغالبيتهم العظمى محسوبة على قوى 14 آذار بعد ان تلقى بعضهم تهديدات مباشرة او اختار البعض الاخر النزوح تحسبا للامر. يتحدث هؤلاء الذين انتقلوا بمعظمهم الى الاحياء الشرقية ذات الغالبية المسيحية من بيروت عن عمليات تفتيش لمنازلهم او تهديدات مباشرة او غير مباشرة ومسلحين قدموا الى منازلهم لـ«السؤال» عنهم.

وتروي هذه الصديقة التي اختارت البقاء والصمت ان البعض من هؤلاء غادر المنطقة بفضل «مرافقة» من اصدقاء مقربين من الاحزاب التي تسيطر على الشارع او لهم علاقات وثيقة بهم. شكل التعدي على وسائل اعلامية في الايام الاخيرة بالحرق والكم بداية لمرحلة جديدة في حال الصحافة في لبنان لجهة ملاحقة صحافيين وتعريضهم لمضايقات وهو ما اعتبره البعض حالة استثنائية في ترهيب الصحافيين والمثقفين وكتاب الرأي لم يشهدها لبنان في حروبه الطويلة الماضية.

يقول الشاعر والكاتب الصحافي يحيى جابر وهو احد عناصر الفريق العامل في صحيفة المستقبل التي تعرضت مكاتبها للاحراق بعد اخراج صحافييها بالقوة من مكاتبهم ان ثمة مضايقات منهجية دفعت بأعداد غفيرة من الصحافيين والكتاب وهو منهم الى مغادرة منازلهم في الاحياء الغربية من بيروت.

يروي جابر «ما حدث معي ومع زملاء يعيد الى الاذهان ما فعله النازيون حين كانوا يضعون علامة على منازل اليهود، هذا ما مورس في حقنا بالفعل من دون مبالغة». ويضيف الصحافي الذي غالبا ما يهاجم حزب الله في مقالاته ويقول انه «طرد» من منزله «لم يتعرض مرة الاعلاميون لهذه الهجمة ولا حتى ايام الاجتياح الاسرائيلي حين واصلت الصحف الصدور».

ويروي ضاحكا كيف ان المسلح الذي طلب من الصحافيين اخلاء مكاتب صحيفة المستقبل يردد «سلم تسلم». ويعلق «ذكرني بالجنود الاسرائيليين لدى اقتحامهم المنازل، وددت ان اقول له: ماذا تريدني ان اسلمك؟ ماذا لدي اساسا لكي اسلمك اياه؟ هل اسلمك مكتبي او قلمي او ...بذلتي؟».

يروي جابر ان عناصر مسلحة قصدت حتى منزل زوجته السابقة في الضاحية الجنوبية لـ«السؤال» عنه قائلا «استنتجت انني شخص غير مرغوب بوجوده في المنطقة، هذا عدا سيل الرسائل الالكترونية التي اتلقاها وتهددني بشتى الالفاظ، ثمة شعور امني يلازمنا بأننا مهددون».

ويعتبر جابر ان هذه التعديات تشكل «مرحلة جديدة فعليا في حياة الاعلام اللبناني» عبر قمع كافة أدوات التعبير التي تختلف في الرأي عن الاخر بعد تصنيفها في خانة «العدو».

ويضيف «اتوقع اغتيالات في الصحافة، تعلمنا من تجربتنا في الحرب الاهلية ان مرحلة فك العظم من قبل الاخر تتزامن مع الغاء كامل له». يقول هذا الوجه الثقافي المعروف في الشارع اللبناني والذي يعرف نفسه بأنه ليبرالي علماني الى جانب كونه شيعيا، انه يفضل التواصل مع الآخرين عبر البريد الالكتروني وتحاشي الهاتف «لان خطي مراقب» معتبرا ان هجرته هذه لن تكون مؤقتة. ويتابع هذا اليساري ضاحكا «تصوري ان حزب الكتائب (المسيحي اليميني) يحاول ان يجد لي بيتا هنا» في الاحياء الشرقية من بيروت.