«مبروك الصلحة» عبارة تبادلها المواطنون رغم اختلاف تفسيراتهم لتصرفات زعمائهم

التوجهات السياسية تتحكم بمشاعر الفرح في بيروت الشرقية

TT

«مبروك الصلحة» إنها العبارة التي راجت على ألسنة اللبنانيين ليحيوا بعضهم البعض على اختلاف انتماءاتهم السياسية. فرحة لا تتسع لها صدورهم التي ضاقت ذرعا بالأزمات المتلاحقة والتصريحات التصادمية التي ملأت الشاشات وصفحات الجرائد، فحقنت الانفس وأصابت العمق اللبناني بانشقاقات وتشرذمات.

جولة قامت بها «الشرق الأوسط» في مناطق الأشرفية، عين الرمانة، فرن الشباك بدا فيها المشهد واحدا وإن اختلفت التفسيرات و«التحليلات» التي يعطيها اللبنانيون لتصرفات زعمائهم. انها الفرحة التي وحّدت أهالي المناطق، بعضهم فرح من دون ان يعرفوا بعد على ماذا اتفق السياسيون، وبعضهم تنفّس الصعداء وأطلق العنان لأحلامه، وبعضهم الآخر لا يزال منقبضا يحمل قلبه على راحة يده في انتظار عودة المسؤولين «لنرى اذا كان هذا الاتفاق حقيقيا».

يرفضون التصديق قبل ان يلمسوا النتائج لمس اليد كما تقول منى. وتضيف: «أيعقل ان ما عجزوا عن الاتفاق عليه طوال عامين، انجزوه في 5 أيام خارج لبنان؟».

ولا تصدّق غريس «اننا انتقلنا بلحظات من الاسود الى الابيض. ماذا حصل حتى تمكنوا من الاتفاق بهذه السرعة؟». يعرب كميل عشقوتي، كسائر من تحدثوا الى «الشرق الاوسط»، عن فرحته. لكنّه يسجّل «عتبا كبيرا على هذا الطقم السياسي» الذي «فشل في الاجتماع والتحاور هنا في لبنان. لقد ساحوا في الدوحة واتفقوا. لكن الشعب كالعادة سيدفع فاتورة الفنادق. كنت مستعدا للنزول الى المطار لرشقهم بالحجارة إذا عادوا مختلفين». وعلّق رجل آخر، رفض ككثر غيره الكشف عن اسمه، بالقول: «إذا تشاجروا ندفع الثمن، ويقتل أبناؤنا وتهدر دماؤنا. وإذا اتفقوا ندفع الثمن ايضا. نحن شعب اعتاد دفع الفواتير».

الفرحة العريضة طبعت وجوه اللبنانيين ولكن «نبش التفاصيل» كفيل بإعادة فرزهم بين مؤيدين لكل من الموالاة والمعارضة. فعند التحدث في بنود الاتفاق لمن تسنّى لهم الاطلاع عليه، يسمح بجسّ النبض الحقيقي المتواري خلف الفرحة. وهنا تصبح الفرحة أنواعا: ثمة من فرحوا لفك الخيم. وثمّة من فرحوا لان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «لن يستمرّ طويلا» أو لان «الرئيس التوافقي» سينتخب قريبا. وآخرون فرحوا بالحصول على قانون «عادل» يمثلهم «خير تمثيل». وغيرهم فرحوا لان الحياة ستعود الى لبنان وسيصبح بإمكانهم التجول براحة وطمأنينة.

وفي مقابل الفرحة، تظهر النغصة. يسأل احدهم: «لماذا اتفقوا على كل شيء ولم نرَ ذكرا لسلاح حزب الله؟». موقف متميّز للسائق ايلي الذي يقول ساخرا: «لقد ارتفعت اسهم (النائب ميشال) عون فقد استطاعوا (المعارضة) نزع الثلث المعطّل و10 مقاعد من (النائب) سعد الحريري في القانون الانتخابي. عتبي على الاكثرية التي تنازلت كثيرا. أما كان من الافضل ان تتنازل قبل عامين وتوفر علينا هدر موسمين. ضيعوا علينا فرصا كثيرة، لكانت احوالنا الاقتصادية افضل بكثير لو لم يدخلونا في هذه المعمعة».

اما فاديا غانم، وهي صاحبة متجر، فترى انه «لا يهمّ من تنازل لمن. المهم انهم اتفقوا، بذلك الجميع صاروا رابحين. فالشعب اللبناني ولبنان أهم من التنازلات والكراسي. فمبروك له وليس للزعماء». وتضيف: «لقد اتصلت احدى زبوناتي الكويتيات للتهنئة. وقالت لي انها آتية الى لبنان في أول طائرة».

إحدى السيدات التي صودف مرورها في المكان، تعلّق: «لقد بكيت صباحا لدى سماع الخبر. لا استطيع ان أصف شعوري. فما حصل أسرع من قدرتنا على الاستيعاب، وكأنه حلم».

وبلهجة التحدي تقول هيفاء: «لقد اجبرت الموالاة على التنازل، لان ما طالبنا به من قانون انتخابي هو حق بديهي. واعتقد انه لو لم تخذلهم الولايات المتحدة، لما ابدوا كل هذا الحرص على امن البلاد».

اما اميرة أحمد فترى ان «تصرّف الاكثرية وتحديدا النائب سعد الحريري أظهر وعيا كبيرا وحرصا اكبر على مصلحة البلاد واستقرارها. صحيح انهم قدّموا تنازلات اكثر من المعارضة ولكن ذلك عزّز رصيدهم لدى الناس». وتضيف: «الاهم انهم فكّوا خيمهم في بيروت التي ستعود اليها الحياة والحرية، ان شاء الله».

زياد ونيكول وهما صاحبا متجر يعربان عن «فرحة لا توصف، فالناس سئمت الخلافات» ويقولان: «أهم ما في الاتفاق انهم باشروا فك الخيم في وسط بيروت. لكننا لن نصدّق ان الوضع بدأ ينفرج الى حين عودتهم (السياسيين). ويبقى أن يخفض سعر صفيحة البنزين». أما ربى فتكتفي بالتعليق: «إن ما حصل عيد اهم من كل الاعياد».

التجار يأملون في ان تنشط حركة البيع بعدما لاحظوا في ساعات الصباح الاولى تغيّر حركة المارة والزبائن لان «الناس بدأوا يشعرون بالارتياح. فلا خوف من التجوّل وانفاق المال»، يقول ايلي وهو صاحب محل للألبسة.

وإذ عبّر العمّ الياس، وهو من سكّان الاشرفية، عن فرحته الكبيرة بالاتفاق، قال: «الاهم انهم صححوا تقسيم بيروت. بذلك عادت أصواتنا (المسيحيون) تؤثر. وهذا الامر الصائب ان تنتخب كل طائفة نوابها. نحن إخوة ونعيش في بلد واحد ولكن لطالما انتخب كل منا جماعته». اضاف: «لا نريد التقاتل. والمدفع لا ينفع لشيء فجميعنا سنبقى في لبنان».

روبير لابا، وهو سائق تاكسي، يقول: «منذ الصباح اشعر بجو تفاؤلي بين الناس. ان شاء الله يكون هذا الاتفاق بداية لتنفيس الاحتقان. بالتأكيد انني فرح. ولكن اخشى ان يختلفوا لدى عودتهم على طريقة توزيع الحقائب».