حاكم أبيي لـ«الشرق الاوسط»: الجيش السوداني.. قوات للعنصر العربي والإسلامي

إدوارد لينو قال إن قواته لم تهاجم المسيرية.. لكن بينهم من يتاجر بالقضية

لينو يبكي في مطار الخرطوم خلال عودته لأول مرة الى العاصمة بعد 20 عاما مقاتلا في الجنوب (أ.ب)
TT

وصف ادوارد لينو الذي عينته الحركة الشعبية لتحرير السودان مشرفا سياسيا (حاكما) لمنطقة ابيي من طرف واحد، في اتصال هاتفي مع «الشرق الاوسط»، من جوبا (عاصمة جنوب السودان)، الجيش السوداني، بانه قوات لحماية العنصر العربي الاسلامي، ضد الاخرين. وقال انه اصبح قوة فوق حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، مثل الذي يحدث في تركيا. واستغرب لينو ان يتدخل الجيش وهو حام للمواطنين، ضد مواطنيه في ابيي، ويقتل ويهدد ويزعزع الأمن. ونفى لينو وهو احد قيادات الحركة الشعبية الشريك الثاني في الحكم، ومن أبناء أبيي، الاتهامات التي وجهها له حزب المؤتمر الوطني والجيش، بان تعيينه حاكما للمنطقة من طرف واحد هو الذي عقد المشكلة وأدى الى الاشتباكات، وقال «اتهامات المؤتمر الوطني والقوات المسلحة، لا قيمة لها عندي.. هؤلاء يمارسون عنصرية واستعلاء.. وعليهم ان يتواضعوا لحل الازمات التي يتسببون فيها». وعزى ما يحدث الى تأخير تنفيذ اتفاقية السلام، خاصة بروتوكول ابيي، لمدة 3 اعوام، وقال ان تعيينه في المنصب جاء لحل القضايا الحيوية العاجلة.

وعن النزاع بين قبيلتي المسيرية العربية الشمالية، والدينكا نغوك الجنوبية، قال «نحن نحترم قبيلة المسيرية، وهم مهمشون بذات مستوى التهميش لدى الدينكا، ومناطق اخرى في السودان.. لكن هناك بينهم من ينتسب الى المؤتمر الوطني وما يسمى بالدفاع الشعبي (قوات شعبية تحارب الى جانب الجيش الحكومي وتعتبر ميليشيا مسلحة)، ونحن لا نعتقد ان هؤلاء، يتاجرون باسم المسيرية. ومشكلتنا تكمن مع هؤلاء.

والى نص الحوار:

* الحكومة والجيش السوداني يتهمانك بانك وراء الاحداث الاخيرة في أبيي، التي راح ضحيتها العشرات، ما صحة هذه الاتهامات؟

ـ اولا نترحم على ارواح الذين راحوا ضحايا في الاحداث الاخيرة بابيي، وأرى انه لم يكن هناك مبرر اطلاقاً الى ان يشن اللواء 31 مشاة التابع للجيش السوداني، في المنطقة ذلك الهجوم الوحشي (قبل أيام). وإجابة على السؤال فانا أقول ان اتهامات المؤتمر الوطني ـ وليس الحكومة لاننا جزء منها – والقوات المسلحة، لا قيمة لها عندي، واستغرب ان يهدد جيش يقول انه قومي، المواطنين في بلده بأشد عبارات التهديد. هذه قمة العنصرية والاستعلاء، الذي ظلت تمارسه القوات المسلحة وحكومات المركز. الجيش الحكومي اصبح فوق حزب المؤتمر الوطني، مثل الذي يحدث في تركيا. اضافة الى ذلك فهو جيش للعنصر العربي الاسلامي، ضد الاخرين. على المؤتمر الوطني والذين يقودون هذه الحروب في السودان ان يتواضعوا لحل الازمات التي يتسببون فيها، هناك تأخير لتنفيذ اتفاقية السلام، خاصة بروتوكول ابيي لثلاثة اعوام، والتأخير من جانب المؤتمر الوطني، وهذا معلوم للجميع، ويعتبر خرقا للاتفاقية، لذلك فان الاتهامات تعود اليهم.

* اذن ما هي خلفيات هذه الصراعات بينكم في كل مرة حول ابيي؟

ـ كما ذكرت لك سابقا، فان المؤتمر الوطني يتعمد تأخير تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وبخاصة ملفات أبيي، ويرفض اجازة تقرير الخبراء الدوليين، وضع حل للازمة منذ يوليو (تموز) 2005. وفي ديسمبر (كانون الاول) الماضي اتفقنا مع المؤتمر الوطني على ان نضع ما يعرف بالمصفوفة، بهدف وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاقية. واتفق الطرفان على وصف للمشكلة وحل جزئي للقضايا العالقة في الاتفاقية، بما فيها ابيي، من بينها رسم حدود مؤقتة، وادارة مؤقتة للمنطقة. لكن ومن يومها لم نر شيئاً على الارض.

وكان من المفترض ان يتم تنفيذ اتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير (كانون الثاني) الماضي (بعد 3 اعوام من توقيعها)، وحتى الان لم ينفذ الكثير من البنود، وهذا خرق ثالث. لذلك لم يكن لدينا في الحركة الشعبية خيار غير اتخاذ قرارات لصالح مواطن ابيي، منها تعييني مشرفا سياسيا للمنطقة، لتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، من صحة ومياه وتعليم. لا يمكن ان يظل الناس اكثر من ثلاث سنوات لتنفيذ الاتفاق.

* البعض يقول ان قرار الحركة صدر من اعلى قيادة لك وحدك، كما يتردد؟

- اولا نحن في الحركة الشعبية نحترم مؤسساتنا وليس كالأخرين، رئيس الحركة الفريق اول سلفا كير قرر باعتباره رئيسا للحزب تعييني مشرفاً سياسياً لمنطقة ابيي، وان نعمل على تقديم الخدمات لمواطنينا. ويقول كثيرون ان هناك سلاما، حسناً هناك سلام، لماذا لا ينعم اهل ابيي من دينكا ومسيرية بثمار هذا السلام من تقديم خدمات في حدودها الادنى. في المصفوفة اتفقنا على استدعاء الخبراء لتنوير الطرفين حول تقريرهم الذي اصدروه لحل المشكلة، لكنهم قالوا ان الرئيس البشير «اقسم بالطلاق» بانه لن يعترف بهذا التقرير. ولا نعرف ان قسم الطلاق هذا سيحل الأزمة أم سيعقدها. ويريدوننا ان ننتظر. اعتقد انهم يخافون من حضور الخبراء لانهم سيقنعونهم بالحجة، وهناك من يسأل لماذا لا نلجأ الى التحكيم الدولي، ونحن نقول ان الازمة واضحة والحل موجود، وليس هناك من داع (للف والدوران).

* ما تقوله التقارير الصحافية ان جيش الحركة الشعبية دخل في مواجهات مع المسيرية، ما تعليقكم؟

ـ اقول لك بكل صراحة نحن نحترم قبيلة المسيرية، وهم مهمشون بذات مستوى التهميش لدى الدينكا، ومناطق اخرى في السودان.. ليس لدينا مشكلة معهم لاننا نتجاور مع بعضنا منذ عقود، لكن هناك بينهم من ينتسب الى المؤتمر الوطني، وما يسمى بالدفاع الشعبي (قوات شعبية تحارب الى جانب الجيش الحكومي وتعتبر ميليشيا مسلحة)، ونحن لا نعتقد ان هؤلاء يمثلون ابناء المسيرية، بل يتحدثون انابة عنهم، ويتاجرون باسم المسيرية. مشكلتنا مع هؤلاء. عليهم ان يصححوا مواقفهم. نحن لم نبادر بالهجوم على ارض المسيرية اطلاقاً، وما تتناقله الانباء في هذا الشأن، لا اساس له من الصحة. الامم المتحدة والمنظمات الاخرى تعرف من هو الذي اعتدى على المواطنين سواء مسيرية ام دينكا نغوك. المعتدون هم من خارج المنطقة ولديهم اسلحة من الجيش الحكومي، بل هم لجأوا الى معسكر اللواء 31 الخاص بالقوات المسلحة السودانية لحمايتهم.

* هناك حديث عن ضرورة التدخل الدولي لحل النزاع.. لأن قضية المنطقة مرتبطة بوجود البترول فيها، هل توافقون على ذلك؟

- لم اسمع بذلك، لكن لماذا ننتظر الاخرين للحل، الولايات المتحدة قدمت اقتراحات في نيفاشا ووقعنا عليها نحن والمؤتمر الوطني، وهم الان يشاهدون الذين يخرقون الاتفاقية، وازمة ابيي موجودة قبل اكتشاف البترول، والجميع من مسيرية ودينكا نغوك ظلوا في حالة تعايش سلمي حتى في النزاعات التي تنشب بينهم في المراعي لديهم الحلول، لكن الذين يتدخلون من الذين يدعون انهم من المسيرية ويتاجرون باسمهم هم الذين عقدوا الاوضاع لانهم يقبضون ثمن ذلك.

* هناك اتجاه لعقد مؤتمر للتعايش السلمي بين المسيرية والدينكا نغوك ما هي النتائج المرجوة منه؟

ـ المؤتمر يسعى لتبني مشروع سلمي لكافة قبائل المنطقة التي يوجد فيها المسيرية، الحمر والزرق، النوبة، النوير، فروع الدينكا من نغوك وواراب، والرزيقات العرب، لاننا لاحظنا ان هناك العديد من المشاكل المتعلقة بالمراعي والمياه وهي شحيحة مع ازدياد السكان والمواشي. والبترول خلف مشاكل بيئية، نسعى لرسم خارطة طريق للمنطقة وللتعايش السلمي بين هذه القبائل. نحن في الحركة نقدم مثل هذه المشروعات لحل الازمات وليس كالاخرين الذي يعقدون الاوضاع.

* رئيس الحركة سلفا كير دعا الى انسحاب الجيش الشعبي، ما هي دواعي القرار وهل متوقع ان تخلف اثاراً؟

ـ نحن مستعدون للحوار مع المؤتمر الوطني لاننا لا نتعامل بالانفعالات، لكن نريد حواراً معقولاً. هناك قضايا تتعلق بتقاسم ارباح البترول في مناطق الانتاج، حسب نص اتفاق السلام، لم يتسلموها حتى الان. وهذه مسؤولية المؤتمر الوطني.

* من هو لينو؟

* ادوارد لينو أبيي، واسمه القبلي (ابيي)، من مواليد منتصف اربعينات القرن الماضي، من ابناء دينكا نغوك التي تسكن منطقة أبيي، ويتحدر من اسرة كبيرة لديها اواصر رابطة دم مع اسرة سلطان دينكا نغوك، «دينق مجوك». والده من اوائل المتعلمين من جنوب السودان، اذ كان معلماً واسس مدرسة ابيي الابتدائية ـ اتخذها الجيش الحكومي قبل ايام ثكنة عسكرية له – وتعلم الكثيرين من ابناء الجنوب على يد والده.

تلقى ادوارد تعليمه في الجنوب والمرحلة الثانوية في مدرسة الخرطوم القديمة وتزامل مع الرئيس السوداني عمر البشير ونائبه علي عثمان في تلك المدرسة وواصل مع الاخير في مرحلة جامعة الخرطوم، اعرق الجامعات السودانية وتخرج في منتصف السبعينات. التحق بالحزب الشيوعي السوداني، واعتقل بسبب نشاطه السياسي في فترة نظام الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري. وظل لينو بين جوبا الخرطوم ويتمتع بعلاقات واسعة مع كثير من الشماليين، وعمل في اعمال مختلفة منها التدريس.