لبنان والعسكر: 3 رؤساء للجمهورية ورئيسان للحكومة

إذا انتهت السنة برقم 8.. فحظوظ الجنرالات بحكم البلاد تكبر!

TT

يبدو أن لبنان يحتاج مرة كل عشر سنوات الى حاكم عسكري أو رئيس خلفيته عسكرية. هكذا تقول ارقام التاريخ اللبناني رغم كل العداء الذي تبديه الطبقة السياسية للعسكريين عندما يقتربون من اسوار السياسة. وتقول الأرقام ايضا إن كل عام ينتهي بالرقم 8 هو رقم حظ للعسكريين، اذا توافق مع موعد انتخابات رئاسية. فالعسكريون تولوا السلطة أعوام 1958 و1988 و1998 و2008، وفشلوا في عام 1976.

لبنان والعسكر، اسم قد يصلح لرواية سياسية تحكي قصة طموح مؤسسة أضعفتها التجاذبات السياسة، فحلول قادتها ان يمارسوا السياسة من وجهة نظرهم، والتاريخ سيكون الحكم على نجاحهه أو فشلهم.

كان اللواء فؤاد شهاب أول من دشن لعبة «العسكر والسياسة» في لبنان، معطيا لعبة «المنقذ» معناها المتداول حاليا. فالجنرال شهاب اختير في عام 1952 منقذا، عندما عين رئيسا لحكومة انتقالية في سبتمبر(ايلول) 1952 بعدما اضطر الرئيس بشارة الخوري الى الاستقالة، بعد موجة احتجاجات شعبية عارمة رفضا لحكمه، فغادر بعد ثلاث سنوات على تعديله الدستور الذي لا يسمح للرئيس بولايتين متتاليتين. وفي عام 1958، لعب شهاب دور المنقذ مرة ثانية عندما انتخب رئيساً للجمهورية، خلفا للرئيس كميل شمعون، الذي اندلعت بوجهه ثورة مسلحة. وارتبط اسم شهاب بالكثير من الانجازات، فإليه ينسب الفضل الأكبر في تأسيس العديد من المؤسسات المهمة في الادارة اللبنانية، خصوصا في الجانب الرقابي. وكان شهاب هو الرئيس الوحيد الذي لم يسع ـ ولم يفكر ـ بتمديد أو تجديد ولايته الرئاسية، بل انه استقال مرة في عام 1960 قبل ان يعود عن استقالته، ويمارس صلاحياته حتى آخر يوم من دون زيادة أو نقصان.

في عام 1976، وفي خضم الحرب الأهلية حاول اللواء عبد العزيز الأحدب لعب دور «المنقذ»، فأعلن انقلابا عسكريا والسيطرة على الحكم محاولا ايقاف انقسام الجيش والحرب الأهلية، لكن مسعاه لم يستمر سوى ساعات معدودات عادت الأمور بعدها الى «طبيعتها» أي الى الحرب وقتال الشوارع والاحياء.

وفي عام 1988 ظهر «منقذ» آخر، هو قائد الجيش العماد ميشال عون الذي تلقف «كرة النار»، فقبل رئاسة الحكومة العسكرية التي أعلنها الرئيس أمين الجميل، قبيل لحظات من انتهاء ولايته وعدم التوصل الى رئيس يخلفه. انتقل عون الى قصر بعبدا وأقام فيه، وطغى على فترة اقامته في القصر الحروب، بدءا بحرب التحرير التي اعلنها على الوجود السوري مرورا بـ«حرب الالغاء» مع «القوات اللبنانية»، وصولا الى حرب اطاحته بمشاركة سورية وغطاء دولي وانتقاله الى السفارة الفرنسية لاجئا ثم الى فرنسا مبعدا.

وفي عام 1998 وصل الرئيس أميل لحود وسط حملة اعلامية شعواء، روجت له على انه «المنقذ» من الفساد والافساد. بدا واضحا ان الرئيس الجديد كان يحاول استعادة شكل من اشكال تجربة شهاب في الاصلاح. انشأ من فوره جهازا للشكاوى في القصر الجمهوري، اعتبره كثيرون اعتداء على صلاحيات الوزارات. قام بـ«كبسات» على الوزارات يتفقد اعمالها وطرح افكارا للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. ذهب لحود، لكن الاصلاح لم يتحقق لا في الادارة ولا في التقديمات الاجتماعية، ولا في الوضع الاقتصادي، رغم ان ولايته مددت ثلاث سنوات كانت بالفعل من اسوأ السنوات التي مرت على لبنان.

وفي عام 2008، أطل المنقذ الجديد قائد الجيش العماد ميشال سليمان، على صهوة توافق لبناني قل نظيره في بلد يحمل كل هذه التناقضات. اتى العماد سليمان ليعيد الى لبنان رئاسته ولمحاولة إعادة وفاقه، وامامه الكثير من الملفات الشائكة التي يجب عليه ان يعمل مع الحكومات التي ستؤلف في عهده على محاولة حلحلتها.

أما السؤال الكبير فهو: هل سيحاول العماد الرئيس لعب دور الرئيس المدني بالكامل، بعدما تعهد أمس خلال احتفال وداعه بعدم «التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية»، أم انه سينقل معه ضباطه الى الإدارة والوزارة؟ عندما اشتدت وطأة الأزمة السياسية الراهنة، تصاعدت بعض الدعوات للجيش لتسلّم الأمور، لكن العماد سليمان كان يجيب من يطرحون عليه هذا المخرج بابتسامة وعبارة وحيدة قالها لـ«الشرق الأوسط» انذاك: «هذا لبنان، والأمور لا تجري فيه بهذه الطريقة». وكان شقيقه المحافظ أنطوان سليمان قد استخف بالمخاوف من عسكرة النظام في لبنان، في حال تسلم الجنرال الرئاسة، بأن هذا أمر غير ممكن، لأن شقيقه «يؤمن ان الجيش هو حامي الديمقراطية. وهو مجاز في العلوم السياسية، وقد برهن، عبر ممارسته، حتى في الظروف القاهرة حين كان ما يسمى «هجوم العسكر» او «الانقلاب» بمتناول اليد، لولا ايمانه بالديمقراطية». ويقول إن شقيقه ديمقراطي في عمله وفي منزله، «والديمقراطية لديه فعل ايمان». وهل سيكون فريق عمله من الضباط، يقول سليمان: «ليس بالضرورة». ويضيف: «ليس كل عسكري مبعث خوف، وليس كل مدني مدرسة في الديمقراطية».