سعد العبد الله.. صارع من أجل الكويتيين على حساب صحته

TT

بوفاة الشيخ سعد العبد الله مساء أمس، تكون الكويت قد فقدت أحد أهم رجال مرحلتها الحديثة، ومهندس تحريرها الفعلي من الغزو العراقي، الذي تعرضت له عام 1990، حيث وقف بنفسه على تفاصيل عملية التحرير، وقاد جهود إعادة إعمارها بعد عودة الشرعية في فبراير 1991.

وسيذكر الكويتيون «أبو فهد» الذي أحبوه، ونصبوه أميرا غير متوج على دولتهم المسالمة، بالرغم من عدم تأديته اليمين الدستورية أميرا للبلاد لعارض صحي أبعده عن الحياة العامة، منذ عشرة أعوام.

الشيخ سعد العبد الله استكمل في نفوس الكويتيين محبتهم لأبيه أمير الكويت الأسبق عبد الله السالم، الذي حكم بلادهم خلال الفترة 1950 ـ 1965، ولا تزال صوره ترفع في البلاد بعد 43 عاما على وفاته، عرفانا منهم بدوره المميز، في تحويل الكويت من الإمارة العشائرية إلى الدولة الحديثة، التي كان أبرز معالمها الدستور الذي تسير البلاد بمقتضاه منذ عام 1962، والديمقراطية التي حفظت الكويت عند أكثر من منعطف خطير مرت به، كان آخرها أزمة بيت الحكم، التي كان الشيخ سعد طرفا فيها.

ومع نعي الديوان الأميري مساء أمس الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، عن عمر يناهز 78 عاما، ترحم الكويتيون على رجل صارع كثيرا لأجلهم، وأعطى بلادهم من نفسه الكثير، وعلى حساب صحته، حتى تعرض لمرض عضال أبعده منذ عشر سنوات عن الحياة العامة، مستذكرين طول الأيام التي كانت تفصل «مغادرته أرض البلاد لإجراء فحوصات طبية» وتلك التي يظهر بها المذيع مبتسما على القناة الرسمية، ليعلن لهم «عودته إلى أرض الوطن سالما معافى».

ورغم تولي الشيخ سعد مسؤولية الدفاع والأمن، إلا أنه لم يحط نفسه بدائرة مغلقة، فأبوابه كانت مفتوحة للجميع، وكان هو الرجل الأول في عهد الشيخ جابر، منذ أن نودي به وليا للعهد في فبراير (شباط) من عام 1978، وتوليه بعد ذلك مسؤولية رئاسة الحكومات المتعاقبة منذ تلك الفترة، وحتى عام 2003 الذي ابتعد فيه عن رئاسة الحكومة، والاكتفاء بمنصب ولي العهد.

وشهدت الكويت في عهد الشيخ سعد العبد الله، خلال توليه رئاسة الحكومة عدة أزمات، سياسية واقتصادية وأمنية، خرجت منها البلاد، أكثر قوة والتحاما حول أسرتها الحاكمة التي كان هو حلقة الوصل فيها، بين الأطراف الرئيسة من أسرة حاكمة وحكومة وشعب.

أما حياته فصنعت عدة محطات بارزة عربيا، أولها كان حينما قام بدور المفاوض الأبرز بين الفصائل الفلسطينية والسلطات الأردنية، خلال حرب أيلول 1970، وقيامه بتهريب الرئيس الراحل ياسر عرفات من عمّان، حقنا للدماء العربية، حينما عرض عليه ارتداء ثياب أحد مرافقيه، والانضمام لموكب الوفد الكويتي الخارج من العاصمة الأردنية، وهي الرواية التي أكدها أكثر من مصدر في عرض تطرقهم لتاريخ القضية الفلسطينية، ودور الشيخ سعد في تلك المرحلة.

أما المنعطف الأهم فكان حينما تولى بنفسه مسؤولية المشرف الأول على تحرير البلاد من الغزو العراقي الذي تعرضت له عام 1990، والتي بدأت مع ترؤسه وفد الكويت إلى قمة جدة، التي سبقت الغزو بأيام، ودخوله في مفاوضات مع نائب الرئيس العراقي وقتها عزة الدوري برعاية خادم الحرمين الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، والتعهدات التي قدمها الجانب العراقي، والتي انتهت باحتلال العراق للكويت فجر الثاني من أغسطس (آب) 1990.

وفجر يوم الغزو العراقي، توجه الشيخ سعد لرئاسة أركان الجيش الكويتي، ووقف بنفسه على المعارك الأولية في مقر القيادة، ثم أمر بإخراج الأمير الشيخ جابر الأحمد، وتوجه معه في موكبه إلى الحدود السعودية، حيث أمّن الأمير، وتوجه للكويتيين عبر الإذاعة، مطمئنا إياهم على سلامة أميرهم، واستمر بإشرافه المباشر على الكويتيين داخل دولتهم المحتلة، وخارجها، وكذلك دعم الصامدين، ومد رجال المقاومة باحتياجاتهم، حتى عاد بعد تحرير البلاد في فبراير 1991، ليرفع بنفسه العلم الكويتي في الساحة الشعبية، إعلانا بتحرير دولة الكويت من محتلها.

طويت بالأمس صفحة الشيخ سعد العبد الله، وسيوارى جثمانه اليوم ثرى الوطن الذي أحبه، وأعطاه، وقدم له ما يملك، وفيما أعلنت الكويت رسميا أمس حدادها ثلاثة أيام اعتبارا من اليوم، ونكست فيها الأعلام، إلا أنها من المؤكد ستحزن أكثر من ذلك على رحيل رجل أشرف بنفسه على ازدهار وطن، رسم والده معالمه الأولى، وكان قدره استكمال تلك المسيرة، واستنهل محبته في قلوب الكويتيين من والده، الذي أحبوه ولا يزالون.