تدريب مرشحي البرلمان الكويتي على فن الخطابة وإدارة الحملة الانتخابية

للارتقاء بأداء المرشحين بعد نصف قرن من الممارسة الديمقراطية

TT

«بعض المرشحين يتحدثون من عقولهم وليس من قلوبهم».. هكذا وصف الدكتور شفيق الغبرا. بعض مرشحي مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) الذين يظهرون «جامدين وغير صادقين في انفعالاتهم وإيماءاتهم الجسدية، فيبدون غير مؤمنين بما يقولون»، أمام ناخبيهم في المقرات الانتخابية والديوانيات (مجالس الرجال).

ويرى الغبرا، المحاضر الكويتي الشهير وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن المنطقة تعاني من «قلة وجود قيادات فعالة تؤثر في المجتمع»، الأمر الذي دفعه، ومجموعة من الأكاديميين والتجار الكويتيين والخليجيين، إلى تأسيس شركة جسور عربية، وهي مركز قيادة واستشارات متخصص، يقدم أحدث ما توصلت إليه التطبيقات العالمية في «صنع القائد الفعال».

وقال إن أهم خدمتين يقدمهما المركز لمرشحي مجلس الأمة وغيرها من مجالس انتخابية تتطلب قدرات قيادية، هي «التدريب الشخصي» للمرشح لصقل مهارات فنون القيادة والتواصل مع الناخبين وأجهزة الإعلام. أما الخدمة الثانية فهي «تدريب طاقم اللجنة الانتخابية» للمرشح في ورشات عمل جماعية مكثفة «لبث روح الحماسة فيهم» ووضع خطة عمل ورؤى وأهداف واضحة، يمكن من خلالها التنسيق الدقيق فيما بين اللجان العاملة من دون تداخل في الاختصاصات. ويبدو أن هذا المركز «ليس للمرشحين المبتدئين» كما يقول الدكتور الغبرا ولكنه يصلح لجميع الأعضاء حتى «المخضرمين منهم»، مستشهدا بما يجري في الانتخابات الرئاسية الأميركية من لجوء أبرز المرشحين، مثل باراك أوباما، إلى الاستماع إلى فريق متخصص يساعده في إدارة حملته وندواته الجماهيرية ومشاركاته الإعلامية.

ويرى الغبرا وجود تشابه ملحوظ بين الانتخابات الكويتية والأميركية، من جهة «اتساع رقعة الدوائر الانتخابية والشرائح المستهدفة بعد تحولها إلى خمس دوائر»، الأمر الذي يختلف عن السابق بحالة الدوائر الخمس والعشرين، حيث كان عدد 1000 صوت كافيا لدخول بعض المرشحين البرلمان! وقال إن تزايد القنوات الإعلامية «دعانا إلى تنظيم برنامج إعلامي عملي لظهور المرشح بالشكل اللائق» الذي يخدم أهداف حملته الانتخابية.

ولأن بعض المرشحين يهمهم أن يحاط أمر تدريبهم بالسرية التامة، يقول د. الغبرا إن مركزه صمم برنامجا خاصا «يحقق هذه الرغبة» وهو التدريب الشخصي، حيث «يجلس المرشح معنا على انفراد لتدريبه على إلقاء الكلمة وكيفية التأثير بالجمهور وأوقات إيصال الرسائل وكيفية البدء بالمقدمة» وحسن أداء الخاتمة «التي تضم أهم الرسائل المراد إيصالها».

وكل ذلك يجري أمام عدسة الكاميرا، في قاعة خاصة، ثم يعاد عرض التصوير على المرشح ليلاحظ بعض الأخطاء التي وقع فيها، حتى يتقن أداء ندوته. وقال إن بعض المرشحين لديهم «قدرات رائعة» ولكنهم لا يكتشفونها إلا من خلال الجلوس إلى متخصصين.

ويستمد الدكتور الغبرا خبرته في هذا المجال ـ حسب قوله ـ «من دراسة موسعة قمت بها، امتدت لمدة عشر سنوات، لأشهر مراكز التدريب القيادي في الولايات المتحدة الأميركية» فضلا عن متابعته للحملات الانتخابية المختلفة فيها، بالإضافة إلى تخصصه في مجال العلوم السياسية. يذكر أنه كان مديرا للمكتب الإعلامي الكويتي في واشنطن العاصمة وظهر على شاشات التلفزة الأميركية في أشهر البرامج الحوارية، وكان أحد الفاعلين في مناظرات جماهيرية ساخنة نظمت في مراكز الحوار والجامعات الأميركية.

ويرفض تسمية المرشحين الذين «لا يحبذون حضور» هذا النوع من التدريب «بالقياديين الفاعلين» لأن من «أهم صفات القائد أنه يتعلم ويتطور باستمرار» وأنه «متواضع ومستمع جيد ويحسن التخطيط والتواصل مع أعضاء حملته الإنتخابية»، واعتبر أن غياب هذه الصفات عمن يظنون أنفسهم قياديين في الوطن العربي سوف يمنينا بشر هزيمة «مثل هزيمة 1967» على حد تعبيره.

«لكل إنسان شخصية كاريزماتية مؤثرة» حسب قوله، وهو ما دفعه إلى التساؤل «كيف يخرج الفرد تلك التعبيرات الإيجابية الساحرة»؟ وهل لديه «متسع من الوقت للبحث عن ذلك»؟ ويجيب عن تساؤله بأن اتساع رقعة الدائرة الانتخابية لم يعد يعطي للمرشح متسعا كافيا من الوقت «لتطوير ذاته بسرعة» والتدرب على إلقاء الندوات وهو ما «يتطلب لجوئه إلى المتخصصين» الذي يوفرون عليه الوقت والجهد. كما يساعدونه في تنظيم صفوف حملته الانتخابية.

وبرغم قدم تجربة الديمقراطية الكويتية، التي تتجاوز 47 عاما، إلا أن الغبرا قد لاحظ جملة من «العادات السلبية» في الحملات الانتخابية، مثل: غياب القدرة الفعالة على «استخدام النظرات ووسائل التعبير، وطريقة الجلوس والدخول والخروج إلى القاعة» بشكل يؤثر بالحضور. مضيفا أن «تعابير الوجه مهمة جدا» فهي تفضح مكنونات المرشح في الانتخابات البرلمانية لأنه يبدو «متكلفا من طريقة صوته وإيماءاته». و«القراءة من ورقة ليست عيبا» على حد قوله «ولكننا نفضل تدريب المرشح على طريقة ذكية تقلل من إطالة النظر إليها» ليكون أكثر «تأثيرا وتلقائية» في عرضه.

ومن حسن حظ المرشحين أن القدرات القيادية وفن الخطابة هي «قدرات شخصية يمكن اكتسابها بالتدريب»، بحسب الدكتور الغبرا. ومن يدري لعله يأتي اليوم الذي يستنكر فيه الناخبين الكويتيين وغيرهم في المنطقة من عدم لجوء مرشحيهم ولجانهم الانتخابية إلى مراكز تدريبية متخصصة، تطلق العنان لقدراتهم وترتقي بأدائها، مثلما يجري الآن على الساحة الانتخابية الأميركية.