«انسحاب» العمال السوريين من لبنان ينعكس سلباً على قطاعي البناء والزراعة

واقعون بين «دلفة» البطالة في بلادهم و«مزراب» أخطار الأحداث اللبنانية

TT

لوحظ، في الايام الاولى للاحداث اللبنانية اجتياز مجموعات كبيرة من العمال السوريين نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية ـ السورية سيراً على الاقدام، اما تحسباً لتطور الاحداث، واما هرباً من الغضب في بعض المناطق التي يعتبر اهلها ان سورية مسؤولة عن تفجر الاوضاع. بينما بقي القسم الاكبر من العمال السوريين الموجودين في المناطق المسيحية في ورشهم لكون هذه المناطق بقيت بعيدة عن التوتر والاقتتال.

وإذا كان من الصعب تقدير حجم اليد العاملة السورية في لبنان، في زمن السلم، وحتى في زمن الوجود العسكري السوري في لبنان، فانه من الصعب ايضاً تقدير حجم اليد العاملة التي «انسحبت» خلال الاحداث الاخيرة وقدرها البعض بـ70% والتي كانت «تنسحب» كلما تعرضت العلاقات اللبنانية ـ السورية للتوتر. وإذا كان العمال السوريون قد «انتعشوا» خلال الوجود العسكري السوري في لبنان على مدى اكثر من عقدين من الزمن، فإنهم كانوا دوماً يدفعون ثمن التوتر بين بيروت ودمشق بعد الانسحاب العسكري، تبعاً للمنطقة وتبعاً للحدث الذي كان يحصل على الساحة اللبنانية، حيث كان يتعرض بعضهم للضرب او تحرق اماكن سكنهم، ولا سيما عقب اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005، مروراً بكل حدث امني في لبنان.

واللافت ان العمال السوريين يركزون نشاطهم في ورش البناء والزراعة، وقسم صغير منهم يعمل في المطاعم والمقاهي. فعلى صعيد قطاع البناء، يقول رئيس تجمع تجار ومنشئي الابنية المهندس ايلي صوما لـ«الشرق الاوسط»: «لا شك في ان الاحداث الاخيرة دفعت بالكثيرين من العمال السوريين في الورش الى مغادرة لبنان، ولا سيما من كان يعمل منهم في المناطق ذات الحساسية تجاه السوريين، مع ان الشعبين اللبناني والسوري شعبان شقيقان ولكنهما يدفعان دوماً ثمن التوتر بين الانظمة. ولا شك ايضاً في ان غياب هؤلاء العمال سيؤثر سلباً على قطاع البناء، خصوصاً اذا علمنا ان كلفة العمالة في البناء تشكل ثلث الكلفة الاجمالية. وستتوقف مئات الورش بانتظار هدوء الحال كلياً، وفي ظل خصوبة اعطاء التأشيرات والإقامة للعمال المصريين او الهنود او السري لانكيين. وهو ما ندعو الحكومة اللبنانية الى اخذه في الاعتبار والعمل على معالجته حتى لا يضطر قطاع البناء كل فترة لدفع ثمن سوء العلاقة بين الحكم السوري والحكم اللبناني».

وفي اي حال، يعتبر صوما «ان العامل السوري هو الانسب لنا. اولاً لأنه اعتاد على مناخنا ويفهم لغتنا، وصاحب خبرة في كل اعمال البناء، ويتقاضى اجراً ممتازاً (بين 15 الفاً و20 الف ليرة يومياً) بالنسبة الى مستوى الاجور في بلده، ويقل عن ثلث الاجر الذي يطلبه العامل اللبناني، هذا اذا توفر الاخير. وحتى لو استعنا باللبناني، فانه لا يلبث ان يأتي بالعامل السوري بدوره ليقوم عنه بالأعمال ويتقاسم معه الاجر. ويرضى العامل السوري بهذا الاجر لأنه لا يدفع بدل سكن، فهو ينام في الورشة، ويؤمن حاجته الغذائية مما يحمله معه من بلده».

ويقول صاحب شركة تعهدات بناء «ان العمال السوريين يشكلون 75% من اجمالي عمال الشركة. وعندما تطلب اياً منهم للعمل، يبادرك بالسؤال عن المنطقة التي يجب ان يعمل فيها، فاذا كانت لا تناسبه امنياً امتنع عن القبول والعكس صحيح».

ويقول تاجر بناء: «هناك مجموعة من العمال السوريين يعملون معي بصورة دائمة، لكني اضطر في بعض الاحيان الى تأمين حراسة لهم». ويقول متعهد بناء: «لقد تعودنا على العامل السوري وتعود علينا. ويمكن الوصول اليه بسهولة. وهو يجد في لبنان المقام الانسب لأنه يعود الى سورية في نهاية كل اسبوع، او نهاية كل شهر. ويعود منها من دون اي اجراءات تذكر». وقد حاولت وزارة العمل في يونيو (حزيران) 2005 ان تفرض على العمال السوريين الحصول على اجازات عمل، لكن هذا الاجراء لم يطبق بسبب ضغوط ارباب العمل.أما على صعيد القطاع الزراعي الذي يعتمد بشكل اساسي على اليد العاملة السورية فأضيفت الى سلسلة معاناته، هجرة هؤلاء العمال التي وإن غابت عنها الاحصاءات الرسمية، فمن المؤكد انها تخطّت المئات لتصل الى الآلاف منهم، بحسب ما افاد رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويك لـ»الشرق الاوسط». ولا بد من التذكير في هذا الاطار، بأن هؤلاء العمال تلقّوا جرعة كبيرة مما اصاب اللبنانيين خلال حرب تموز (يوليو) الاسرائيلية في العام 2006. ففي ذاك الصيف، اغارت الطائرات الاسرائيلية على احدى اكبر المزارع في الهرمل في البقاع، موقعة أعدادا كبيرة من الضحايا معظمهم من العمال السوريين.

أما اليوم وبعد نحو أسبوع على قطع عدد من الطرق ومنها طريق المصنع، ماذا عن الخسارة التي ألمّت بهذا القطاع؟ يجيب حويك: «معظم الاعمال الزراعية جمّدت بسبب الاعتماد الكبير على العمال السوريين الذين غادروا وبأعداد غفيرة. هناك بين 200 الف عامل سوري و300 ألف. وقد غادر ما بين 60 و70 في المئة منهم. وهم عادة ما يكونون منتشرين في كل الاراضي اللبنانية. لذلك، نطالب الحكومة بتسهيل دخول العمالة الاجنبية الاخرى كما تسهّل دخول العمال السوريين الذين يتأثرون سريعا مع كل خضّة تصيب لبنان». وأضاف انه «اذا هدأت الظروف لن يعود العمال السوريون بشكل عام الا بعد مرور 3 اسابيع، ريثما يطمئنون الى عودة الاستقرار».

اما رئيس نقابة مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي فلفت الى ان اندلاع الاحداث الاخيرة «كلّفنا ايقاف 30 شاحنة يوميا محمّلة بأنواع مختلفة من الخضر والفاكهة المعدّة للتصدير. فحرم القطاع الزراعي من 500 ألف دولار يوميا، فضلا عما ترتب عن ايقاف 1500 طن يوميا مخصصة للتوزيع في بيروت». وقال لـ«الشرق الاوسط»: «إضافة الى الخسارة المذكورة، تكدّست المنتجات الزراعية بسبب تعذّر تصديرها وتصريفها في السوق اللبناني، ما يعرّضها للتلف وارتفاع اسعارها بعد ارتفاع كلفة النقل. ويصعب علينا اليوم وبعد هدوء الاوضاع، تصريف المنتجات لان الشاحنات المبرّدة غير متوافرة. لذلك، ستسجل الاسعار بعد اقل من اسبوع تدهورا دراماتيكيا حتى في الداخل اللبناني. وهذه الخسارة وإن استفاد منها بعض المستهلكين، سيتكبّدها المزارع وحده. وتضاف الى هاتين المشكلتين الكارثة التي ألمّت بالتجار المرتبطين بعقود مع اطراف خارجية. إذ سيتعرّضون للبنود الجزائية، لتعذّر امكان التصدير بسبب تردي الاوضاع في الداخل اللبناني. كما ان هذه الاطراف ستبحث عن بدائل أخرى لتزويدها حاجاتها من المنتجات الزراعية». وشكا من «ارتفاع اسعار المحروقات وتحديدا المازوت الذي ارتفع من 7 دولارات للصفيحة الواحدة الى 21 دولارا. كذلك نعاني مشكلات في الري وارتفاع كلفة الكهرباء وهجرة العمال السوريين».

أما المدير العام لوزارة الزراعة سمير الشامي فقلّل من الخسارة التي لحقت بهذا القطاع ذلك ان «موسم الحصاد لم يبدأ الا في عكار حيث بوشر قلع البطاطا. فلو وقعت هذه الاضطرابات في حزيران (يونيو) لكان بالتأكيد الامر اصعب».