الكويت: انتخابات للحل أم للتعقيد؟

للتصويت على274 مرشحا للبرلمان بينهم 27 امرأة

كويتيون يجلسون في خيمة مخصصة لحملة انتخابية في منطقة الروضة (أ.ف.ب)
TT

يدلي الناخبون الكويتيون غدا السبت بأصواتهم، لاختيار خمسين نائبا للبرلمان الثاني عشر في تاريخ بلادهم السياسي، من 274 مرشحا، بينهم 27 امرأة. وبحسب إحصاء رسمي يحق لحوالي 361 ألف ناخب، بينهم 200 ألف ناخبة، التوجه لصناديق الاقتراع غدا، موزعين جغرافيا، بحسب مناطق سكنهم، على خمس دوائر انتخابية، لاختيار ممثليهم بالبرلمان، الذين سيصلون إلى مقاعدهم عبر الاقتراع السري المباشر، من خلال اختيار أربعة مرشحين كحد أقصى لكل ناخب، ليتألف البرلمان بعدها من العشرة نواب الأكثر حصولا على الأصوات في كل دائرة انتخابية. وتعتبر انتخابات غد، الأولى من نوعها التي تجري وفقا لنظام الدوائر الانتخابية الخمس، بعد إقرار البرلمان المنحل، في يوليو (تموز) 2006، تعديلا قدمته المعارضة لتحويل الدوائر الانتخابية التي يمثلها النواب من 25 إلى 5، بهدف تحسين مستوى التمثيل السياسي، ومحاربة السلبيات التي كانت تعتري النظام القديم، ومنها شراء الأصوات، وصغر عدد الدوائر جغرافيا، ما يسهل التحكم في مخرجاتها. ويحق للنساء في الكويت المشاركة في العمل السياسي منذ مايو (أيار) 2005، إثر إقرار البرلمان لتعديلات على قانون الانتخاب، تمكنت المرأة بمقتضاها من ممارسة حقوقها السياسية.

وسجلت في هذه الدورة 27 مرشحة، بينهن الدكتورة أسيل العوضي، التي تعد أول كويتية تخوض الانتخابات البرلمانية تحت مظلة تجمع سياسي، وهو التحالف الوطني الديمقراطي ذو التوجه الليبرالي المعارض.

وعودة إلى المشهد الحالي، حيث شهدت الحملة الانتخابية فتورا ملحوظا مرده إحباط وانتقاد الناخبين لأداء البرلمان المنحل، وكذلك الحكومة التي لم تكن تملك برنامجا تنمويا، ما رفع حدة الطرح والتأزيم داخل البرلمان، وانعكس بتقديم سبعة استجوابات نيابية خلال خمسة عشر شهرا، أدت إلى تغير التشكيلة الحكومية مرتين، واستقالة ستة وزراء.

وأرجع مرشح التحالف الوطني الديمقراطي (ليبرالي) عن الدائرة الانتخابية الثانية محمد العبد الجادر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أسباب الفتور إلى أن «عددا غير هين من الناخبين الذين التقينا بهم خلال الحملة الانتخابية، كانوا ينتقدون أعضاء الحكومة والبرلمان، كونهما لم ينجزا شيئا، وشهدت حياة البرلمان القصيرة كثيرا من التصعيد المفتعل في أكثر من الأحيان». ويؤكد العبد الجادر أن «لقاءاتنا بالناخبين كانت تتضمن مطالبتهم لنا متى ما فزنا، بتغليب التهدئة على التصعيد، والاهتمام بقضايا التنمية، وتحسين مستوى الخدمات العامة والبنى التحتية».

ودائما ما كانت الحكومة تتهم البرلمان بتعطيل التنمية في الكويت، الأمر الذي ساهم بتراجع واحدة من أغنى بلدان العالم عن موقعها الريادي في المنطقة، ما مكن دولا أخرى من إمساك قصب السبق واحتلال موقع الريادة بدلا عنها، إلا أن قوى المعارضة كانت دائما ما ترد على هذه الحجة، بأن الحكومة هي المسؤولة عن تقديم الخطط التنموية وتنفيذها، إلا أنها لم تقدم منذ عام 1986 أي تصور لمشروع تنموي.

ويحسب للحكومة الحالية التزامها بضمان حيادية الانتخابات، للمرة الأولى في تاريخها، وهو ما أثبتته في ثلاثة مواقف مختلفة، الأولى كانت بضبطها لعمليات شراء للأصوات، وتحويل المتهمين فيها إلى النيابة العامة، تاركة للقضاء الفصل في هذه المسألة، والثانية بمواجهتها أبناء القبائل الذين حاولوا إقامة انتخابات فرعية لاختيار ممثليهم، متجاهلين حظر القانون إقامة أي نوع من الانتخابات أو التصفية الفرعية القائمة على أساس طائفي أو قبلي، وهو ما دعاها لاستخدام القوة في بعض الحالات، والاستعانة بقوى مكافحة الشغب ورجال المباحث، بعد حدوث أكثر من مواجهة بين الطرفين.

ويجرم قانون الانتخاب الكويتي «كل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعي إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخاب لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة معينة»، لكن القبائل التي تسيطر على حوالي 40 في المائة من مقاعد البرلمان، وتشكل نحو 51 في المائة من تعداد سكان الكويت، دأبت على مخالفة هذا القانون الصادر عام 1998، وإجراء انتخابات لاختيار من يمثلها بين أبنائها، حتى لا تتشت أصوات ناخبيها، ما يقلل من فرص فوز مرشحيها.

ويرتكز ثقل القبائل في الدائرتين الانتخابية الرابعة (شمال العاصمة) والخامسة (جنوب الكويت)، وفيهما يكون التنافس على أشده بين القبائل، باعتبارها مؤشر ميزان القوى، من خلال ما يحصلون عليه من مقاعد داخل البرلمان.

أما ثالث المواقف المؤكدة، ضمان الحكومة نزاهة الانتخابات، فكان بإيقافها قرارات التعيين والانتقال والندب داخل المؤسسات الحكومية، حتى لا تُستخدم مؤسساتها في تنفيع أو محاربة مرشحين على حساب آخرين ينافسونهم، و«للنأي بالوزراء عن أي مساس، أو تدخل قد يفسر لمصلحة مرشحين لانتخابات البرلمان أثناء حملاتهم الانتخابية»، كما جاء في بيان رسمي لمجلس الوزراء.

وبناء على تصريح رسمي لوكيل وزارة الداخلية الفريق أحمد الرجيب، «سيغطي الانتخابات البرلمانية أكثر من 1500 إعلامي، يمثلون وسائل إعلام محلية وأجنبية، ووضع لخدمتهم 25 مركزا إعلاميا، في مناطق متفرقة بالكويت».

وأضيفت هذا العام تعديلات جديدة، بغرض تنظيم الممارسة السياسية، من بينها حظر إقامة أكشاك أو خيام، أو استعمال جميع وسائل النقل بقصد الدعاية الانتخابية أمام لجان الاقتراع، إلى جانب منع نصب الصور واللوحات الإعلانية في الشوارع، ما دفع المرشحين إلى استخدام التقنيات الحديثة كالمواقع الالكترونية، وخدمة الرسائل النصية القصيرة بالهواتف الجوالة، والإعلانات مدفوعة الثمن في الصحف، والقنوات الفضائية المحلية التي بلغ عددها خلال الشهرين الماضيين حوالي 10 قنوات، إلى جانب فضائيتي «الرأي» و«الوطن»، وأيضا مكنت الدولة المرشحين من استخدام مسارح المدارس، وقاعات مراكز تنمية خدمة المجتمع وصالات الأفراح لعقد ندواتهم الانتخابية.

ويقدر مسؤول لجنة إعلامية لأحد المرشحين في الدائرة الثانية (العاصمة) تكلفة الحملة الانتخابية للمرشحين بأنها «تتراوح بين 100 ألف ومليون دينار كويتي (333 ألفا إلى 3.3 مليون دولار أميركي)، وهو مبلغ يشمل إقامة المقر الانتخابي، والإعلانات التلفزيونية والصحافية بما فيها تكلفة إنتاجها ونشرها، إلى جانب تكلفة إرسال الرسائل القصيرة إلى ناخبي الدائرة، ويتفاوت المبلغ بحسب فخامة المقر وتجهيزه، وتكرار نشر الإعلان، وعدد الرسائل القصيرة الخاصة بأنشطة المرشح، سواء الدعوة لحضور الافتتاح، أو حشد همم الناخبين، أو دعوتهم للمشاركة يوم الانتخاب».

يضاف إلى ذلك، تنامي ظاهرة الاستطلاعات والاستفتاءات التي تقوم بها مؤسسات خاصة بقياس الرأي، والتي تهتم بتوقع نتائج الانتخابات بحسب توجهات الناخبين، وهو أمر بينه صلاح الهاشم المسؤول عن شركة متخصصة في هذا المجال بأن «ما نقوم به ليس أمرا جديدا، بل معمول به في أنظمة ديمقراطية متقدمة، وهو مسألة راقية، والمرشحون مع ناخبيهم على حد السواء، بدأوا بالاهتمام باستطلاعات الرأي، وهذا غير مستغرب، متى ما علمت بأن هناك أكثر من مرشح استقدم خبرات أجنبية وعربية من خارج الكويت، لإعداده لمواجهة الجمهور، وتدريبه على خوض الانتخابات».

ويزيد الهاشم لـ«الشرق الأوسط»، أن «استطلاعاتنا جادة، ونقوم بها على ثلاث مراحل، ونعلن نتائجها عبر موقعنا الالكتروني، وعليه فهي ليست بقصد المجاملة، رغم أن كثيرين حاولوا التدخل في عملنا، والضغط لتغيير نتائجنا لمصلحة مرشح على حساب آخر، وهو ما نرفضه تماما، ما يؤدي بهم إلى الترويج بأننا نعمل ضدهم، وأنا شخصيا تعرضت في أكثر من مرة لحملة طالت مصداقيتي، فتارة وضعوني ضمن تيار وأخرى في تيار يخالفه».

«لكن في المقابل هناك مرشحون يعتبرون ما نقوم به بمثابة جرس إنذار بالنسبة لهم، إما للمحافظة على وضعهم أو تحسينه، أو الانسحاب من المشاركة إذا كانت نسبتهم متدنية»، والحديث لا يزال للهاشم، الذي يؤكد بأن «نسبة دقة نتائجنا عالية، وهذه ترجع، لأننا بدأنا العمل بنظام الاستطلاعات منذ عام 1992، ولكن تجربتنا تحسنت مع الزمن، وأصبحت أكثر انضباطا ودقة في العامين الأخيرين، ما دفعنا للاهتمام أكثر بمصداقيتنا، والحذر مما قد يمس سمعتنا».

وحول تقبل المرشحين ومناصريهم لنتائج الاستفتاءات ذكر الهاشم أن «المستفتين والناخبين يتقبلون المسألة، وهذا لأمر ليس بجديد عليهم، لكن أبرز معوقاتنا، افتقاد الخاسرين للروح الرياضية، ووجود حاجة لرفع المستوى الثقافي بالاستطلاعات، خاصة وأننا لاحظنا عزوف 20 في المائة من المستفتين عن المشاركة».

وبحسب موقع شركة أنظمة صلاح الهاشم فإن «عيوب الاستطلاعات الهاتفية، عدم قدرتنا على استطلاع كبار السن، كما جرت العادة في الاستطلاعات أن يؤخذ في الحسبان المترددون، ممن لم يتخذوا قرارهم في من سيمثلونهم، الأمر الذي يترك مجالا لاختيار خمسة مرشحين وأحيانا أكثر (من أصل أربعة)، إضافة إلى التحالفات التي تتم بعد الاستطلاع النهائي، وشراء الأصوات، فالناخب الذي يبيع صوته لا يبين من سينتخب، إلى جانب تعمد التيارات الدينية السنية والشيعية توجيه قواعدها في اللحظات الأخيرة، اعتمادا على النتيجة النهائية للاستطلاع النهائي، الأمر الذي ينتج عنه اختلاف نتائجنا عن النتيجة الفعلية للانتخابات».

أعود للمرشح محمد العبد الجادر، الذي توقع «ألا تقل نسبة المشاركة 70 في المائة، فيما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة قبل عامين 80 في المائة، وأنا أرجع سبب تراجع نسبة المشاركة إلى زيادة عدد الناخبات مقارنة بالناخبين، وذلك لوجود نساء تم تسجيلهم بشكل تلقائي بعد إعطاء المرأة حقوقها السياسية، حتى اللواتي لا يرغبن منهن في المشاركة، فيما يقوم نظام تسجيل الناخبين على ضرورة تقيد أنفسهم بشكل مباشر، وليس تلقائيا بعد بلوغهم السن القانونية وهو 21 عاما».

ويعد العبد الجادر من المتخصصين الكويتيين القلائل في مجال الانتخابات، كونه يحضر حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في مجال جغرافيا الانتخابات، ويرى أن «الانتخابات الماضية شهدت تعطيلا وتأخيرا في بعض اللجان، خاصة النسائية، نظرا لكونها المرة الأولى لمشاركة المرأة، وهذه المرة أتوقع حدوث تأخير أكثر كون النظام الانتخابي الجديد يقوم على اختيار أربعة مرشحين كحد أقصى لكل ناخب، فيما كان النظام السابق يعطي الحق باختيار اثنين، إضافة إلى ارتفاع عدد المرشحين في دائرة انتخابية، ووجوب إدلاء كل ناخب بصوته وحيدا داخل اللجنة الانتخابية».

وعن أبرز القضايا التي ستطرح في البرلمان المقبل، وجد العبد الجادر أنها «ستدور حول إقرار المشاريع التنموية الكبرى، واستكمال ملاحقة المفسدين، ومتابعة قضايا الفساد المالي والإداري، طبعا هذا في ظل المعطيات الحالية، وبناء على طرح المرشحين، أما إذا سيطرت على البرلمان أغلبية إسلامية، فسنرجع إلى نقطة الصفر، وستطرح قضايا ذات طبيعة تدغدغ مشاعر الناخبين والشارع المحافظ».

يذكر أن قوى المعارضة عبرت عن قلقها من احتمال حدوث ما يهدد سلامة الانتخابات وضمان نزاهتها، من خلال انتقادهم عدة تعديلات أجرتها الحكومة على آلية الاقتراع وفرز النتائج، نظرا لوجود خلل وثغرات قانونية في التعديلات التي أجرها مجلس الوزراء على قانون الانتخاب قبل أسبوعين، وهو الأمر الذي نفاه وزير العدل جمال شهاب.

وعلى الصعيد ذاته، قضت المحكمة لأول مرة في تاريخ الكويت السياسي بتثبيت اسم المرشحين خالد الشليمي وخالد الزامل في سجل المرشحين، بعد أن قررت وزارة الداخلية شطبهما بداعي صدور أحكام قضائية ضدهم والتي يحددها القانون بإما مخلة بالشرف أو الأمانة. إلا أن مصادر مقربة من الشليمي، أكدت أن دفع الحكومة باتجاه شطبه من قيود المرشحين، جاء بعد فتحه لملفات فساد مالي وإداري حكومي، وهو الأمر الذي بين للحكومة، خطورة المعلومات التي يملكها المرشح الشليمي، وما يمكن أن يثيره متى ما وصل إلى البرلمان، الأمر الذي تطلب شطبه، والحؤول دون حصوله على الحصانة البرلمانية، بحسب قول المصادر المقربة من المرشح الشليمي.

من جانبه شن مرشح الدائرة الرابعة (شمال الكويت) خالد الشليمي، هجوما عنيفا على مجلس الوزراء، على خلفية قرار شطبه من قيود الناخبين وحرمانه من الترشح، واتهم الحكومة ممثلة برئيسها ووزيري الداخلية والدفاع فيها وبالتعاون مع متنفذين، كما سماهم، بمحاربته في دائرته الانتخابية، ما دفعه لخوض الانتخابات بقوة القانون، ورغما عن الأجواء البوليسية على حد وصفه. وإلى يوم بعد غد الأحد، وهو الموعد المتوقع لإعلان نتائج انتخابات البرلمان رسميا، ستترقب الكويت نتائج انتخابات برلمانها الثاني عشر، منذ بدأ العمل بدستورها عام 1963، وهو الذي يعلق عليه الناخبون آمالا كبيرة، ويراهنون على أنه هو الذي سيساهم بانتشال بلادهم الغنية من وضعها الحالي، ومعالجة المشكلات التي يعانون منها، وهو ما ستبينه الأيام المقبلة، متى ما أحسنت الحكومة قراءة رسالة الناخبين، واستفادت من تجاربها السابقة، والتي أكدت بأن الناخبين دائما ما يميلون لإنصاف غريمتها المعارضة، متى أرادوا التغيير.