مفتي طرابلس: قرارات الحكومة لا تقاوم باجتياح عسكري لبيروت

فضل الله: لبنان بلد التسويات التوافقية لا للغلبة السياسية

ازدحام سير في شوارع بيروت بعد رفع السواتر الترابية (أ.ف.ب)
TT

ركزت اللقاءات والمواقف التي تناولت امس الاحداث الامنية الاخيرة في لبنان على الدعوة الى التعالي على الجروح والحفاظ على مسيرة العيش المشترك والتآخي بين اللبنانيين والتوجه لبناء الدولة بمشاركة جميع الفرقاء والطوائف والقوى السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية. هذا، وأكد مفتي شمال لبنان، الشيخ مالك الشعار، ان قرارات الحكومة «موقف سياسي لا يقاوم باجتياح عسكري واعتداء على الآمنين».

والتقى عضو كتلة نواب المستقبل في طرابلس النائب مصطفى علوش القائمة بأعمال السفارة الأميركية، ميشيل سيسون، التي قامت امس بجولة ميدانية في المدينة، ثم زارت الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي (المعارضة) والنائب مصباح الاحدب (قوى 14 آذار).

وبعد اللقاء الذي استمر ساعة قال علوش للصحافيين: «استطلعت السفيرة (سيسون) ميدانيا الاوضاع في طرابلس والشمال وخصوصا بعد الوضع المأساوي الذي أدخل حزب الله فيه لبنان خلال الأسبوع الماضي. ولا شك في ان قضية لبنان مركزية في الاهتمامات العالمية. ونحن الآن ننتظر مع كل محبي لبنان أن تكون هناك بعض النتائج على الأقل من الاجتماعات التي سوف تجري في الدوحة». وسئل عن مدى تفاؤله بالحل، فقال: «على الأقل هناك حقن للدماء خلال الأيام المقبلة. لكن المشكلة ان هناك شيئا انكسر. حزب الله وجه سلاحه إلى اللبنانيين. حزب الله أصبح بالنسبة الى معظم اللبنانيين ميليشيا قد تعتدي على أمنهم وقد تعتدي على أملاكهم في أي وقت من الاوقات. هذا هو الهاجس الأساسي. وأعتقد أن من قام بهذه الجريمة مرة سوف يقوم بها مرة ثانية». أما كرامي فقال عقب اجتماعه بسيسون انها «طرحت عددا من الاسئلة خصوصا في ما يتعلق بالتطورات التي حصلت أخيراً على الساحة اللبنانية. وقد شرحنا لها كل الأمور بكل صراحة ووضوح. وقلنا ان ما حدث كان متوقعا لأن الأزمة اللبنانية في أساسها تتعلق بالقرار 1559 وبالانقسام الذي حصل داخل الشعب اللبناني، وطبعا ما تبع ذلك من أزمة في الحكومة وشلل في هذه الحكومة وفي كل أعمال الدولة. وطبعا المقاومة جزء أساسي من الشعب اللبناني. وهي أثبتت جدواها وفاعليتها في تحرير قسم كبير من أراضي لبنان من الاحتلال الاسرائيلي. وأي مساس بهذه المقاومة قبل أن تتم مهمتها لا يمكن أن يمر على خير وسلامة. وهذا ما حصل. وقلنا اننا نأمل خيرا من اجتماع الدوحة، كما نأمل أن تتألف حكومة حيادية تقوم بوضع قانون انتخاب عادل في أسرع ما يمكن».

وسئل كرامي عما يتردد عن امكان تعديل اتفاق الطائف، فأجاب: «الطائف ليس قرآنا ولا إنجيلا. قلناها مرارا وتكرارا. لكن فتح هذه المواضيع الان غير مناسب. ويكفينا ما فينا. لانها ستثير حساسيات كبيرة جدا وسندخل في جدل ونقاش. ويمكن ان يؤدي هذا الى تقويض كل الجهود التي تبذل من اجل انهاء هذه الازمة. وفتح هذا الامر خطير جدا. وهو يحتاج الى مرحلة يكون فيها استقرار وبيئة مهيأة للتفاهم».

من جهته، طالب النائب الاحدب في تصريح ادلى به بعد لقائه سيسون بـ «بحث موضوع انتشار السلاح في مدينة طرابلس وسائر المناطق اللبنانية حول طاولة الحوار، لاسيما سلاح حزب الله». وقال: «ان همنا الاساسي اليوم في المدينة هو امن طرابلس وحصانتها. ونتمنى على الوزير محمد الصفدي ان يحمل هذا الامر الى طاولة الحوار. والحصانة تكون بعدم التنازل عن الواقع القائم في طرابلس قبل ان يكون الجيش اللبناني قد حفظ الامن في المدينة. والاجماع في طرابلس يتمثل في عدم القبول بتكرار الامور واعادة التاريخ الى الوزراء واستهداف المدينة مهما كان التباين السياسي بين الفاعليات فيها. ونحن نريد تطمينات من طاولة الحوار بأن الجيش سيقوم بدوره الاساسي لحماية المواطنين في طرابلس».

الى ذلك، دعا مفتو المناطق في خطب الجمعة امس الى «تحكيم العقل والابتعاد عن الفتن ونبذ العنف». وقال مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس: «ان ما جرى من هجمة على اهالي بيروت شكل طعنة في القلب لا يمكن ان تندمل جروحها في وقت قريب». واضاف: «ان عدم قتالنا كان هو المعركة الكبرى حيث كان سلاحنا اننا لا نحمل السلاح ولم نحمل السلاح. وبالتالي لن نحمل السلاح الا في وجه العدو الاسرائيلي وليس في وجه اي عربي او مسلم مهما كانت الظروف والمظالم». ورأى مفتي بعلبك ـ الهرمل الشيخ خالد الصلح ان «موقف الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة هو الموقف الحكيم والعاقل الذي اثبت الحرص على الوطن وعلى الكيان اللبناني من الزوال والاحتراق». وقال: «دائما اصحاب الوطن واهل الدار هم الذين يقدمون التضحيات لمصلحة الوطن ولمصلحة الدار ولا يمكن ان يفسر ذلك بانه تراجع او هزيمة الا عند ضعاف النفوس لان المنتصر هو الذي يحافظ على وطنه والمنهزم هو الذي يريد احراق الوطن ورغم كل ما جرى فقد خرج لبنان الوطن اقوى بكثير من محاولات الفتنة والتقسيم والفوضى». وقال مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ان الذي حدث في بيروت «مؤلم وبالغ الالم. وهو جرح عميق. لكن لا يجوز لان تكون نصرتنا لاهل بيبروت باعتدائنا على من يعيش معنا، انما ينبغي ان تكون في اطار الوعي والهدي القرآني والنبوي والا نكون بذلك قد استجبنا لتلك الفتنة التي بدأت في بيروت وكانت الغاية منها حربا اهلية في سائر مناطق لبنان».

دعا الامين العام لـ «حركة التوحيد الاسلامي» عضو قيادة «جبهة العمل الاسلامي» الشيخ بلال سعيد شعبان الى «تحقيق المصالحة الوطنية في اسرع ما يمكن وتجنيب البلاد المزيد من الهزات والخضات السياسية والأمنية». ورحب بـ«الجهود العربية الطيبة والمساعي الخيرة الحميدة التي تبذلها اللجنة الوزارية العربية». واعتبر «ان ما حدث في بيروت والشمال وفي بعض المناطق هو درس قاس وصعب. وعلى جميع المسؤولين تداركه والعمل على ازالة اسبابه وذيوله بالحكمة والوعي». وأكد «إن الفتنة السنية ـ الشيعية سقطت لادراك الحكماء والعقلاء في الطائفتين الكبيرتين ولادراك المقاومة بالذات ان فتنة كهذه انما تخدم المشروع الاميركي لاضعاف الجميع في مقابل بقاء اسرائيل قوية في المنطقة».

وفي صيدا بجنوب لبنان، دعا المفتي الشيخ سليم سوسان، في خطبة الجمعة «كل الأطراف السياسية للتحلي بالخطاب السياسي الهادئ الوحدوي (...) وابنائي واخوتي ابناء صيدا للابتعاد عن كل ما يسيء الى هذه المدينة وتاريخها ومؤسساتها التي تقوم بخدمة ابناء كل المدينة وابناء الحوار من دون تمييز او تفريق».

ورحب المرجع الشيعي اللبناني، السيد محمد حسين فضل الله، بـ«كل خطوة توافقية من شأنها أن تعيد الفرقاء اللبنانيين الى طاولة الحوار والتفاهم». وتمنى على المتحاورين «أن يرتفعوا عن حساباتهم الطائفية ومشاريعهم الشخصانية وعصبياتهم المذهبية والحزبية وارتباطاتهم الخارجية». ودعا الجميع إلى «الإقلاع عن الحديث عن الفتنة المذهبية كأمر واقع، لأن لا وجود للفتنة إلا في عقول الكثيرين ممن أدمنوا الخطاب الطائفي والمذهبي».

وقال فضل الله في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: «كنا نقول ولا نزال: إن لبنان هو بلد التسويات التوافقية وليس بلد الغلبة السياسية. وهذا هو الذي يمثل حاجة الجميع للخروج من المأزق. كما أن الحاجة تستدعي العمل السريع لقيام حكومة وحدة وطنية تخطط لمصلحة الشعب اللبناني في قضاياه المصيرية وأوضاعه الحيوية وتنوعاته الطائفية والمذهبية، لا لحساب الارتباطات الخارجية التي تبيع المسؤولين كلاما غزليا ولا تقدم لهم حلا واقعيا، والتي حتى عندما تتحدث عن الدعم العسكري ولا سيما للقوى الأمنية، فإننا نلاحظ أنها لا تمنح هذا الجيش القوة التي يستطيع معها الدفاع عن لبنان أمام أي عدوان إسرائيلي، لأنها ترى ـ وخصوصا أميركا ـ أنه لا يجوز لأية دولة في المنطقة أن تكون في موقع القوة أمام إسرائيل، لأن المطلوب عندهم أن تبقى هي الأقوى». ودعا «الجميع، ولاسيما المسؤولين السياسيين والدينيين، إلى الإقلاع عن الحديث عن الفتنة المذهبية كأمر واقع، لان لا وجود للفتنة إلا في عقول الكثيرين ممن أدمنوا الخطاب الطائفي والمذهبي. أما الشعب، فقد دلت كل التجارب على أنه يعيش الوحدة الإسلامية والوطنية بعفويتها الصادقة البعيدة عن تعقيدات السياسة والسياسيين، وحتى بعيدا عن بعض المواقع الدينية وخطابها المتشنج». ورحب بـ«كل خطوة توافقية من شأنها أن تعيد الفرقاء اللبنانيين الى طاولة الحوار والتفاهم، على رغم التحفظات الخفية التي أطلقتها الإدارة الأميركية. ونؤكد أن المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق المتحاورين هي أن يرتفعوا عن حساباتهم الطائفية ومشاريعهم الشخصانية وعصبياتهم المذهبية والحزبية وارتباطاتهم الخارجية، إلى مستوى لبنان الشعب والوطن الذي يمكن أن يتشارك الجميع في بنائه وحمايته وتطويره إلى المستوى الذي يعود فيه نموذجا للمواطنة التي لا تشعر معها كل فئة بالغلبة على الفئات الأخرى، ليشكل الخلاف جزءا من حالة التوازن السياسي الذي يغتني به الوطن بتنوعاته الطائفية والمذهبية والحزبية. وإننا نسأل الله أن يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة وأن يوفق الجميع للانفتاح على خط التقوى الأخلاقية والسياسية ليتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، لأن العيش المشترك والسلم الأهلي والوحدة الإسلامية والوطنية أمانة الله في رقاب الجميع».