ما جرى في الشارع حرب أهلية حقيقية لا يمكن لأي جيش قمعها.. والتخلي عن المؤسسة لا يفيد بشيء بل يمعن في ضعفها

العماد سليمان يشرح لضباطه في «رسالة شخصية» دوافع تصرف الجيش:

TT

وجه امس قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان «رسالة شخصية» الى الضباط كافة شرح فيها طريقة تصرف المؤسسة العسكرية خلال الازمة الراهنة في محاولة «لابعاد الضباط عن التأثر بما يتداوله الاعلام اللبناني من مواقف تتعلق باداء الجيش». واتت الرسالة التي كتبها العماد سليمان بخط يده ولم يتم اجراء اي تعديلات عليها بهدف «اعادة تصويب المسار». وهي تندرج في اطار ما درج عليه سليمان في «المفاصل الكبرى» كما حصل في اعقاب حرب يوليو (تموز) وحرب نهر البارد.

وقال العماد سليمان في رسالته: «ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها وطننا العزيز لأزمات حادة، لكن الازمة الحالية التي بدأت مع استشهاد رجل الاستقلال الرئيس رفيق الحريري، هي من اخطر الازمات. على رغم ذلك، برهنتم عن جدارة ووطنية وتضحية قلما شهدت نظيرها جيوش العالم. لكن، لا غرابة في الامر، فلبنان الوطن المتنوع يختلف عن كل الاوطان، وتعدد الطوائف والمذاهب والأصول والأعراق فيه، هو نعمة بفضل جهودكم وسهركم ودماء رفاقكم الشهداء، فلا ينبغي ان تسمحوا للعابثين بالوطن بان يحوّلوا هذه النعمة الى نقمة على لبنان وشعبه». واضاف: «في العام 1975، اندلعت الحرب الاهلية بين المسيحيين، من جهة، والمسلمين والفلسطينيين، من جهة اخرى، فانسحب الجيش. ونتيجة هذا الانسحاب انقسم ولجأ الى ثكناته، وقد عمدت الميليشيات من الجانبين، الى اهانة الضباط والعسكريين وإذلالهم، وبسبب انقسام الجيش في حينه انقسم الوطن، ونشأت من تداعيات ذلك معضلات عديدة لم نستطع معالجتها حتى اليوم.

وتخلى الجيش عن واجب الدفاع عن الوطن في الجنوب، هذه المنطقة العزيزة التي عدتم اليها في نهاية العام 2007، بعد الحرب البطولية ضد العدو الاسرائيلي والتي كان لكم دور مهم فيها وتضحيات جسام».

وتابع: «ان ما جرى في الشارع اللبناني هو حرب اهلية حقيقية، لا يمكن اي جيش وطني في العالم مواجهتها وقمعها، وان اكبر الدول عانت حروباً كهذه ولم تستطع جيوشها ان تحسم القتال، بل انقسمت بين فريقي نزاع او اكثر. فالحرب الاهلية هي حرب المدن. والأسوأ والاخطر انها بين اهل المدينة الواحدة، وليس مع عدو او عصابات ارهابية، بحيث يمكن محاربتها بالتطويق والحصار، او بالهجمات المتتالية كما فعلتم في نهر البارد. فالحرب الاهلية يجب ان لا ندعها تقع. واذا وقعت، فالحل يكون بالسياسة، ولطالما نبهنا المسؤولين الى وجوب ايجاد الحلول اللازمة تجنباً للوصول الى الحرب الاهلية. وقد وقع المحظور، لسوء الحظ، غير ان الجهود الخيّرة المبذولة في الداخل والخارج من المرتقب ان تثمر حلولا للازمة، نتمنى ان تتحقق في اقرب وقت ممكن».

وتوجه الى الضباط، قائلا: «اعلم عمق ألمكم لما يجري، لكنني الفتكم الى ان جيل عام 1975 تألم كثيرا ولكنه انقسم. وما زلتم تعانون انتم من نتائج انقسامه في اعادة سيادة الدولة على اراضيها كافة. لا بل أقول كم ان الحزن الذي يختلج في نفوسكم بسبب الشعور بالمهانة وتوبيخ الضمير، يجب ان يشكل الدافع لتحصين وحدتكم والتصاقكم ببعضكم البعض، مستفيدين من عبر الماضي، فالتخلي عن المؤسسة لا يفيد بشيء، بل يمعن في ضعفها اكثر واكثر، والمطلوب هو مزيد من الابداع والانجازات التي لا تولد الا من رحم المعاناة. فحذار ان تدعوا الشهداء يقتلون مرتين».