قلب بيروت عاد ينبض بعد «سكتة» استمرت 538 يوماً

رغم توقف أكثر من 120 محلا ومقهى عن العمل كليا

عامل ينقل أمس مجموعة من الكراسي استعدادا لإعادة افتتاح المطعم الذي يعمل فيه وسط بيروت (أ.ف.ب)
TT

تنفس قلب بيروت الصعداء وعاد ينبض بعدما توقف أكثر من سنة ونصف السنة. 538 يوما من الاعتصام المستمر الذي أقامته المعارضة اللبنانية كانت كفيلة بشل وسط المدينة وفصله عن محيطه. حالة من الجمود أصابت هذا الموقع الذي تحول الى قبلة السياح واللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقلب العاصمة يتلقى الضربات من كل حدب وصوب، ضربات سياسية وأمنية استطاعت أن تقضي على عزيمة أصحاب المؤسسات الذين قاوموا وتحملوا الخسائر بانتظار أن يأتي الفرج من مكان ما، الا أن معظمهم في النهاية عاد واستسلم للأمر الواقع وأقفل باب محله وصرف موظفيه. أكثر من 120 محلا ومقهى توقفت عن العمل نهائيا أو انتقلت الى منطقة أخرى علها تعوض ما خسرته بعدما نصبت الخيم ووضعت الحواجز لمنع اللبنانيين من الوصول الى وسط بيروت.

هذه الصورة المظلمة والجامدة التي عاشتها ليالي المدينة تحولت منذ صباح الأربعاء 21 مايو (أيار) 2008، لحظة اعلان اتفاق الدوحة، الى صورة مضيئة تضج بحركة اللبنانيين وحيويتهم. فقد عاود بعض المطاعم والمقاهي في منطقة الوسط التجاري اعماله بعد عودة الحال الى طبيعتها وإزالة خيم المعارضة من بعض الشوارع التي كانت فيها. ولفت رئيس نقابة اصحاب المطاعم والمقاهي بول عريس الى ان «عدد المطاعم في الوسط التجاري يبلغ 104 مطاعم منها 40 مطعما قادرا على العمل سريعا». واقترح زيادة موازنة وزارة السياحة لكي تتمكن من تسويق لبنان سياحيا. كما طالب بتحديث القوانين لتشجيع الاستثمارات السياحية ووضع امكانات جديدة لدى القطاع المصرفي كي تتمكن من منح القروض طويلة الامد لتشجيع القطاع السياحي على الاستثمار والتطوير والتحديث. وكان رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في طليعة زوار الوسط، فقد جال مساء الاول من أمس في شوارعه وتناول العشاء مع زوجته في أحد مطاعمه. وعاين عن كثب حركة الاقبال التي باتت تستوجب بين ليلة وضحاها حجوزات مسبقة لارتياد المقاهي والمطاعم، التي كانت تفتقد حتى الى متجول وليس زبون. وكان اللافت أن الحركة لم تقتصر على أبناء الوطن بل لوحظت زيارات استكشافية لعدد من السياح الأجانب الذين اغتنموا فرصة وجودهم في لبنان للتعرف الى وسط المدينة وتفقد مكان الاعتصام. اكتظت المنطقة بزوار من مختلف الأعمار واختار بعضهم أن يعبر عن فرحته باتفاق سياسييهم وفك الاعتصام بطريقة مختلفة، فاجتمعوا في ساحة الشهداء ليطلقوا منها أكثر من 2500 بالون أبيض في سماء العاصمة وسط اصوات المآذن وأجراس الكنائس ليعلنوا حبهم للحياة بسلام وأمان وبدء صفحة جديدة في حياتهم بعد مخاض عسير. سمع حمدي الحلبي خبر اتفاق الزعماء اللبنانيين، وهو على متن الطائرة آتيا من فرنسا، فقرر أن يزور وسط بيروت بعد الانتهاء من عملية ازالة الخيم. ويقول:« هذا الوسط يجب أن يبقى منارة لبنان، هو بمثابة المعالم السياحية لبلدنا، هو يمثل العاصمة التي دمرت واعيد بناؤها بعد الحروب التي ألمت بنا. المهم أن يعي الشعب اللبناني أن كل شبر في هذا البلد هو لكل واحد منا، فلا يجرؤ أحد منهم على تحطيم كرسي فيها وليس مدينة».

«منذ سنتين لم تطأ قدمنا هذه المنطقة رغم أننا نسكن قريبا منها. واليوم قررنا أن نأتي لنستعيد ايامنا الجميلة، ونزور ضريح الرئيس رفيق الحريري» هكذا تعبر فاطمة عميراتي التي تتجول في ساحة البرلمان اللبناني برفقة ابنتها وأحفادها، عن فرحتها بعودة الحياة الى وسط بيروت، وتقول:« الآن كل شيء اختلف وصار أجمل. على الأقل أن جارنا الذي كان لا يلقي علينا السلام صار اليوم يبتسم لنا، لذا نتفاءل بالخير ونتمنى أن تكون الأيام القادمة أفضل لأن أعصابنا لم تعد تحتمل».

وبدوره يعتبر أحمد اليمن أن وسط بيروت «يمثل بيت رفيق الحريري الذي عاد وفتح أبوابه لكل الناس من جديد». ويقول: «لذا سنبقى هنا لتبقى مدينتنا تنبض بالحياة». فيما أكد صديقه جو أبو جودة: «اليوم أصبحنا نشعر أن أبناءنا سيعيشون بأمان. ولن نبحث بعد اليوم على وطن بديل». فرحة اللبنانيين باستعادة وسط مدينتهم لا توازي فرحة أصحاب المحلات الذين أسرعوا لينفضوا غبار عام ونصف العام ويفتحوا أبوابها لاستقبال الزبائن بعد طول غياب.