رئيس حركة تحرير أبيي لـ«الشرق الأوسط»: «نموذج سويسرا» يصلح لحل المشكلة

محمد الأنصاري قال إن أبيي شمالية.. ولن تكون سببا في اندلاع حرب بين الشمال والجنوب

محمد الأنصاري يتحدث للصحافيين اخيرا في الخرطوم («الشرق الأوسط»)
TT

قال رئيس جبهة تحرير منطقة «أبيي» السودانية الغنية بالنفط، محمد عمر مصطفى الانصاري، في حوار مع «الشرق الأوسط» إن حل قضية المنطقة المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، لن يأتي الا عبر مجالس المجتمعات المحلية، بعيدا عن التدخل المباشر من قبل الحكومة، بشقيها (المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية برئاسة نائبه الأول سلفا كير)، ويرى أن دور الحكومة والحركة الشعبية، يجب أن يكون هو الدور المساعد في الحل، لا اكثر. واشار الى أن السياسيين هم الذين يعرقلون حل القضية، بسبب طموحات لا تتناسب مع طموحات انباء المنطقة الذين يريدون التعايش. وقال الانصاري وهو مهندس طيران، في حوار مع «الشرق الأوسط»، من أبيي «نحن ابناء قبيلة المسيرية (العربية ـ الشمالية) ودينكا نغوك (جنوبية ـ افريقية) لدينا ثقافة المجالس المحلية الأهلية، لحل مشاكلنا بعيدا عن البروتوكولات، وبعيدا عن الحكومات وطموحاتها». واضاف «نحن ودينكا نغوك أصبحنا جسما واحد.. تداخلنا وتعايشنا ومن الصعب الفرز بيننا، وعليه فإن حل المشكلات بيننا ليست مستحيلة». وطالب بأن يطبق النظام السويسري، في المنطقة «كل شيء اما بالشراكة أو التناوب». وأعلن الانصاري تأييده لحكومة الوحدة الوطنية المكونة من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، مستبعدا ان تكون أبيي بمثابة الشرارة التي ستنطلق منها حرب ثالثة بين الشمال والجنوب. وقال: «لا أرى اتجاها لتصعيد الأمور الى حرب شاملة في المنطقة». وشكك الانصاري، 58 عاما، الموجود هذه الايام في أبيي، في أن يسهم بروتوكول حل مشكلة ابيي الموقع بين طرفي حكومة الوحدة الوطنية، عام 2005، في اطار اتفاقية السلام الشاملة، في حل القضية بصورة مرضية، وقال ان تقرير الخبراء الدوليين، حول القضية، عقد المشكلة، ولا يساوي الحبر الذي كتب به.

وفيما يلي نص الحوار:

* لماذا أسستم جبهة تحرير أبيي في الوقت الراهن؟

ـ الحركة ولدت مطلع العام الحالي، وجاءت كرد فعل لمحاولات اغتصاب منطقة ابيي، من قبل قوات تتبع للحركة الشعبية، نحن نرصد تلك المحاولات، ونراها تمضى في اتجاه الغائنا من ارضنا، لذلك اسسنا هذه الجبهة.

* كيف تنظرون للقضية.. وحلولها.. هل ترون أن ابيي شمالية أم جنوبية.. أم هناك صيغة أخرى؟

ـ أبيي منطقة تعايش بين قبيلتي المسيرية الشمالية العربية، ودينكا نغوك الجنوبية الافريقية، ولكنها تتبع لشمال السودان وفقا لحدود عام 1956.. نحن لا نرى أبيي.. سوى انها منطقة شمالية في اطار ولاية جنوب كردفان.

* أين اماكن وجود حركتكم الآن؟

ـ نحن داخل منطقة ابيي وليس مدينة ابيي، نحن رعاة ابقار نتحرك حسب مواسم الجفاف والأمطار جنوبا وشمالا، ولكن نتابع الأحداث أولا بأول، ولن نسمح بأن يتم اغتصاب ارضنا.

* من هم أطراف حركة تحرير ابيي؟

ـ نحن حركة ذات شقين سياسي وعسكري.. الجناح العسكري يمتطي الجياد ويحمل البنادق، ويناضل بالسلاح ضد أي مغتصب.. اما الجناح السياسي للحركة فهو ينشط في كل الاتجاهات في محاولة لإعادة التعايش السلمي لابيي، ولطرح رؤية الحركة الخاصة بحل المشكلة.

* اشرح لنا تلك الرؤية؟

ـ تتأسس على فكرة المصالحات المحلية، والأجاويد، عبر مجتمع ابيي نفسه، من مسيرية ودينكا نغوك، ثم بمساعدة من حكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم. من الصعب حل المشكلة عبر اطراف اخرى غير ابناء المنطقة وجيرانهم من القبائل الأخرى، لأن القضية لها ابعاد محلية ترتبط بالثقافات الخاصة بأهل المنطقة، فهم الأدرى بدفعها لتسلك طرق الحل للمشكلة.

* أعود لسؤالي مرة أخرى.. ممن تتكون حركة ابيي.. أعني عناصرها؟

ـ أغلب عناصر الحركة من انباء قبيلة المسيرية العربية التي تقطن المنطقة، وترى ان ابيي شمالية، وانها ارضهم فيما يعرف بدار المسيرية، كما ان الحركة مفتوحة لكل السودانيين، الذين يرون في توجهها الطريق السليم لحل مشكلة ابيي. نحن جبهة لكل من يسعى الى تحرير الارض والعرض، وتحريرها من كل من يدعي ان المنطقة له وحده. هناك من العناصر داخل الحرك الشعبية، يريدون تغيير هوية المنطقة عن طريق العمل مع الدوائر الاميركية التي تطمع في نفط ابيي.

* ما هي علاقتكم بحزب المؤتمر الوطني الحاكم؟

ـ ليس لدينا علاقات خاصة مع أطراف حكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم، ونحن ندعم توجهات الحكومة عامة، لكن في كل الأحوال نحن رأينا واضح في قضية ابيي، وهو انها شمالية.

* ما هو رأيكم في بروتوكول ابيي المضمن في اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب؟

ـ هو أحد البروتوكولات الستة التي تشكل كتاب اتفاق السلام الشامل المعروف باتفاق نيفاشا، تحدث عن الكثير من الحلول، أهمها أنه أبقى ابيي في الشمال الى حين الاستفتاء، وأرسل خبراء دوليين هم: اميركي وهو رئيس اللجنة وبريطانيان و3 من منظمة إيقاد الافريقية، كلفوا وضع حلول دائمة للقضية، لكنهم اعلنوا عجزهم في ايجاد وثائق يعتمد عليها في ترسيم الحدود، وجاءوا بمقترحات، ورسموا حدود من عندهم لخصت المطامع الأجنبية، في ابيي.. هذه المقترحات رفضتها رئاسة الجمهورية، ولم تعترف بها، ونحن ايضا لن نعترف بها فهي لا تساوي الحبر الذي كتب به، وعليهم ان «يبلوا تقريرهم ويشربوا مويته»، هؤلاء قالوا لهم اين الحمار فجاءوا بالبغلة، على رأي المثل العربي.

* ما هي مشكلة أبيي.. اصلا؟

ـ هي مشكلة ارض.. ولكن من يحركها دائما هم السياسيون الذين لديهم طموحات لا تتناسب مع طموحات انباء المنطقة الذين يريدون التعايش.. نحن المسيرية ودينكا نغوك لدينا ثقافة المجالس المحلية الأهلية لحل مشاكلنا بعيدا عن البروتوكولات، وبعيدا عن الحكومات. يمكن حل المشكلة بيننا وبالتعاون مع جيراننا من القبائل والولايات، وبمساعدة من قبل الحكومة في الخرطوم. نحن ودينكا نغوك اصبحنا جسما واحدا.. انا جدتي من دينكا نغوك، وهناك بلا شك شخص من دينكا نغوك والدته من المسرية.. نحن تداخلنا وتعايشنا لدرجة من الصعب الفرز بيننا، وعليه فإن حل المشكلات بيننا في ابيي ليست مستحيلة.

* من هم سكان ابيي منذ التاريخ؟

ـ قبيلة المسيرية جاءت الى منطقة أبيي عام 1760 واستقرت فيها الى يومنا هذا، اما قبيبلة دينكا نغوك، وهي بطن رئيسي من بطون قبيلة الدينكا الجنوبية الاكبر عددا في افريقيا، فقد جاءوا الى المنطقة عام 1900، بعد ان حدثت بينهم وبين قبيلة النوير (قبيلة جنوبية) معارك في مناطق «فارينق» في ولاية الوحدة الجنوبية، فقامت بالتوجه غربا وشمالا، فاطلق عليهم فيما بعد دينكا نغوك كردفان (شمال)، وهناك جزء من القبيلة توجهت جنوبا يعرفون بدينكا نغوك بحر الغزل (جنوب)، كما أن هناك دينكا نغوك في اعالي النيل (جنوب)، ثم تعايشنا معا.

* كيف تنظرون الى وضعية ابيي في حال انفصال الجنوب بعد الاستفتاء المقترح في اتفاق نيفاشا؟

ـ علينا الآن ادارة ابيي عبر ادارة مشتركة من سكان المنطقة مسيرية ودينكا نغوك، وغيرهم، على ان تظل في الشمال، وفي حال حدوث الانفصال بين الشمال والجنوب، ليس لدينا مانع من ان يمنح سكان ابيي الجنسية المزدوجة.. في كل الأحول اننا نرى ان ابيي سفينة واحدة في بحر، وأي محاولة لتقسيمها ستتكسر وستغرق بلا شك.. لا بأس ان يطبق فيها النظام السويسري، كل شيء اما بالشراكة أو التناوب.

* من أين يمكن ان تبدأ لملمة آثار الدمار في ابيي؟

ـ هذا هو دور حكومة الوحدة الوطنية، يجب عليها أن تعمد اولا إلى تشكيل ادارة محلية مشتركة تجمع كل الاطراف لاحتواء الاشتباكات.. ومن ثم ترتيب الأمور الأخرى.

من هو الأنصاري؟

* من مواليد عام 1950 بمدينة المجلد وهي ثانية اكبر مدينة في غرب كردفان، وتعتبر المعقل الرئيسي لقبيلة المسيرية العربية، وينتمي الى القبيلة نفسها من بطن العجايرة وعائلة اولاد كامل، التي تتمركز في ابيي. درس الانصاري هندسة الطيران، وحصل على درجة الدبلوم في «الهياكل والمحركات» في مدينة كييف الروسية، وهو عضو لجنة اعادة الاطفال المختطفين السودانية «سيواك»، واداري في منظمة «انقابو للسلام والتنمية»، وهي منظمة أهلية في مجال التربية الريفية والسلام في مناطق التماس بين الشمال، متزوج وله ابنان وبنتان.