الجيش الأميركي يكثف الضربات الجوية للقضاء على المسلحين في العراق

عراقيون: الضربات لا تميز بين أهدافها.. وجنود أميركيون: المسلحون يختبئون بين المدنيين

عائلة عراقية تتطلع في جندي اميركي اثناء تنفيذ دورية راجلة في محلة الشيخ معروف وسط بغداد امس (أ.ب)
TT

من على متن مروحية الأباتشي يبدو ميدان القتال للكابتن بن كاتزيبرجر كفسيفساء رحبة بها الكثير من الصناديق الصغيرة بنية اللون. ويضيف الطيّار الذي يبلغ من العمر 26 عاما: «تبدو المدينة كما لو تم إلقاء الكثير من الألعاب على مساحة من الأرض، ولكن هذه الألعاب بنية اللون تظهر في الواقع مزدحمة جدا، ومن الصعب التمييز بين الأشياء لأنها تشبه بعضها البعض». ولذا يستخدم الطيار عدسات قوية لمحاولة التعرف على الأفراد ذوي «النوايا العدائية» من بين المئات من المواطنين العاديين في العاصمة بغداد. وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، ارتفعت العمليات التي يقوم بها كاتزيبرجر وزملاؤه ضد أهداف معادية بصورة كبيرة جدا، وغالبا ما تكون هذه العمليات في مناطق بها كثافة سكانية كبيرة. فمنذ مارس (آذار) الماضي، أطلق الجيش أكثر من 200 صاروخ «هيل فير» في العاصمة العراقية، مقارنة بستة صواريخ فقط خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت مارس. ويقول الجيش إن هذا التكتيك ساعد في حماية قوات المشاة وأحبط العديد من الهجمات، ومع هذا فقد تسببت الهجمات في مقتل وإصابة العديد من المدنيين، وأثارت انتقادات كبيرة في صفوف العراقيين. ويوم الأربعاء، قتل ثمانية أشخاص، بينهم طفلان، عندما فتحت مروحية أميركية النار على مجموعة من العراقيين المتجهين إلى مركز توقيف أميركي لاستقبال رجل أطلق سراحه، حسب مسؤولين عراقيين. وقال الجيش الأميركي في بيان له إنه كان يستهدف رجالا على صلة بشبكة انتحارية. وأضاف البيان «للأسف، قتل طفلان، بعد أن أبدى ركاب السيارة الآخرون نية عدائية». ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يبذلون قصارى جهدهم لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين في الهجمات الجوية التي ينفذونها. من جانبه، يقول الكولونيل تيموثي إدنز، قائد الكتيبة الجوية المقاتلة (12): «إن هذه الهجمات دقيقة بالدرجة التي يمكن أن يصل إليها جنود وقادة يبذلون جهدا كبيرا، والمشكلة هي أن هؤلاء المجرمين لا يعملون في أرض خالية، بل يختلطون مع المدنيين».

ومن بين هؤلاء المدنيين، زهراء فاضل، وهي طفلة تبلغ من العمر 10 أعوام، ولها شعر طويل بني. يقول أقارب زهراء إنها أصيبت بسبب انفجار صاروخ في 20 إبريل (نيسان) في الساعة الثامنة مساء تقريبا في مدينة الصدر الشيعية. وقال الجيش الأميركي إنهم أطلقوا صاروخا على المنطقة القريبة من زهراء في هذا الوقت لاستهداف رجال كانوا يحملون صواريخ داخل إحدى السيارات. وعندما سئلت زهراء عن القوات الأميركية، قالت: «إنهم يقتلون الناس، يجب عليهم أن يغادروا العراق الآن». وترقد الطفلة في السرير حيث تعاني من الشظايا التي أصابتها في الهجوم. يذكر أنه بعد أن شن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عملية عسكرية نهاية مارس (آذار) ضد الميليشيات الشيعية في مدينة البصرة، زاد المقاتلون الشيعة من الهجمات بالصورايخ وقذائف الهاون على المنطقة الخضراء، التي يقيم فيها الكثير من المسؤولين العراقيين والأميركيين. وقد قتل في هذه الهجمات عدد قليل من الأميركيين. ورد الجيش الأميركي على هذه الهجمات بعمليات جوية لاستهداف المقاتلين، وظل يطلق صواريخ «هيل فير» بشكل يومي تقريبا على مدينة الصدر، والتي تعد المعقل الأساسي للمؤيدين لرجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر.

وقد قال الكثير من السكان إن العمليات العسكرية الأخيرة على مدينة الصدر لم تكن تميز بين أهدافها. وقد كانت حالات القتل في صفوف المدنيين والخراب الذي لحق بالمنازل سببا رئيسا في طلب قادة مدينة الصدر من القوات الأميركية أن تبقى على اطراف مدينة الصدر فيما يدخل الجيش العراقي الى المدينة، الأمر الذي تسبب في تقليل أعمال العنف هناك بشكل كبير. وفي قاعدة جوية فسيحة في ضواحي بغداد، يقيم إدنز وكاتزيبرجر وزملاؤهما في أماكن تحيطها حوائط تتحمل التفجيرات يلعبون الكرة الطائرة على ملاعب من الرمل. ومعظم هؤلاء الطيارين في العشرينات من أعمارهم. وفي بعض الأحيان، يكتب هؤلاء الطيارون رسائل على الصواريخ التي يضعونها في طائراتهم. فخلال زيارة لأحد الصحافيين إلى القاعدة وجد على أحد الصواريخ كلمة «حاج»، حيث يستخدم الكثير من الجنود الأميركيين هذه اللفظة للإشارة بلا اكتراث للعراقيين والعرب بصورة عامة. وقبل أن يسقط الصاروخ، كانت زهراء في طريق عودتها إلى منزلها بعد توصيل بعض الطعام إلى بعض الجيران، وكانت بالقرب من باب المنزل عندما سمعت جدتها تصيح: «ادخلي إلى المنزل». وعندما بدأت تتحرك، اصطدم الصاروخ بالمنزل ليلقي بها خلف السلم. وقد قتل في هذا الهجوم أحد أعمام زهراء وكان يبلغ من العمر 34 عاما، وجدتها، أم فاضل. يقول العم علاء راحي، البالغ من العمر 29 عاما: «لقد فطروا قلب العائلة»، وأضاف وهو يشير إلى بقع من الدماء أمام منزله: «هذه دماؤه وهناك توجد بقايا رأسه». وأشار علاء إلى كومة من التراب، فقد قام بعض الأطفال الصغار بوضع هذه البقايا في حفرة هناك. ويقول أفراد في العائلة وبعض الجيران إنهم لم يروا أي شخص في المنطقة يطلق الصواريخ. وعلق خارج المنزل علمان أسودان؛ في إشارة إلى أن هناك من قضى. وكان مكتوبا على العلمين: «قتل الاثنان بسبب قذائف أميركية جبانة».

وفي المقابل، قال الجيش الأميركي إنه أطلق الصاروخ في المنطقة في الليل لاستهداف بعض الرجال الذين قال عنهم مسؤولون إنهم كانوا يحملون بعض الصواريخ في سيارة، وقد قتلوا اثنين منهم. وقال الجيش إنهم راقبوا السيارة لعدة ساعات قبل أن يطلقوا الصاروخ، خشية أن يتم إصابة «مدنيين أبرياء». ومنذ أن زادت حدة القتال في شرق بغداد في فصل الربيع، تحلق ست مروحيات أباتشي على مدى الأربع والعشرين ساعة في السماء. ويقول مسؤولون بالجيش إنهم غالبا ما يتراجعون عن إطلاق الصواريخ، حتى عند رؤية أهداف شرعية أمامهم، لأنهم يخشون من إصابة مدنيين. ويقول الكولونيل إدنز: «كما هي الحال في كل الحروب، عندما تكون هناك أشياء خطأ، تحدث أمور سيئة. لا شك في أن هناك أبرياء قد قضوا خلال هذه الحرب القبيحة».

ولا يعمل الطيارون بمفردهم؛ ففي مركز قيادة يقع على بعد ميلين من مهبط الطائرات يقف عدد من الجنود ليراقبوا بيانات مباشرة تنقلها مروحيات الأباتشي والطائرات اللاسلكية. وتظهر هذه الصورة التي تنقلها المروحيات على شاشات تلفزيونية ويتم تبادل الرسائل على موجات الراديو بين الطيارين والجنود على الأرض. ويظل الجنود عادة يراقبون الأهداف لعدة ساعات. ويقول الميجور ويل دونينج، وهو مشرف في مركز العمليات: «التحدي الذي يواجهك هو أن المهاجم قد يطلق صاروخا وبعد هذا يتراجع إلى مرآب مثلا».

وقد تعرف حسن علي كريدي، البالغ من العمر 54 عاما، على قوة صواريخ الأباتشي في 28 إبريل (نيسان) عندما أصاب أحد هذه الصواريخ محله التجاري وبعض المحلات المجاورة. ويقول الرجل إنه كان من الواضح أن الهجوم يستهدف السيارة التي كانت تقف أمام المحل. ويتساءل أحمد عبد الرحيم، الذي يملك محلا لبيع هواتف جوالة تحطم بسبب الصاروخ: «ماذا يمكن أن نقول؟ ما الذي قمنا به لنستحق مثل هذا؟ محلاتنا الآن في خطر ولا أحد منا في مأمن».

وفي مستشفى الشهيد الصدر، قال العديد من المرضى إنهم جرحوا في هجمات جوية أميركية، ولكن لا يوجد ما يؤكد مزاعمهم، فقد يكون البعض قد جرح في صواريخ أطلقتها الميليشيات وضلت طريقها. ويرقد حسين كريم العبيدي، البالغ من العمر 37 عاما، وهناك أنبوبة بها دماء مثبتة في أنفه، وهناك أنبوبتان مثبتتان في بطنه، ومتصلتان بكيسين على الأرض أحدهما فيه دم والآخر فيه بول. يقول العبيدي إنه كان في منزله في الأول من مايو (أيار) عندما سقط صاروخ بالقرب من منزله وتسبب في تحطيم تسعة منازل. كانت أمه تقف بالقرب من سريره وتدعو على القوات الأميركية. تقول الأم: «إنهم محتلون وينظرون إلى كل من في المدينة على أنه عدو لهم. لقد أتوا لتدمير هذه المدينة وهذا ما يفعلونه».

أطلق كاتزيبرجر أول صاروخ له في الشهر الماضي، بعد أن وصل إلى العراق الشتاء الماضي. ويقول: «تتدرب على هذا لثلاث سنوات والآن ستقوم بتنفيذ ما تدربت عليه. قد تشعر بالتعجل بعض الشيء، كما هو الحال عندما يخرج اللاعب من حجرة الملابس مقبلا على إحدى مباراة. نستقل المروحية ونبدأ في التحليق وننظر لأسفل، ونقول لأنفسنا: نحن الآن في العراق. نحن لسنا في تكساس نتلقى التدريبات. الناس في الأسفل هناك سيحاولون إطلاق النار علي. هذا حقيقي».

ويضيف كاتزيبرجر أن إطلاق الصواريخ على بعض المستودعات في قاعدة تكساس خلال التدريبات كان شيئا مثيرا. «يكون هناك هذا الصوت المرتفع، صوت إطلاق الصاروخ، ووميض الضوء. بعد هذا ترى سحابة كبيرة من الدخان ثم يسود الهدوء بعض الشيء. وأردد: آمل ألا أخطئ الهدف.. آمل ألا أخطئ الهدف.. آمل ألا أخطئ الهدف. ثم بعد هذا يصيب الصاروخ الهدف. وأشعر بشيء من الرهبة».

وعند إطلاق كاتزيبرجر أول قذيفة له في العراق شعر بخطورة الأمر. ويروي أنه قال لنفسه: «استطيع أن أقوم بهذا». كان الهدف على مرمى البصر وقد حصل على تصريح من القادة الموجودين على الأرض. «لقد قمت بهذا من قبل، ومن الأفضل ألا أخطئ في هذه. إذا ما أخطأت، سأصيب بعض المواطنين».

ويشير كاتزيبرجر إلى أن الطيارين ملتزمون بقواعد صارمة، فهم يحصلون من حين إلى آخر على تقارير حول ما حدث على الأرض بعد أن يطلقوا الصواريخ. وبعد هذا، يضيف الطيار: «لا نسمع عن الحادث مرة أخرى، وربما تكون هناك بعض التساؤلات».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»