برنامج «مكافأة من أجل العدالة» فشل في الاقتراب من قادة تنظيم بن لادن

سلم مكافآت تقدر بـ77 مليون دولار لما يزيد على 50 مرشدا

TT

يعتبر جابر البنا، 41 عاماً، واحداً من أهم الإرهابيين المشتبه فيهم المطلوبين لدى السلطات الأميركية. ففي عام 2003، أدانته الحكومة الأميركية بالتورط في الإرهاب وأعلنت عن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يرشد عن مكانه ووزعت منشورات تحمل صورته بمختلف أنحاء العالم. إلا أن جميع هذه الجهود منيت بالفشل، ولايزال البنا طليقاً، رغم أن إلقاء القبض عليه ليس بالأمر العسير، فخلال أحد أيام الشهر الماضي، شوهد البنا في أحد شوارع صنعاء المزدحمة ومر أمام مجموعة من رجال الشرطة الذين لم يلقوا له بالاً، ثم اختفى داخل أحد المباني بعد أن وطأ عن طريق الخطأ على قدم أحد المرشدين.

ويعد البنا واحداً من قرابة 25 عضواً بتنظيم «القاعدة» مدرجة أسماؤهم ببرنامج يتبع الحكومة الأميركية ويعرض مكافآت سخية مقابل معلومات تفيد في القبض على هؤلاء الأشخاص. وعلى امتداد سنوات عدة، أسرفت إدارة بوش في الإطراء على المكافآت باعتبارها أداة قوية في حربها ضد الإرهاب، إلا أن هذه الأداة أثبتت فشلها في مواجهة «القاعدة» . يذكر أن هذا البرنامج يعرف باسم مكافآت العدالة ويرجع تاريخه إلى عام 1984، وجرى استغلاله في الأصل لتعقب جميع الإرهابيين المشتبه فيهم من شتى الأطياف والتوجهات. وبعد وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، تم توسيع نطاق قائمة أكثر الإرهابيين المطلوبين وتم رفع قيمة المكافآت المعروضة بصورة بالغة، وذلك في إطار الجهود الرامية للقضاء على قيادات «القاعدة» . ومع ذلك، أخفق البرنامج حتى الآن في المساس بأعضاء القيادة المركزية للتنظيم الإرهابي. وأشارت مصادر رسمية مطلعة إلى أن مكافآت البرنامج المعلنة وقيمتها 25 مليون دولار مقابل القبض على أي من مؤسسي التنظيم، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، اجتذبت المئات من المكالمات الهاتفية مجهولة المصدر، لكن دون الوصول إلى معلومات مفيدة. ولبعض الوقت، تضاءل حجم المعلومات التي يوفرها البرنامج لدرجة أنه تم التخلي عنه داخل باكستان، رغم الاعتقاد بأن غالبية كبار زعماء «القاعدة» مختبئون فيها.

من ناحيته، أشار روبرت إل. جرينير، عميل وكالة الاستخبارات المركزية داخل باكستان سابقاً والمدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة، إلى أن البرنامج: بالتأكيد افتقر إلى الفعالية، ذلك أنه لم يحرز نتائج ولم يؤد إلى خيوط مفيدة يمكن تتبعها. وبصورة عامة، يمكن إيعاز فشل برنامج مكافآت العدالة إلى عدد من الأسباب منها: ضعف مستوى الحملات الدعائية الخاصة به داخل مناطق تمركز قيادات «القاعدة»، والتشكك إزاء تقديم الولايات المتحدة المكافآت بالفعل وحماية المخبرين والعمل بناءً على افتراض خاطئ مفاده أنه من الممكن شراء ولاء أي شخص حال رفع السعر. جدير بالذكر أن برنامج مكافآت العدالة يخضع لإدارة مكتب شؤون الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية والذي يستعين بموقع على شبكة الإنترنت للإعلان عن البرنامج من خلال 25 لغة.

أما فيما يخص القرارات المتعلقة بمن يجب إدراجه من الإرهابيين في قائمة أكثر المطلوبين للعدالة وحجم المكافآت الخاصة بالقبض على كل منهم، فيجري اتخاذها من قبل لجنة مؤلفة من مسؤولين بمجال مكافحة الإرهاب ينتمون إلى العديد من الوكالات، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والبنتاغون والبيت الأبيض. ومنذ عام 1984، قام المكتب بتسليم مكافآت تقدر بـ77 مليون دولار لما يزيد على 50 مرشدا، طبقاً لما أعلنته وزارة الخارجية. وكانت أكبر المكافآت من نصيب المرشد الذي مكن القوات الأميركية من العثور على نجلي الرئيس العراقي السابق صدام حسين، قصي وعدي، وقتلهما عام 2003، وبلغت قيمتها 30 مليون دولار. وماتزال مكافآت قائمة بقيمة تتجاوز 700 مليون دولار فيما يتعلق بعشرات الإرهابيين المشتبه فيهم والذين مازالوا طلقاء. وفي معظم الحالات، لا تكشف وزارة الخارجية عن حجم المكافآت التي تدفعها أو من يتلقاها، معللة ذلك بدواع أمنية. وترسل الوزارة تقارير سنوية إلى الكونغرس بهذا الشأن، لكنها سرية. إلا أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن غالبية المكافآت التي تم توزيعها في إطار البرنامج ارتبطت بإلقاء القبض على مشتبهين لا علاقة لهم بـ«القاعدة»، رغم تسليط الحكومة الضوء عليها على الصعيد العلني.

فعلاوة على مبلغ الـ30 مليون دولار الخاص بالإبلاغ عن نجلي صدام حسين، دفعت الحكومة 3 ملايين دولار على الأقل مقابل معلومات أدت إلى إلقاء القبض على ثلاثة من كبار معاوني الرئيس العراقي المخلوع. كما قدمت ما يزيد على 11 مليون دولار لمرشدين ساعدوا في القبض على أعضاء من جماعة أبو سياف، وهي جماعة إسلامية راديكالية بالفلبين.

أما المكافأة الوحيدة المعلنة المرتبطة بـ«القاعدة» فجاءت في يناير، عندما حصل معلم لفنون الطيران في ولاية مينيسوتا، وهو كليرنس بريفوست، على 5 ملايين دولار مقابل إدلائه بشهادته في محاكمة زكريا موساوي عام 2006.

يذكر أن موساوي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة لتلقيه التدريب على الطيران داخل الولايات المتحدة بهدف اختطاف طائرات. وتم تقديم المكافأة إلى بريفوست وسط احتجاجات من قبل بعض العملاء الفيدراليين المشاركين بقضية موساوي الذين أشاروا إلى أنه لم يتم الإعلان مسبقاً عن مكافأة قبل إلقاء القبض على موساوي في أغسطس 2001.

* خدمة «واشنطن بوست» من جانبهم، أشار مسؤولو وزارة الخارجية إلى أن الأشخاص الذين يساعدون في الحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية يحق لهم الحصول على مكافآت. ومنذ ذلك الحين، تقدم اثنان من معلمي فن الطيران كانوا قد حذروا مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن موساوي بطلب الحصول على 5 ملايين دولار لكل منهما. أما الهيئات الأخرى التابعة للحكومة الأميركية فلها برامج منفصلة لتوزيع المكافآت. فعلى سبيل المثال، وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت المؤسسة العسكرية الأميركية عرضها 200.000 دولار مقابل معلومات تسهم في القبض على 12 من كبار قادة طالبان و«القاعدة» العاملين داخل الأراضي الأفغانية، بينما لم ترد أسماء أي من الاثني عشر مطلوباً بقائمة برنامج مكافآت العدالة لأهم الإرهابيين المطلوبين لدى واشنطن. على الجانب الآخر، أشار الرئيس الباكستاني بيرويز مشرف في كتاب أصدره عام 2006، إلى أن بلاده: حصلت على مكافآت يبلغ إجمالي قيمتها ملايين الدولارات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مقابل تسليم المئات من مسلحي «القاعدة» المشتبه فيهم بعد 11 سبتمبر. وقد تم ترحيل الكثيرين منهم إلى معسكر الاحتجاز الأميركي بغوانتانامو في كوبا.

وأكد جورج تينيت، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على هذا الإجراء في مذكراته التي نشرها العام الماضي، حيث وصف كيف أن الوكالة دفعت مكافآت تقدر بملايين الدولارات كمكافآت لمرشدين، بينهم عملاء أجانب أدت المعلومات التي قدموها إلى القبض على أحد مدبري هجمات 11 سبتمبر 2001، خالد محمد شيخ في باكستان عام 2003. وفي عام 2004، زار عضو مجلس النواب مارك ستيفين كيرك باكستان بهدف التعرف على السبب وراء ضعف نتائج برنامج مكافآت العدالة فيما يتصل بالقبض على قيادات «القاعدة»، واكتشف أن السفارة الأميركية بإسلام أباد أغلقت البرنامج فعلياً. ولم تعد هناك إعلانات عن البرنامج بوسائل الإعلام المرئية أو المسموعة. وأشار كيرك إلى أن مسؤولي السفارة عللوا ذلك بانهماكهم بأولويات أخرى أوسع، مثل مساعدة القوات الأميركية في أفغانستان وتهدئة التوترات بين الهند وباكستان واحتواء المد الإسلامي الراديكالي بالمنطقة. وأوضح النائب الأميركي أنه من المفترض أن تمثل جهود تعقب أسامة بن لادن أهمية بالغة بالنسبة للحكومة الأميركية، إلا أنه على أرض الواقع، ليست هناك أدنى معرفة بشأن برنامج مكافآت العدالة في أي من المناطق القروية على مستوى العالم. في المقابل، غالباً ما سعت وزارة الخارجية وراء الحصول على معلومات داخل أجزاء من العالم يندر وجود أي من أعضاء «القاعدة» بها. على سبيل المثال في ديسمبر (كانون الأول) 2006، شن برنامج مكافآت العدالة حملة إعلانية بعشرات المطارات، ووزع مئات الملصقات تحمل صور 26 إرهابياً مشتبه فيهم، بينهم بن لادن وزعماء «القاعدة» الآخرين. وجاءت الحملة الإعلانية متزامنة مع أعياد رأس السنة الميلادية والإجازات واقتصرت على الولايات المتحدة. إلا أن نشر الإعلانات بمناطق غير مناسبة من الممكن أن يربك المحققين بسبب تشجيع الاتصالات الهاتفية من أشخاص غريبي الأطوار حسبما أوضح مسؤولون على دراية بالبرنامج.

جدير بالذكر أنه في عام 2004، مرر الكونغرس قانوناً يعطي وزارة الخارجية سلطة الإعلان عن مكافآت بقيمة تصل إلى 50 مليون دولار في الحالة الواحدة، وهو بند موجه على ما يبدو لحالة بن لادن. وفي الخريف الماضي، تقدم النائب دان بورين من الحزب الديمقراطي بمشروع قانون يقضي برفع الحد الأقصى للمكافأة إلى 500 مليون دولار. إلا أن وزارة الخارجية رفضت من جانبها رفع قيمة المكافأة المعروضة للقبض على بن لادن، مبررة ذلك بأن زيادة المكافأة من غير المحتمل أن تحقق أي فائدة ملموسة ولن يؤدي سوى إلى إضفاء المزيد من الشهرة عليه. أما كيرك فقد أعرب عن اعتقاده بضرورة أن توفر المكافآت أمراً آخر إلى جانب المال، موضحاً أن المبالغ النقدية الهائلة تشكل فكرة مجردة بالنسبة للكثيرين ممن يعيشون بالمناطق القبلية المعدمة في شمال غرب باكستان والتي من المعتقد أن بن لادن وكبار قادة التنظيم الإرهابي الآخرين يختبئون بها. وأضاف كيرك أن الأفراد الذين من المحتمل أن ينبهوا السلطات الأميركية لمكان قادة التنظيم هم الشباب الباكستاني الذين يعيشون قرب الحدود الأفغانية والذين تعرضوا لمعاملة سيئة على يد مقاتلي «القاعدة» الأجانب. بيد أن آرثر كيلر، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية والذي عمل في باكستان عام 2006، يرى أن إخفاق برنامج المكافآت تكمن وراءه عوامل أخرى، حيث قال: إنهم سيودون الحصول على مكافأة قدرها 25 مليون دولار، كما أنهم لا يؤيدون أسامة. لكنهم لا يثقون بالضرورة في الولايات المتحدة. من الذي يتعين عليهم إبلاغه؟ رئيس الشرطة المحلية؟ ... إنهم ليسوا على ثقة إلى من يلجأون وبمن يثقون.

واستطرد كيلر موضحاً أن المناطق القبلية داخل باكستان تنتشر بها محاولات وحشية للترهيب من جانب العناصر المتعاطفة مع «القاعدة» وطالبان. وغالباً ما يتم إسكات المعارضين من خلال اتهامهم بالتجسس لحساب واشنطن أو الحكومة الباكستانية، سواء كان الاتهام صحيحاً أم لا. وداخل مناطق أخرى، يوجد عملاء «القاعدة» بأماكن معروفة، لكن وزارة الخارجية تجابه صعوبة في إقناع الحكومات المعنية بالتحرك ضدهم. على سبيل المثال، يوجد ثلاثة من عملاء «القاعدة» ممن توجد أسماؤهم بقائمة برنامج مكافآت العدالة في اليمن، وتصل قيمة المكافأة المعروضة للقبض على أي منهم إلى 5 ملايين دولار.

اثنان من المطلوبين، وهما جمال البدوي وفهد القصو، أدانتهما محكمة يمنية لمساعدتهما في شن هجوم ضد المدمرة الأميركية يو. إس. إس. كول عام 2000، أسفر عن مقتل 17 جندياً أميركياً وإصابة 39 آخرين. ومع ذلك، رفضت الحكومة اليمنية تسليمهما إلى الحكومة الأميركية بحجة عدم وجود اتفاق بين الجانبين بشأن ترحيل المجرمين.

أما الثالث فهو جمال البنا وهو مواطن يمني ـ أميركي متهم بكونه عضواً فيما يطلق عليه «خلية لاكوانا»، وهم مجموعة من الشباب من منطقة بفلو سافروا إلى أفغانستان في ربيع 2001 لتلقي التدريب داخل معسكرات «القاعدة». وعلى خلاف الحال مع الأعضاء الآخرين في الخلية، لم يعد البنا إلى الولايات المتحدة بعد ذهابه إلى أفغانستان وتمت إدانته غيابياً في نيويورك عام 2003 بتهم تتعلق بتقديمه دعما ماديا لمنظمة إرهابية.

وفي يناير (كانون الثاني) عام 2004، وتحت ضغوط من الحكومة الأميركية، ألقت السلطات اليمنية القبض عليه، لكن بعد عامين تمكن من الهرب من سجن ذي إجراءات أمنية مشددة، إلى جانب 22 سجينا آخرين.