زيباري لـ«الشرق الأوسط»: العراق ليس لبنان.. ولن نسمح بوجود دولة داخل الدولة

وزير الخارجية العراقي: نستبدل بالوصاية الدولية اتفاقا استراتيجيا مع أميركا

هوشيار زيباري
TT

كشف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عن مقترح عراقي قدمه الى الاجتماع الوزاري حول لبنان، يتضمن عقد قمة عربية مصغرة تضم مصر والسعودية وسورية ولبنان والاردن. وأفاد زيباري في حديث لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة، بأن الحل في لبنان صعب جدا، وتوقع ان يشهد صيف هذا العام احداثا ساخنة في الملفات الثلاثة، فلسطين ولبنان والعراق، ما لم تحل الازمة اللبنانية. من ناحية ثانية، استبعد زيباري انعقاد جولة جديدة للحوار الاميركي الايراني في المستقبل المنظور، مقرا بوجود خلافات ومشاكل تحول واستئناف الحوار. كما تحدث عن الوضع الداخلي في العراق والاجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية أخيرا، لتحسين فرص المصالحة العراقية، التي اعتبرها جزءا حيويا من عودة الاستقرار الامني في العراق. كما اعتبر مؤتمر الاعمار، الذي ينعقد في مصر نهاية الاسبوع الجاري برئاسة نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي والدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء المصري جزءا من التواصل العربي مع العراق. وفي ما يلي نص الحديث:

* هل ما يحدث في لبنان حاليا مشهد جديد للتوتر في المنطقة؟ ـ ان ما جرى في لبنان هو عينة صغيرة من التوتر الاكبر الذي قد يحدث في المنطقة خلال صيف هذا العام، واجتماع وزراء الخارجية العرب كان مخصصا لاحتواء هذه الازمة ومعالجتها، وقد جرى حديث ونقاش استمر حوالي عشر ساعات متواصلة، وبصراحة تامة اكثر من اي اجتماع عربي انعقد، وقد سمى الاشياء بمسمياتها وشخصها بشكل دقيق لما حدث، ونحن نبهنا بسبب معاناتنا الى خطورة تصعيد العنف واستخدامه، والتوتر في لبنان والعراق وفلسطين.. وحتى بعد مؤتمر القمة في دمشق حذرنا من التصعيد، لان هناك عددا من الاستحقاقات الدولية والاجنبية مطروحة، ولذلك سيكون صيف هذا العام ساخنا جدا في كل الملفات: العراق ولبنان وفلسطين.

* في تقديرك هل ينجح العرب من خلال اللجنة الوزارية العربية التي تزور بيروت لحل الازمة واحتوائها؟ ـ لقد اتفقنا خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب على تنفيذ ما هو ممكن، واكدنا ان لبنان يحتاج الى تضامن عربي وتواصل عربي في هذه المرحلة، لذلك اتفقنا على مواصلة اللجنة لعملها في بيروت كأول اجراء والمطالبة بالوقف الفوري للتصعيد، وعدم استخدام العنف والقصف والبدء بمشاورات لتفعيل المبادرة العربية، والاتصال بقيادات الحكومة والمعارضة والموالاة، ومن ثم دعوتهم في ما بعد الى قطر او في مقر جامعة الدول العربية او اي مكان اخر.. ولكن النقطة الاساسية هي ضرورة اعادة الاوضاع الى مجراها وطبيعتها، وازالة الحواجز، وفتح الطرق والمنافذ، وابعاد كل المظاهر المسلحة والمسلحين من الشوارع.

* في تقديركم من يعطل الحل في لبنان: أميركا أم ايران؟ ـ هناك عدة اطراف منها اقليمية ودولية واضحة وموجودة، ولكن ارى توترا كبيرا جدا في العلاقات بين السعودية وسورية، وهذا ينعكس سلبا على الحل، ولهذا اقترحت خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب ان هذا الوضع ربما يحتاج الى جهد اكبر من الجهد الوزاري، او جهد الجامعة العربية، وانه لا بد من التفكير في قمة عربية مصغرة تضم كلا من السعودية ومصر وسورية ولبنان والاردن والجامعة العربية، لبحث هذا الموضوع وإلا سيكون الحل في لبنان صعبا جدا. * هل حظيت هذه الفكرة بالقبول داخل الاجتماع الوزاري؟ ـ يبدو ان الوقت غير مناسب لهذا الطرح في الوقت الراهن. * هل قضية العراق ستبقى من دون حل مثل قضية فلسطين؟ ـ قضية العراق تم حسمها باتجاه الحل بعد وضع الاطار المؤسسي والقانوني والدستوري للدولة العراقية الجديدة، ولان التغيير كبير وهائل في بنية نظام الحكم لم تراودنا اية هواجس بمواجهة معارضة او استخدام للعنف، والواقع ان هناك اقلية ترفض ما حدث ولكن الامور تحسنت طوال العام الماضي، وانضم العديد من العشائر التي كانت في صفوف المعارضة الى العملية السياسية واليوم المعادلة تغيرت. * لكن الأجندة الاميركية لم تتغير وهناك معارضة حتى للاتفاقية التي تعتزم الحكومة العراقية ابرامها صيف العام الحالي مع الادارة الاميركية؟ ـ هذه الاتفاقية مطلب عراقي قبل ان تكون مطلبا اميركيا، وبقاء اميركا في العراق لن يكون ابديا وانما مرتبط بقرارات، ونحن مددنا لبقاء القوات الى نهاية العام الحالي، كما ان العراق ما زال يقع تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، الذي يجيز للاسرة الدولية ومجلس الامن التدخل وفرض العقوبات وانتهاك السيادة، ونحن نريد التخلص من هذه القيود الدولية ولا نستطيع ان ننجز ذلك الا من خلال تبديل هذا التفويض الدولي بالاتفاق الثنائي مع اميركا، لكن مدته وولايته وتفاصيله تقرر من خلال المفاوضات الجارية وبمعنى آخر لن يكون هناك في الاتفاقية وجود اميركي الى ما لانهاية او حتى قواعد اميركية دائمة وستكون هذه الاتفاقية قابلة للمراجعة، وعلى سبيل المثال نستطيع القول بانها اتفاقية استراتيجية اطارية وسوف تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والزراعية والصحية والفنية والثقافية. وضمن هذه الاتفاقية ما يسمى بوضعية القوات الاميركية. وهذه الاتفاقية تشمل ايضا جوانب تفصيلية عديدة جدا، ونحن قطعنا شوطا بعيدا في المفاوضات عبر الخبراء الفنيين والعسكريين والامنيين، وتوصلوا الى صياغات جيدة والنتيجة ان هذه الاتفاقية ستكون صفقة واحدة. هناك مسائل تفصيلية حول السيادة والحصانات والدخول والخروج والمواقع التي تشغلها وهي مؤقتة في الموانئ والمطارات، وهذه امور دقيقة لم تنجز بعد والمتوقع الانتهاء منها قبل نهاية شهر يوليو (تموز).

* الاتفاقية حددت ماذا يريد العراق من اميركا هل تطرقت ايضا الى ماذا تريد اميركا من العراق؟ ـ اميركا لديها التزام بخصوص العراق بعدما حدث.. هي تريد ان يستقر العراق وينهض من جديد ويدافع عن نظامه الديمقراطي والدستوري، بلد بجميع المقاييس متجدد ومتحضر، وان يعمل في سوق الاقتصاد الحر.

* ما هو المكسب الذي تحصل عليه اميركا من استمرارها في العراق؟ ـ اميركا كسبت حليفا قويا واستراتيجيا في المنطقة، هو العراق.

* وماذ عن النفط العراقي؟ ـ بالتأكيد هناك مصالح متبادلة والشركات الاميركية كالشركات الاخرى سوف تستفيد من التعاون الاقتصادي مع العراق في جميع المجالات، ولا ننسى ان اميركا انفقت مليارات الدولارات خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا يتعدى قدرات العراق النفطية.

* اذا كانت اميركا تريد جلب كل هذا الخير للعراق لماذا نشهد انواعا مختلفة من المعارضة والمقاومة داخل وخارج العراق ضد الوجود الاميركي؟ ـ المعادلة تغيرت بعدما تركز الجهد العسكري الاميركي والعراقي ضد تنظيم «القاعدة» وبدأت قبل يوم العمليات العسكرية الكبيرة ضد آخر وجود لفلول «القاعدة» في محافظة الموصل، وسوف تأخذ بعض الوقت لان كل بقايا «القاعدة» تتجمع حاليا في الموصل والمدن القريبة من سورية، وبعد ذلك يأتى التحدى الامني الاكبر هو الميليشيات والمجموعات الخاصة وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات التي تواجهها السلطة. لهذا نحن نقول ان العراق لن يصبح لبنان وما قامت به الحكومة العراقية أخيرا في الاستباق لمنع تبلور هذه الحالة، هي التصدي الحاسم لجيش المهدي والعصابات الاخرى، لذلك الحكومة كانت حاسمة في منع هذه الحالة وان يكون السلاح محصورا في يد الدولة، والا تسمح الحكومة بوجود دولة داخل دولة تحت اي مسمى، وهذا ما يشكو منه لبنان اليوم وقد تطرقنا اليه خلال المجلس الوزاري.

* لماذا علقت ايران الحوار مع اميركا بسبب عملياتها العسكرية في العراق؟ - التزاما بالدقة، لا بد من القول بان العراق هو الذي بادر وطالب بالحوار الاميركي الايراني حول أمن واستقرار العراق، وليس حول العلاقات الايرانية ـ الاميركية وقد نجحنا في عقد ثلاث جولات من المباحثات، وفي وزارة الخارجية كان لنا دور اساسي في هذا الحوار ومازلنا متمسكين به، ولكن في نهاية العام الماضي حاولنا الابقاء على زخم هذا الحوار وقدمنا اربعة مواعيد للطرفين لاستئناف الحوار ولم ننجح ولكن هذا لا يعني اننا فشلنا، او ان هذا الحوار دفن او دخل القبر وانما نستطيع القول بانه موجود من حيث الفكرة، والتأجيل هو لاسباب فنية او لوجستية أو داخلية، وفي آخر موعد جاء الوفد الايراني ولم يصل الوفد الاميركي بسبب خطأ في إبلاغ الرسالة للجانب الاميركي.

* من هو هذا الذي اخطأ في نقل الرسالة للجانب الاميركي؟ - مسؤول من العراق ومعروف ان القنوات الرسمية لهذا الحوار هي وزارة الخارجية، ولذلك حدث سوء فهم، والجانب الاميركي قال انه ابلغ بموعد الحوار مع ايران، ولكنه لم يعط الموافقة وبالتالي كان هناك عدم دقة في نقل الرسائل. وايران من جانبها اعلنت قبل فترة انها لن تعاود الحوار، وفي حقيقة الامر انه لم نطلب من ايران في الوقت الراهن استئناف الحوار ولم نتقدم بموعد جديد حتى يعلنوا قبولهم او رفضهم، وبمعنى اخر بعد 6 مارس (آذار) العراق لم يقترح اي موعد آخر للحوار الايراني الاميركي .

*هل هناك مشاكل تعيق هذا الحوار حاليا؟

- بالتأكيد هناك مشاكل كثيرة لذلك نحن نرى ان هذه المباحثات يجب ان تجرى في جو ايجابي، وهذا غير متوفر حاليا، ولكن نحن نؤمن بأهمية وفائدة هذا الحوار للعراق وأمنه، ولهما ايضا، وسوف نواصل جهودنا لتفعيل الحوار الاميركي الايراني مرة اخرى.

* وما هي نتائج حواركم مع ايران في مسألة ضبط الأمن والحدود وعدم دعم الميليشيات المسلحة في العراق؟ ـ وصلنا الى تجاوب ايراني ولدينا العديد من الآليات التي نبحثها مع الايرانيين للايفاء بالتزاماتهم الامنية كباقي الدول الاخرى وقد اوضحنا في لجنة العمل الامنية التي انعقدت أخيرا في الكويت ضرورة دعم أمن واستقرار العراق .

* ماذا عن مؤتمر اعمار العراق الذي ينعقد في مصر يوم الخميس المقبل برئاسة رئيس وزراء مصر ونائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي؟ ـ هذه محاولات وجهود تبذل من قبل الحكومة العراقية وشركات القطاع الخاص للتواصل مع مصر والدول العربية لتوضيح فرص وامكانات الاستثمار والاعمار الموجودة في العراق، وهذا كله مرتبط بتحسن الوضع الامني، الذي بدأ بالتحسن في تقديرنا، على الرغم من بعض الانباء التي تتردد هنا او هناك، لكن بشكل عام هناك تحسن كبير جدا في الوضع الامني.

* الا ترى ان الدور العربي المطلوب في العراق هو اعمق بكثير من مسألة التمثيل الدبلوماسي؟ ـ نحن نتفق على ذلك ولكن لا بد ان نبدأ من نقطة التمثيل الدبلوماسي ونقول ان وجود السفراء داخل العراق سوف يعطي للحكومات العربية صورة اوضح لما يجري، كما نعتبره نوعا من التواصل العربي واحتضان العراق، ثم نتعامل مع ملفات المصالحة وغيرها من تبادل الزيارات والعلاقات الاقتصادية والتجارية، ولا نريد ان يصل هذا الطلب العراقي الى مسألة الاستجداء، خاصة في زيارات لمسؤولين عرب الى العراق.