40 ضابطا في الجيش اللبناني لوحوا باستقالات تحذيرية

نائب رئيس المخابرات لـ«الشرق الاوسط»: حصل شيء في بيروت وجرت معالجته وإلا لما كنت في مكتبي

TT

يواجه الجيش اللبناني واحدا من أصعب الامتحانات لإبقاء المؤسسة العسكرية متماسكة وموحدة، اذ علمت «الشرق الاوسط» أن الضباط الاربعين، وعلى رأسهم نائب مدير المخابرات العميد غسان بلعة، الذين قدموا استقالات تحذيرية وغير رسمية الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان قبل بضعة أيام، سيأخذون قرارهم النهائي بالانفصال عن المؤسسة او البقاء فيها، استنادا الى طريقة تصرف الجيش على الارض خلال اليومين المقبلين.

وتحيط بهذه الاستقالات هالة من التكتم من جانب المؤسسة العسكرية وتحرص على عدم تسريب معلومات وتفاصيل عنها. وعلى الرغم من ان العقيد انطوان بشعلاني، رئيس قسم الصحافة والعلاقات العامة في مديرية التوجية في الجيش، نفى في اتصال مع «الشرق الاوسط» علمه في البداية بهكذا استقالات، إلا انه عاد وقال إنه ليس هناك «من استقالات رسمية» داخل الجيش. أما مدير المخابرات العميد غسان بلعة، الذي ورد اسمه على رأس لائحة المستقيلين، فقد أكد لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من مكتبه في وزراة الدفاع أنه «حصل شيء في بيروت وهذا الامر جرت معالجته، وانتهى». وقال بلعة ردا على سؤال عن صحة استقالته: «انا موجود في مكتبي»، الا انه اضاف معتذرا عن عدم قدرته على اعطاء اجابة محددة. وأضاف: «هذا موضوع يتعلق بالجيش ونحن في الجيش نعالج امورنا بعيدا عن وسائل الاعلام، لأن التداول به في وسائل الاعلام يسيء الى الجيش. هذه المواضيع الامنية والعسكرية تبحث داخل المؤسسة». وأكد ان الوضع داخل المؤسسة أكثر من ممتاز». وتابع: «طبعا حصل شيء في بيروت وهذا الامر جرت معالجته، وانتهى. لا خوف من انقسام الجيش وكل شيء يعالج وإلا لما كنت مكاني اليوم».

وأصدرت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بيانا أمس قالت فيه:" منذ اسبوع تقوم بعض وسائل الاعلام بما فيها مواقع الكترونية بنقل معلومات وتصريحات لمحللين سياسيين تنهم عن عدم ثقة بدور المؤسسة العسكرية وتشكيك بتماسكها وتهديد البعض بتقسيم الجيش وذلك من خلال الايعاز لعدد من الضباط بتقديم استقالاتهم، ما حدا بقائد الجيش الى توجيه رسالة للضباط والعسكريين يثني فيها على وحدة الجيش ومناعته".

وشددت قيادة الجيش على «تماسك المؤسسة العسكرية ووحدتها»، نافية «جملة وتفصيلا المزاعم المتعلقة باستقالة بعض الضباط». ودعت جميع المتعاطين بالشأن السياسي الاعلامي «الى التحلي بالمسؤولية الوطنية العالية في هذه المرحلة الخطيرة وعدم التشكيك بوحدة الجيش المصمم على متابعة دوره الوطني الجامع».

الا ان مصدرا واسع الاطلاع اكد لـ«الشرق الاوسط» ان هذه الاستقالات «تحذيرية وغير نهائية ومشروطة» وقال: «هي استقالات أشبه بطلب مأذونية لتوجيه رسالة الى قيادة الجيش تقول انهم لا يستطيعون التفرج على أهلهم تستباح كراماتهم وأمنهم، في حين ان الجيش، بحجة الدفاع عن وحدته، لا يتدخل في الدفاع عن سلامة اللبنانيين».

واشار المصدر الى ان غالبية هؤلاء الضباط هم من الطائفة السنية، وهناك بعض الضباط من المسيحيين. واضاف: «هي استقالات مشروطة، ومطلبهم ان يقوم الجيش بواجباته ولا يكون فقط متفرجا بل يكون حاسما في منع التعديات ولا يسمح لأحد ان يرفع السلاح بوجه احد او يعتدي على احد». وتحدث المصدر عن رسالة شخصية وجهها قائد الجيش الى كل ضابط ليشرح خلفية عدم تدخل الجيش في الاشتباكات في بيروت، «على امل ان يتفمهوا ويحافظ الجيش على وحدته». وقد نشرت «الشرق الاوسط» في عددها الصادر امس نسخة من رسالة شخصية كتبها سليمان بخط يديه، وجاء فيها ان «ما جرى في الشارع اللبناني هو حرب أهلية حقيقية لا يمكن لأي جيش وطني في العالم مواجهتها وقمعها، وان اكبر الدول عانت حروبا كهذه ولم تستطع جيوشها ان تحسم القتال، بل انقسمت بين فريقي نزاع او اكثر».

وأكد النائب السابق خالد الضاهر الذي أطلق قبل عدة ايام «جبهة المقاومة السنية والوطنية»، حصول هذه الاستقالات، وقال: «هناك أربعون ضابطا من السنة من كبار الضباط قدموا استقالاتهم، وانا جاءني ان هناك افرادا كثيرين في الجيش مستاؤون من تصرف الجيش». وأضاف: «هذه المعلومات دقيقة جدا جدا، وانا اعرف الضباط الذين استقالوا». كذلك قال مصدر مقرب من الحكومة ان هذه الاستقالات مبدئية وسيتم التراجع عنها، إلا انه شدد على ضرورة ابقائها بعيدا عن التداول الاعلامي «لان التداول بها لا يخدم مصلحة الجيش ووحدته».

وقد أصدر الجيش اللبناني قبل يومين في تاريخ 12 مايو (ايار)، أي تماشيا مع بدء انتشار خبر الاستقالات، بيانا لاحتواء التململات من عدم تدخله فيما يجري في شوارع بيروت، أكد فيه أن «وحدات الجيش ستعمد إلى ضبط المخالفات على أنواعها، فردية كانت أو جماعية، بالوسائل المعتمدة، ووفقاً للأصول القانونية، حتى ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة، ويبدأ العمل بهذه الإجراءات اعتباراً من الثالث عشر من أيار، الساعة 6.00 صباحاً».

ويبدو ان هؤلاء الضباط ليسوا الوحيدين الذين ينتظرون اداء الجيش اللبناني خلال اليومين المقبلين، ومدى التزامه ببيانه هذا، اذ بدأت تعلو أصوات داخل الموالاة، تحذر من امكانية اعادة الحسابات بترشيح قائد الجيش العمال ميشال سليمان كمرشح رئاسي توافقي.

وقال النائب في القوات اللبنانية أنطوان زهرا ان «القوات تنتظر اداء الجيش لترى اذا كانت ستعيد النظر بترشيح سليمان». وأضاف: «الكل صدم بأداء الجيش، ولكن موقفنا النهائي متعلق بكل موقف 14 آذار، ونحن بدأنا ننبه الى ان الامور ليست مسلمات بغض النظر عن التصرفات، وترشيحنا للعماد سليمان وإجماعنا عليه جاء من مبدأ انه على مسافة واحدة من الجميع وانه مرشح توافقي ويضمن امن الجميع. اما اذا كان سيكون لديه موقف مغاير، فهناك حسابات أخرى».

وأضاف: «نحن نطلب من الجيش ان يقوم بواجباته وليس ان يشن حربا ضد احد، ولكن كان يكفي قوله انه لن يتفرج على حزب الله يجتاح بيروت كي لا يجتاحوها. لم يفت الاوان بعد، نحن ننتظر اداء الجيش في اليومين المقبلين».

وشدد على ان الجيش حدد في بيان كيف سيتعاطى مع الازمة، واضاف: «نحن مطلبنا سيكون واضحا امام اللجنة العربية وهو ان تتبنى قيادة الجيش بيان الحكومة للتعاطي مع قضية العميد شقير وشبكة الاتصالات بالمقابل، تزال كل مظاهر العصيان». وقال ان «الموقف من العماد سليمان ليس نهائيا، ونحن لا زلنا نأمل ان تكون ثقتنا بمحلها».