الحاج أحمد العزة أعطى مفتاح بيته لبابا الفاتيكان وسلم آخر لأحد الأطفال

يحلم بالعودة ويفضل مغارة في قريته على كل المخيم

الحاج احمد العزّة والى يساره حفيده غسان
TT

حين تجمع آلاف اللاجئين الفلسطينيين امام مخيم عايدة جنوب القدس، ليرفعوا مفتاحا حديديا بطول 10 امتار هو الاكبر في العالم، على بوابة المخيم، تأكيدا منهم على حقهم بالعودة، أعطى الحاج احمد العزة، 85 عاما، مفتاح بيته لأحد الاطفال اللاجئين، قائلا له ان عليه ان يعود الى قريته، وان يهتم بنقله للأجيال اللاحقة. وقال العزة لـ«الشرق الاوسط»: «انه رمز.. المفتاح رمز العودة، وانا اردت ان انقله من جيل لجيل».

والعزة كان يملك مفتاحين، الاول اعطاه لبابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولص الثاني شخصيا، وسلّمه له بيده عندما كان يزور مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم، قبل 8 سنوات، قائلا له «اريد منك ان تعيده لي في بيت جبرين». فهز البابا رأسه آنذاك.

وما يزال الحاج احمد يتمسك بحقه بالعودة الى قريته بيت جبرين، التي هجر منها مع بقية اهله في العام 1948. كان عمره آنذاك 20 عاما، وبعد 60 عاما على النكبة لا يرى العزة ان رحلته قد طالت. ويقول ان الاسرائيليين عملوا اكثر من 2000 عام من اجل بناء دولتهم «ونحن سنناضل 5 الاف عام آخر».

واليوم، يقضي العزة معظم وقته في بيته المتواضع في مخيم العزة الى الشمال من بيت لحم، يفترش الأرض، ولا يفارق صديقه المفضل (جهاز الراديو الصغير) الذي يستمع من خلاله الى آخر الاخبار. وحين وصلته كان يستمع الى خطاب الرئيس الاميركي جورج بوش في الكنيست الاسرائيلي. وقال معلقا «انه (بوش) راحل، وكلامه في الكنيست لا قيمة له، وإن كان يوجعني، لكن الاسرائيليين بنوا دولتهم قبل ان يولد هذا البوش».

يقول العزة انه يجلس على فراش الموت ربما، لكنه مرتاح الضمير. واشار الى احد احفاده الكثر، وقال «هذا سيعود». ويحفظ الحاج احمد تفاصيل قريته بيتا بيتا. ويتذكر اسماء اصدقائة والعائلات وأصحاب الاملاك. ويستطيع رسم خارطة تفصيلية للمكان. ومن بين ما يتذكره احدى المغارات في احد الجبال، التي يتمنى العودة الى قريته ليعيش فيها. ويقول انها افضل من بيته الذي يسكن فيه، وافضل من مخيمه ومن مدينة بيت لحم ومن كل الضفة. رحلة الحاج احمد كانت طويلة منذ البداية. وقد خرج من بيت جبرين مشردا الى الخليل ثم اريحا، ومن ثم الى بيت لحم. أولاده واحفاده يعيشون حياة متوسطة ويتعلمون في المدارس والجامعات ويحظون باحترام وسط مجتمعهم. إلا انه يرى انها حياة «بدون كرامةش. قائلا «هذه حياة إذلال». ويفسر ذلك كونه لاجئا مشردا من ارضه. وقال العزة «انا اليوم لاجئ، انت عارف شو يعني لاجئ ؟ يعني بدون ارض بدون كرامة وعايش على كرت التموين (كرت تمنحه وكالة الغوث للاجئين يتقاضون بموجبه مساعدات) حتى الطحين.. صاروا يقولوا عنه طحين لاجئين».

يصمت الحاج قليلا ثم يواصل «كل شيء في بيت جبرين اجمل، كانت حياتنا افضل بكثير، ولدينا ارضنا واغنامنا، وكنا مرتاحي البال». واضاف «ما تحكيلي في لاجئ مرتاح، هذا البيت استأجرته لي الوكالة، الحياة مش شعير واكل وشرب زي الحيوانات.. الحياة كرامة.. والكرامة في بيت جبرين فقط». وكان العزة قد خرج من بيت جبرين مع اربعة من اخوته واليوم تكاثروا ليصبحوا اكثر من 100 بينهم 60 من اولاده واحفاده. والى جانب الجد كان يجلس حفيده غسان. وهو طالب يدرس علم الاجتماع في جامعة بيت لحم. وعندما قال جده انه «مقصر» مثل كل الفلسطينين في حربه من اجل العودة. قاطعه غسان قائلا «انك لم تقصر، انت علمتني ان احب بيت جبرين التي لم ارها ابدا. وهذا اكبر نضال».

ومثل جده، يحلم غسان بالعودة الى بيت جبرين. ويقول ان جده زرع حب قريته فيه. واضاف «هذه ارضي.. هذا حقي ولن اتنازل عنه ابدا». ويتفق الشاب غسان مع جده الكهل بانهم يعيشون حياة اذلال، وقال «انا عندما ارى اطفالا يترعرعون الى جانب حاويات القمامة، ألعن المخيم». وتابع «هذا ليس بيتنا.. هذه ليست ارضنا» (قاطعه جده) قائلا »انا ما بدي هذا البيت ولا الكهربا ولا مي، بدي خيمة في بيت جبرين». ويقول غسان «انا اتمنى العودة، اتمنى ان اذهب لأرى الشجرة امام منزلنا، والتي اخبرني عنها جدي».

ويتمسك العزة بالامل الكبير. ويبدو واثقا من ان ايا من الحلول التي يستمع الى انها تتبلور لن تنجح ابدا. وبدا حفيده غسان اكثر تشددا ولا يعجبه كيف تفاوض قيادته. قال الحاج الكبير «لا تطلبوا من القيادة الفلسطينية اكثر من هذا.. المتسول يطلب من مال الله». وتابع «يعيشون على الشحدة وعلى الاموال التي تصلهم» واشاح بيده في اشارة عدم رضا واستياء. مطالبا الدول العربية بمقاطعة الاسرائيليين. وقال «انظر ماذا صنعت اسرائيل في ستين عاما وكيف تسلحت. ونحن منذ 7 آلاف سنه لم نصنع سيارة». اما غسان فانه يريد السلام لكنه يقول السلام العادل. وعند سؤاله ماذا يعني له السلام العادل قال «ان يرحل الاسرائيليون عن كل ارضنا». فسألته، وتل ابيت ؟ فقال «نعم بالتاكيد، كل الارض ويعودوا الى حيث اتوا، نحن نريد كل فلسطيين وهذا هو السلام العادل». ولا يوافق غسان على كل ما جاءت به الاتفاقات السابقة بين منظمة التحرير واسرائيل. وقال «لا اوسلو ولا جنيف ولا مفاوضات اليوم ولا التعويض ولا اي اتفاق، سيجعلني اتنازل عن حقي بالعودة الى قريتي او سأقبل به، وسأعلم اولادي مثل ما علمني جدي ان حق العودة حق لا يسقط ابدا». الجد الذي استلقى، بدا راضيا جدا عن كلام حفيده، وكأن تعبه لم يذهب سدى. وقال «المفاتيح التي اعطيتها لبابا الفاتيكان وأحد الاطفال اللاجئين ستعود.. انا الان بدون حول او قوة، اعيش شيخوختي، لكن احفادي سيعودون».