لبنان بلا قيادات: فراغ سياسي يثير.. الارتياح

اللبنانيون يعيشون ترقبا مشوبا بالخوف والنكات

TT

عاش اللبنانيون أمس وتحديدا أهالي بيروت، حالة فراغ سياسي أحدثه انتقال زعمائهم الى قطر، إلا ان هذا الفراغ انعكس شعورا بالراحة المشوبة بالقلق في انتظار نتائج حوار الدوحة، عبر عنه اللبنانيون بأشكال مختلفة من النكات والتحليلات السياسية، كل على ليلاه، حتى القول ان «الحوار الشعبي» بين الأطراف اللبنانية رافق الحوار الرسمي للزعماء في العاصمة القطرية، وان كان لا يقدم او يؤخر في واقع الأمر شيئا.

مظاهر الراحة ترجمت منذ الصباح الباكر ليوم أمس (السبت) بنشاط انعكس حركة في معظم الطرق التي بقيت حتى اعلان الاتفاق شبه خالية، وكأننا في مطلع الاسبوع وليس على ابواب «الويك اند». كل من تأجلت أعماله خلال الاسبوع الماضي سعى الى انجازها والتعويض عن العطلة القسرية. وكل من كان يريد إنهاء أعمال كان قد برمجها للأسبوع المقبل فضل عدم التأجيل، وذلك تجنبا لما لا تحمد عقباه. ولعل أبلغ تعبير شعبي عن استياء اللبنانيين مما حصل، وبعيدا عن الانتماءات السياسية والطائفية كان واضحا في تعليقاتهم عبر محطات التلفزة، فقد طالبت غالبيتهم بإقفال مطار بيروت لمنع السياسيين من العودة، بمعزل عما يمكن ان يؤدي اليه حوارهم. البعض منهم قال ان البيئة في لبنان هي الآن نظيفة ومثالية لأنها خالية من الجرائم السياسية وسمومها.

الحيرة ايضا رافقت «الفراغ السياسي»، مما فتح الباب واسعا امام التكهنات. الكل صار محللا سياسيا ولكن بحرص و«تقية» حتى داخل العائلة الواحدة أحيانا، وذلك تجنبا لكل نقاش قد يتطور الى تلاسن حاد، لاسيما في العائلات ذات الزيجات المختلطة. فالاتفاق الذي أعلنه رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بقي غامضا في الأذهان لجهة الغالب والمغلوب في الصيغة التي تتجاذبها كل من الأكثرية والمعارضة. القاسم المشترك كان عدم الثقة بما يمكن ان يسفر عنه الحوار لأن تجارب اللبنانيين مع محطات الحوار خلال الحرب الاهلية، لا تبعث على التفاؤل. إلا ان البعض يحاول ان يفسر الامور وفق وجهة نظره. فيرى في الاتفاق ما يتمنى. كما هي حال وليد صقر الموالي لتيار «المستقبل» الذي يهمس في أذن جاره المؤيد أيضا للتيار أن «قطر لعبت لعبتها بذكاء هذه المرة. فقد أحرجت الأقلية وأرغمتها على البحث في موضوع السلاح على طاولة حوار عربية بعد ان كان مسؤولو حزب الله يرفضون بحثه على طاولة لبنانية. بالطبع تم ذلك بالاتفاق مع السعودية. فالعرب لن يرضيهم ان تنتصر ايران عليهم في بيروت». ويضيف: «ظنوا انهم اذا انتصروا عسكريا سيحققون مكاسب على حسابنا. لكنهم لا يعرفون بيروت وأهلها». الجار لم يبادل وليد تفاؤله فقال: «لا تفرح سريعا. فالحزب لم يقتحم بيروت ويحتلها ليقبل بعد ذلك بحل الأزمة على طاولة حوار. الأكثرية تنازلت وقد تواصل تنازلها. لذا الآتي أعظم». الآتي الذي يخيف أهالي بيروت يرتبط بمجريات الحوار. فإذا تعقدت الامور بعضهم لا يستبعد ان يستخدم «حزب الله» قوته العسكرية ليضغط على محاوريه واللجنة الوزارية العربية. تقول غنى عيتاني: «سيفرض مسؤولو حزب الله ما يريدون. من يستطيع منعهم؟ الايام الماضية تعلمنا انهم لا يتوقفون عند حدود او خطوط حمراء. لا ننسى ان (الامين العام لحزب الله) حسن نصر الله هددهم بكل وضوح وقال انه سيزجهم في السجون او يلقيهم في البحر. كيف يمكن للمتحاورين ان يكونوا متساوين في شروطهم ومطالبهم؟ لست متفائلة».

مؤيدو المعارضة ليسوا أفضل حالا، تحديدا جمهور «حزب الله» منهم، فهم يعتبرون ان كل ما يحصل يرمي الى القضاء على الحزب وعلى «السيد حسن»، لأن العالم العربي لا يتحمل انتصاراته. يقول ابو مهدي: «كل ما حصل كان مؤامرة على السيد. اسرائيل والولايات المتحدة تريدان اغتياله بأي وسيلة، لذا لم يركب الطائرة ويشارك في الحوار، فقد علمت مصادر الحزب ان الاسرائيليين سيقصفون الطائرة اذا كان فيها من دون اي اكتراث لمن فيها. كل ما يهمهم هو القضاء عليه».

لكن بموازاة التشاؤم و«نظرية المؤامرة»، ارتبطت التحليلات والاجتهادات بتأليف النكات، على عادة اللبنانيين عندما يواجهون الكوارث. بالطبع معظم هذه النكات مسيّسة. وتحت عنوان «خبر عاجل» الذي أصبح منذ السابع من مايو (أيار) الماضي لازمة ترافق كل تحركات الناس، بدأت عملية «قصف متبادل» بين جمهور كل من الأكثرية والمعارضة. ومن هذه النكات ما يردده «الاغلبيون» عن أن «رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع المشهور بلقب (الحكيم) قال لنصر الله: لماذا تورطت مع وليد جنبلاط في الجبل؟ ألا تعرف اننا جربنا قبلك وانهزمنا؟ عندما تريد الدخول بمغامرة مماثلة اسأل مجربا ولا تسأل حكيما». وتحت عنوان «نشرة الاخبار» نشطت حركة الرسائل الالكترونية والهاتفية التي جاء في بعضها أن «حزب الله» استنكر الاعتداء على تلفزيون المستقبل ويتهم السلطة ويحملها المسؤولية..او أن قناة «أنيمال بلانيت» بثت فيلما وثائقيا عن انقراض فصيلة «فهود الطريق الجديدة» كما كان مؤيدو تيار «المستقبل» يلقبون أنفسهم. او أن عناصر في «حزب الله» اشتكوا من نوعية الدواليب لأنها لا تصدر دخانا كثيفا وحملوا الدولة المسؤولية ممثلة بوزير الداخلية وطالبوا الرئيس فؤاد السنيورة غير الشرعي بالاستقالة فورا..

ومن الاخبار العاجلة التي تعكس «شماتة المعارضين»، ما تداولوه من أن مبنى تلفزيون «المستقبل» احترق بعدما نسي الشيف رمزي طبخة «اللبن أمو» على النار، ليرد الاغلبيون بأن «قيادة حزب الله تطلب من الجيش تسليم سلاحه حفاظا على امن المقاومة والسلم الاهلي».

النكات المتبادلة لا تنتهي ولا تلغي الترقب المشوب بكثير من القلق واليأس من احتمال التوافق في الدوحة على الوصول بلبنان الى بر الأمان.