نار الحقد الطائفي تشتعل في نفوس أبناء منطقتي عرمون والشويفات المجروحة

عناصر من حزب الله رفعوا لافتاتهم مهددين بـ«قطع يد من يمسها»

TT

هل يكفي أن ينفي السياسيون اللبنانيون وقوع الفتنة الطائقية بين أبناء الوطن الواحد ليتجسد هذا الرأي على ألسنة المواطنين، بعد الحرب الدامية التي أوقعت مئات القتلى والجرحى؟ وهل يكفي أن تعمل بعض وسائل الاعلام التي كان لها الدور الأبرز في الحرب الاعلامية خلال المعارك، على عرض تقارير تعكس الوئام والانسجام بين المذاهب بعد كل ما جرى وما تسبب من جرح عميق في النفوس يحتاج الى سنوات طويلة كي يندمل؟ الجولة في المناطق التي كانت ساحة للمعارك وخصوصا منطقتي عرمون التي خسرت أول الشهداء في منطقة جبل لبنان ومدينة الشويفات التي روى دماء شبابها أرضها، والتكلم مع الأهالي الذين خسروا أبناءهم وتعرضت أرزاقهم للتكسير، يكتشف أن نار الحقد الطائفي والمذهبي والأسى تشتعل في النفوس المجروحة. هذا الواقع لا يعكس صورة ايجابية عما ستؤول اليه الأيام المقبلة رغم محاولة عدد من الاشخاص العمل على تجاوز المشكلة والتأكيد أن ما حصل لن يؤثر على العيش المشترك وان عليهم التوحد لمواجهة المشكلات معا، آملين أن يتخلص لبنان من الزعماء السياسيين الذين لطالما شكلوا الفتيل الاساسي للحروب. بعد القاء اللوم على السياسيين وحزب الله الذي أحضر عناصر من خارج المنطقة كي يقاتلوا، يقول شاهر زين الدين الذي يملك محلا في منطقة عرمون: «مشاهد الدم والأشلاء التي رأيناها أمام اعيننا كانت قاسية كثيرا. وكل ذلك حصل على مرأى من الجيش اللبناني ومسمعه ولم يعرض على شاشات التلفزة. لكن رغم ذلك سنحاول أن نعيش معا كما كنا من دون أحقاد. خسرت اصدقاء من الطرفين. وعندما تسنح الفرصة سأذهب في اقرب وقت ممكن للتعزية بالشهداء الذين ينتمون الى إخواننا في الطائفة الشيعية، مع العلم أن هناك شابا شيعيا، كان أخوه يقاتل مع حزب الله، ذهب وقدم التعزية بشهيد من الحزب الاشتراكي خلال المعارك من دون أن يتعرض له أحد». ويعلّق شاهر على التسوية السياسية التي حصلت قائلا «بعد كل ما حصل ها هم السياسيون يجتمعون اليوم كما وكأن شيئا لم يحصل. وكأنهم يقولون لنا ربوا أولادكم وعلموهم كي نقتلهم في حروبنا السخيفة. كان عليهم أن يضعوا شرطا اساسيا كي نطمئن الى مستقبلنا وهو مصادرة كل الاسلحة بما فيها الاسلحة الفردية المنتشرة في كل بيت لبناني».

وفي النهاية يبدي شاهر تخوفه من انفجار تداعيات ما حصل بين ابناء الطوائف. ويقول: «الخوف كل الخوف من أن يتحول المواطنون الآمنون الى كبش محرقة، فيلجأ من خسر أحباءه الى الثأر منهم مجرد انتمائهم الى طائفة القاتل». واللافت أن المتجول في عرمون والشويفات لا تتسنى له رؤية اعلام الموالاة التي يكثر تواجدها في هاتين المنطقتين مع ظهور واضح لأعلام المعارضة وخصوصا تلك الخاصة بالحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله، وهذا ما اعترضت عليه فيكتوريا الجردي من الشويفات قائلة :«قرار إزالة الأعلام يجب أن ينطبق على كل الأفرقاء وليس على فريق دون آخر. جاء عناصر من حزب الله الليلة الماضية وجالوا في المنطقة بسيارتهم ثم رفعوا أعلامهم مهددين بقطع يد من يمسها». ما لم يقله ابناء هذه المنطقة قاله فادي ابن بيروت الذي يقطن في عرمون بصوت مرتفع وبغصة عميقة: «لن نسامح ولن نتصالح. الجرح عميق. بعد كل ما عانيناه اتت التسوية السياسية على حسابنا وحساب أبنائنا». ويضيف: «كيف يمكنني أن أعيش معهم بعدما كان ابن الخامسة عشرة يوقفني ويطلب هويتي؟ وليعرفوا أنه اذا شنت اسرائيل حربا فلن يجد شعبهم مكانا لهم في بيوتنا بعدما فتحنا لهم أبوابنا واستقبلناهم خلال حرب تموز 2006. عندما يأتيك الكف من البعيد تنسى الألم. أما اذا أتاك من القريب فمن الصعب عليك أن تغفر. لذا أعددت جوازات سفر أولادي وسنغادر لبنان اليوم مساء».

تعلّق عايدة درويش ابنة بيروت المتزوجة من ابن الجنوب، وهي صاحبة محل للمواد الغذائية في عرمون، على الأحداث الأليمة التي أصابت المنطقة: «راحت على اللي راح واللي دفن تحت التراب»، مضيفة: «سوء التفاهم، في أحوال كهذه، لا بد أن يقع بيني وبين زوجي. انما اذا كانت النية الطيبة موجودة سنتخطى كل الصعاب. أتمنى أن تكون الايام القادمة كفيلة بتصحيح ما جرى، رغم أن الأجواء العامة لا تعكس تفاؤلا كبيرا. اسمع أن كل ابناء المنطقة يستعدون للتسلح، مؤكدين انهم لن يسمحوا لما حصل بأن يتكرّر». وربما خير دليل على تجذر الفتنة والخوف من الآخر هو أن صاحب احدى الصيدليات الموجودة في هذه المنطقة والمعروف بين أبنائها انه ابن الجنوب اللبناني لم يكشف عن هويته الصحيحة حين حاولنا الاطلاع على رأيه، مدعيا أنه من منطقة الشوف، ومؤكدا في الوقت عينه على ضرورة التعايش بين أبناء الوطن الواحد. بدورها ترتدي مدينة الشويفات حيث الغالبية الدرزية ثوب الحداد على أبنائها الخمسة الذين خسرتهم. حالة حزن عامة. صور الشهداء تزين الجدران. عمال البلدية ينظفون الطرق من حطام الزجاج. أبواب المحلات لا تزال مقفلة باستثناء تلك التي تبيع المواد الغذائية والخضار. حتى ادارات المدارس لم تتخذ قرارا بفتح ابوابها أمام التلاميذ الاثنين المقبل على غرار المناطق الأخرى. ولسان حال أبناء الشويفات يقول: «العوض بسلامتكم والحمد لله على السلامة».

يؤكد الجميع على التعايش المشترك الذي يجب أن يستمر بين كل الطوائف. ويشيرون بأيديهم الى مركز حزب الله الموجود بجانب البلدية، قائلين: «ها هو المسؤول عن هذا المركز يعيش هنا منذ سنوات ولم يسبق أن حصل اي سوء تفاهم بيننا». واذا سألت عن أحوال أبناء الطائفة الشيعية في هذه المنطقة للاطلاع على آرائهم، يأتيك الجواب بسرعة: «هناك الكثير من المنازل والمحلات. غادروا المنطقة خلال المعارك. كما أتى حوالي مائة شخص من أبناء طائفتنا كانوا يسكنون في الضاحية الجنوبية لبيروت ولن يعودوا مجددا الى منازلهم». كذلك يضيف أحدهم: «هناك صاحب محل يبيع المواد الغذائية ويعيش هنا منذ حوالي أربعين سنة، لكنه منذ بدء الاشتباكات لم يفتح باب محله. ولا أعتقد أنه سيعاود نشاطه بعد الآن».

من جهته، يتدخل شاكر أبي فرج الذي بقي جالسا بجانب صديقه فارس الجردي طوال ايام الحرب امام محل الأخير: «نحن نؤمن بالتعايش والمحبة، لكن شرط ان تبقى الكرامات محفوظة وأن لا يتعدى احد علينا. نريد التفاهم مع كل الفئات والطوائف. ان شاء الله أن يكون ما حصل غيمة سوداء مرت في سماء لبنان، على امل أن لا تعود مجددا». ويتمنى الجردي بدوره «لو أن السياسيين كانوا توصلوا الى هذا الاتفاق قبل هذا الوقت بدل أن يتفقوا على دماء الشهداء، لأن دائما في لبنان المواطن يدفع الثمن».