سيارة «البطة».. تثير الرعب في البصرة والعمارة ومسؤول: عشرات الاغتيالات نفذت بواسطتها

ينظر إليها بريبة لدى دخولها الأحياء السكنية.. والسائقون يتحاشون السير بمحاذاتها

TT

جثا حمودي طه، 4 أعوام، على ركبتيه بجوار جثة أمه التي لقيت مصرعها بعد أن اطلق عليها مسلحون النار من سيارة يقلونها نوع تيوتا التي يسميها الأهالي «البطة» على مقربة من السوق الشعبي في منطقة القبلة، غرب البصرة، وهو يسألها بعفوية «ماما ماذا حدث.. لماذا تنامين في الشارع»، ولم يدرك حمودي أنه بات يتيما.

صورة واحدة من عشرات الصور التي حفظتها ذاكرة أهالي محافظتي البصرة والعمارة عن الجرائم التي ارتكبها مسلحون بواسطة استخدام هذا النوع من السيارات خلال الخمسة أعوام الماضية.

لم تكن سيارة «البطة» إلا واحدة من عشرات الأنواع والموديلات التي دخلت العراق في ظل النظام السياسي الجديد، والتي اعتاد الأهالي وأصحاب معارض السيارات على إطلاق تسميات لها لسهولة معرفة تفاصيلها مثل الأرنب ورأس الثور والدولفين والجمرة وغيرها، إلا ان البطة امتازت عن غيرها من أنواع السيارات بإثارة الرعب بين الأهالي لتفردها بتنفيذ أعمال الاغتيالات بالمحافظتين جنوب العراق.

وأعرب الأهالي عن مخاوفهم من عودة سيارة البطة مجددا بعد اختزال القوات التي فرضت الأمن في البصرة وحالة الترقب والانتظار التي تسود العمارة، لكثرة ما أثارت الرعب بين الناس حتى باتت كالشبح، ينظر اليها الناس بريبة عند دخولها الأحياء السكنية ويتجنب أصحاب السيارات السير بمحاذاتها أو أمامها وخاصة إذا كانت تحمل أكثر من شابين ودون لوحة أرقام أو بلوحات غير واضحة وربما مزورة.

ويقول العقيد رياض العيداني مسؤول وحدة الإعلام في مديرية شرطة المرور في البصرة لـ«الشرق الأوسط» إن «لوحات أرقام السيارات تعد من أهم الأدلة الجنائية التي تستدل بها الأجهزة الأمنية على مرتكبي الجرائم بواسطتها، وان تفرد سيارة التويوتا التي تسمى البطة الخالية من لوحات التسجيل والتي يستخدمها مسلحون مجهولون هي جزء من فوضى الأمن التي سادت المحافظة قبل تنفيذ عملية صولة الفرسان لكثرة هذا النوع من السيارات التي دخلت البلد بعد رفع قيود الاستيراد، وبالتالي من الصعوبة الاستدلال على واحدة أو عشرة من بضع مئات من النوع ذاته»، وأشار إلى إن الوضع الحالي الذي ساده تطبيق قوانين المرور أسهم باختفاء هذا النوع من الجرائم.

ويرى الدكتور فاضل عبد الامير، استاذ علم النفس بجامعة البصرة، أن «المجرمين عادة ما يستخدمون رمزا لهم لإثارة الرعب بين الناس، وهذه حالة معروفة في أساليب عمل العصابات، وهي شبيهة بظاهرة (أبو طبر) (فأس) التي انتشرت في بغداد بداية السبعينات، إذ اتخذ المجرمون الطبر رمزا لتنفيذ جرائمهم، كما اتخذ مسلحو البصرة سيارة البطة». وكشف مصدر أمني في محافظة العمارة، 360 كلم جنوب بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» عن «لجوء أعداد كبيرة من المطلوبين للعدالة في محافظة البصرة إلى مدينة العمارة، مستفيدين من عدم فاعلية الأجهزة الأمنية فيها ووجود ارتباط عشائري أو نظراء لهم  ممن يوفر لهم الإقامة»، وأضاف ان «عمليات الاغتيالات التي ينفذها المسلحون بواسطة سيارات البطة وان توقفت حاليا، إلا انها معروفة لكثرة الجرائم التي اقترفت بواسطتها ومنها مقتل ضباط وبعثيين سابقين وشيوخ عشائر»، مؤكدا تطلع الأهالي إلى قيام أجهزة الدولة بتنفيذ عمليات لفرض القانون بالمحافظة كالتي اشرف عليها رئيس الوزراء في البصرة والموصل.

وأوضح مصدر قضائي في محكمة جنايات البصرة «لقد فتحت المحكمة جميع ملفات الاغتيال بالمحافظة التي طالت النساء والأطباء والشخصيات الدينية والرياضيين والمثقفين ورجالات الأحزاب الدينية وممثلي المرجعيات سواء تم اغتيالهم بسيارات البطة او بوسائل أخرى».

وأكد المصدر أن «المحكمة تعقد حاليا جلساتها لإصدار الأحكام القضائية بحق المتهمين، الذين ينتمي بعضهم بعد ثبوت الأدلة إلى عصابات متمرسة بالقتل»، مؤكدا على أهمية تعاون الأهالي وشهود الإثبات وعوائل الضحايا لإنجاز بقية الملفات. وقال ان «من بين الملفات المهمة جرائم ارتكبت بحق قياديين بالتيار الصدري اغتيلوا في ظروف غامضة».