عهد لحود: اغتيالات وانفجارات ووعود لم يتحقق منها ما يذكر

دخل قصر بعبدا بمهرجانات واحتفالات شعبية.. وخرج منه وحيدا في جنح الليل

TT

على وقع التهليل والتصفيق، انتخب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. وفي منتصف ليل 23 نوفمبر 2007، خرج اميل لحود من القصر وحيدا في جنح الليل. ففي عام 1998، هلل اللبنانيون بوصول لحود الى الرئاسة، لدرجة ان الفنان اللبناني ملحم بركات خصّه بأغنية «من فرح الناس جايي» التي كانت لسان حال أغلبية اللبنانيين، الذين كانوا يتطلعون الى «الرئيس المنقذ» والواعد، لاسيما بعد سماعهم خطاب القسم الذي أيقظ فيهم آمالا كثيرة بامكان بناء دولة القانون والمؤسسات. أغدق حينها في خطابه الوعود بافتتاح ورشة اصلاحية سياسية مالية واقتصادية. وختم خطابه متوجها الى الناس بالقول: «لا تستعجلوا الاحكام على الوجوه والاسماء اياً تكن، وانتظروا الممارسة، ففيها الجواب». وبعد سنوات من الانتظار، اتى الجواب وانفجرت حملة «فل» التي قادها فريق «14 آذار» في مارس (آذار) 2006، وانتهت من دون اسقاطه.

كيف انقلب هذا المزاج الشعبي الى النقيض؟ وكيف تحوّل «المهرجان الترحيبي» الذي استقبل لحود، الى مهرجانات متنقلة تطالبه بالاستقالة؟

بداية، لا بد من الاشارة الى ان لحود افتتح عهده بحكومة اعتمدت سياسة تقشفية برئاسة سليم الحص، واستمرت سنتين اي حتى عام 2000. وقد اخرج بذلك الرئيس الاسبق للحكومة (الشهيد) رفيق الحريري من الحكم ونقله الى موقع معارض. أما حملة مكافحة الفساد في ادارات الدولة ومؤسساتها، التي افتتح بها لحود عهده فتوقفت. ولم تتخذ تدابير بحق اي موظف او مسؤول، باستثناء المدير العام للآثار آنذاك كميل أسمر.

وفي 25 مايو (ايار) 2000، انسحبت القوات الاسرائيلية من الجنوب اللبناني. وفي العام نفسه، أجريت الانتخابات النيابية التي حقق فيها الحريري فوزا لافتا، وحصل على كتلة نيابية كبيرة. فعاد الى موقع رئاسة الوزراء في العام نفسه، لتبدأ بذلك مرحلة «التعايش الصعب» و«شد الحبال»، كما كانت توصف العلاقة بين لحود والحريري. وظل الامر على حاله حتى سبتمبر (ايلول) 2004، حين مدّدت ولاية لحود بضغط من سورية، واجبرت الحريري وكتلته على التصويت لصالح التمديد بعد ان كان يعارضها، وذلك اثر عودة الحريري من زيارة الى دمشق، قيل حينها ان بشار الاسد هدده وأجبره على التصويت لصالح التمديد للحود.

وأدى هذا التمديد الى أزمة سياسية اخرجت الحريري مرة ثانية من الحكم، ليتولّى عمر كرامي منصب رئاسة الوزراء. وبعد ايام قليلة، تعرّض الوزير مروان حمادة لمحاولة اغتيال في 1 اكتوبر (تشرين الاول) 2004. وفي 14 فبراير (شباط) 2005، دوّى الانفجار الذي هز لبنان، فاغتيل الحريري ومعه 23 آخرين بين مرافقين ومواطنين. وخرج اللبنانيون بمئات الآلاف الى الشوارع ينددون بجريمة الاغتيال ويطالبون بخروج القوات السورية من لبنان واستقالة لحود.

وفي 14 مارس 2005، كانت التظاهرة الاكبر التي تشكّل بعدها ما صار يعرف بفريق «14 آذار» والتي ساهمت في اخراج القوات السورية في 26 ابريل (نيسان) 2005. ولكن قبل الخروج وبعده هزّت سلسلة اغتيالات وانفجارات المدن اللبنانية. وكان فريق «14 آذار» يوجّه دوما أصابع الاتهام الى سورية ولحود بما انه من «تركات» عهد الوصاية في لبنان.

ففي 23 مارس وقع انفجار في مركز تجاري في شارع الكسليك حيث الغالبية المسيحية، وقد قتل 3 أشخاص. وفي 6 مايو تكرر الامر في منطقة جونيه شمال بيروت فجرح 22 شخصا. وفي 2 يونيو (حزيران) اغتيل الصحافي المعارض سمير قصير في تفجير سيارته. المصير نفسه لاقاه الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي في 21 من الشهر نفسه. وكرّت سبحة الاغتيالات، ففي 12 يوليو (تموز) نجا وزير الدفاع الياس المر من انفجار استهدف سيارته، كذلك نجت الاعلامية مي شدياق في 25 سبتمبر، لكن النائب جبران تويني لاقى حتفه في انفجار في منطقة المكلّس في 12 ديسمبر (كانون الاول) من العام نفسه. اما في عام 2006، وبعد حرب تموز الاسرائيلية على لبنان، وتحديدا في 5 سبتمبر، نجا المقدم سمير شحادة من انفجار استهدفه فيما قتل مرافقوه الاربعة. وفي 21 نوفمبر، اغتيل وزير الصناعة النائب بيار الجميل.

وفي عام 2007، وتحديدا في 13 فبراير دوّى انفجار في منطقة عين علق ذات الغالبية المسيحية، استهدف باصين للركاب فقتل 3 اشخاص. وفي 13 يونيو، اغتيل النائب وليد عيدو، وتبعه النائب انطوان غانم في 19 سبتمبر. كان هذا الاغتيال الاخير في عهد لحود. قائمة الاغتيالات والهزات الامنية التي وقعت في عهد لحود، تبدو اطول من قائمة المنجزات التي وعد بتحقيقها بداية عهده. فباستثناء الانسحاب الاسرائيلي واستكمال سد شبروح الذي من المفترض ان يغذي قرى المتن وكسروان بالمياه، وانشاء طريق المتن السريع الذي يربط المتن بالعاصمة، يبدو ان عهده كان عهد الازمات بامتياز، التي من المفترض ان يتولى معالجتها الرئيس الجديد وبطريقة شرعية، بعدما كان لحود قد رمى الكرة في ملعب الجيش لدى انتهاء ولايته.