انطلاق الاجتماع التحضيري الأول لعلماء الإسلام في جدة

لتعميق الحوار بين المذاهب الإسلامية ونبذ التعصب والفكر التكفيري

TT

علمت «الشرق الأوسط» أن ثمانية فقهاء إسلاميين اجتمعوا أمس في مدينة جدة (غرب السعودية)، تحت رعاية منظمة المؤتمر الإسلامي وسط أجواء يسودها التكتم، لتحقيق التفاهم بين المذاهب الإسلامية وتعميق الحوار فيما بينها، والبحث في الأطر المشتركة بينها.

وكشف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى داخل المنظمة لـ«الشرق الأوسط» عن أن العلماء اتفقوا على وضع «مستويين» للانطلاق من خلالها في الاجتماعات الرئيسية، التي لم تحدد بعد، بهدف نبذ التعصب والفكر التكفيري.

وتلخص المستويان المتفق عليهم بين العلماء، في وضع خطة علمية فقهية تعنى بالبحث عن المساحات والدوائر المشتركة بين أصحاب المذاهب، بهدف تحقيق التعايش السلمي كمرحلة أولى.

بينما يركز المستوى الثاني على وضع آليات لتنفيذ خطة المستوى الأول وتعميمها على الدول الإسلامية لتنفيذها، مما يعني أنها الخطة التطبيقية لتصورات علماء الأمة لفكرة التقارب المذهبي، والتي أنيط بمنظمة المؤتمر الإسلامي تطبيقها بعد انتهاء اجتماعات العلماء. ويمثل المجتمعون، وهم الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي، والشيخ محمد علي تسخيري الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب في إيران، والدكتور علي أوزيك والدكتور عبد الجبار علاوي، والدكتور محمد سليم العوا، والشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة، والفقيه أبو بكر خوري، بالإضافة إلى الدكتور عبد السلام العبادي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي العالمي، المذاهب الإسلامية الثمانية التي أقرت ضمن قرارات قمة مكة الاستثنائية في 2005، إضافة إلى كونهم يملكون تأثيرا كبيرا على مستوى القيادات السياسية والشعوب في دول العالم الإسلامي. وقال السفير مهدي فتح الله، المستشار السياسي لأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي لـ«الشرق الأوسط» ان الاجتماع كان عبارة «عصف للأفكار» بين العلماء الثمانية المشاركين، موضحا أن «الاجتماع كان بمثابة طرح أفكار العلماء في مسألة التقارب بين المذاهب وليس حوارا فقهيا».

وبين السفير فتح الله أنهم اتفقوا على تقديم خطة عمل للمنظمة تعنى بـ«تعميم ثقافة الحوار بين العلماء من مختلف المذاهب إلى مستوى الشعوب الإسلامية، خلال الثلاثة أسابيع القادمة». وأضاف «وضع المجتمعون عدة أسئلة للوصول إلى تصور لتطبيق الخطة بين المذاهب، من ضمنها البحث عن الدوائر المشتركة بين المذاهب التي تنبذ التعصب وتقرب وجهات النظر، وإلغاء فكرة المذهب السائد على المذاهب الآخر، إضافة إلى الآليات الواجب توفرها لتنفيذ الخطة». وكشف السفير فتح الله، وهو المدير العام للإدارة السياسية في المنظمة، أن من الأفكار التي طرحها الفقهاء المشاركون حول الآليات تركزت في الدور الإعلامي للمؤسسات الإعلامية للدول الإسلامية في تحقيق المقاربة المذهبية، وكذلك عبر المناهج التعليمية. وكان البروفيسور أكمل الدين أوغلي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي حضر الاجتماع، الذي وصفه بـ«الأول من نوعه»، وأكد أنه يهدف إلى تلمس سبل العمل لتطبيق ما جاء في برنامج العمل العشري «الذي هو مرجعنا الأول، وستكون لهذا الاجتماع دورات أخرى في المستقبل لمواصلة مسيرتنا واستكمال عملنا للوصول إلى الغايات المرجوة».

وشدد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في كلمته التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، على أن الوقت حان لمناهضة دعوات التكفير التي وصفها بأنه «زاد رواجها في الآونة الأخيرة»، مبينا أن تلك الفتاوى كانت نتائجها وبالا على الأمة، «بما تبعها من إزهاق الأرواح البريئة، ومن فواجع وشرور مستطيرة، عمّت الخاص والعام. كما كانت فوضى الإفتاء العشوائي، مطية ركبها الغلاة للوصول إلى مآربهم بالجرأة على حرمات الدين، وتضليل العقول، وتحريف ما أنزل الله». وقال البورفيسور أوغلي إن من الواجب التنديد بالجرأة على الفتوى «ممن ليس أهلا لها، وبما يعد خروجا على قواعد الدين وثوابته، وما استقر من مذاهب المسلمين»، مضيفا «ويقتضي ذلك الالتزام بشروط أهلية الفتوى كما أقرها العلماء، وحددتها المؤتمرات والمنتديات الدولية التي عقدت لهذا الغرض مؤخرا في كل من عمان ومكة». واشار إلى أنه ينسحب على هذا السياق «ضرورة التنسيق بين جهات الفتوى في العالم الإسلامي، ودحض الفتاوى الزائفة التي تخرج عن قواعد الدين ومواجهة التطرف الديني، والتعصب المذهبي، وتشجيع الحوار بين المذاهب، وتأكيد قيم الاعتدال والوسطية والتسامح». وأضاف المسؤول الأول في المنظمة الإسلامية العالمية، أن على الجميع التأكيد على ثوابت الدين وأركانه والقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية المختلفة، وقال «هذه القواسم المشتركة التي تؤسس لوحدة الرؤى والتطلعات والمقاصد، التي هي في غالب الأحيان واحدة، رغم تباين التأويلات والتفسيرات المحتملة». ورأى أن من أهم ما ينبغي إبرازه والتركيز عليه هو «استعراض الواقع الماثل الذي يتجلى في التعايش بين المذاهب الإسلامية المختلفة، الذي لم يعرف قط الممارسات الإقصائية، بل كان يتسع صدره لتعدد وجهات النظر التي اعتبرت من باب الإثراء والغنى أكثر منها من باب النفور والصدام». موضحا أن التاريخ الإسلامي حفل على مدى عصوره المختلفة بنماذج رائعة من هذا التعايش، «ليس في ما بين المذاهب الإسلامية فقط، بل ومع الديانات السماوية الأخرى، التي أفرد لها الإسلام نظما سامية في حسن الاعتبار والحفاظ على الحقوق واحترام المعتقدات والتقاليد مع معارضتها لأحكام الشريعة الإسلامية». وأكد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن من أسباب الشقاق بين المذاهب لا علاقة لها بجوهر الدين والعقيدة، «وإنما تنبع من اعتبارات ذاتية سياسية كانت أو عرقية أو غيرها»، مشددا في هذا السياق، أنه من الواجب التنبيه على ضرورة «عدم تسييس المذاهب، أو ربطها باعتبارات لا علاقة لها بالدين». وقال «لأن خلط الدين بالتسييس القائم على اعتبارات دنيوية خاصة، مجلبة للشقاق والخصام، تكون مصالح المسلمين هي الضحية الأولى لها». وأضاف مخاطبا العلماء «وقد رأينا في الماضي القريب في العراق وغيره ما يسببه تسييس المذاهب، التي كانت متآخية عبر حقب التاريخ الطويل، من ويلات وشرور ودمار». يشار إلى الاجتماع التحضيري للتقريب بين المذاهب، يأتي تنفيذا لقرارات الخطة العشرية لقمة مكة الإسلامية الاستثنائية، خلال انعقادها في مكة المكرمة سبتمبر (أيلول) 2005، والتي شهدت تناول أهم قضايا الأمة المعاصرة وأحد أشكالها قضية الخلافات بين أصحاب المذاهب الإسلامية.

وتتعاون منظمة المؤتمر الإسلامي في تنظيم الاجتماعات التحضيرية، التي ستتم على مراحل بحيث تبدأ المرحلة الثانية بعد شهر من تاريخ الأمس، مع مجمع الفقه الإسلامي العالمي.

وبالعودة للسفير فتح الله، شدد على أن الاجتماعات التحضيرية للفقهاء المسلمين «لا تتناول الثوابت لدى المذاهب أو الفروق بينها»، مشيرا إلى أن الاجتماعات تأتي استكمالا لمؤتمرات ونقاشات سابقة، جمعت النخبة من فقهاء الدول الإسلامية.

وأفاد المستشار السياسي لأمين منظمة المؤتمر الإسلامي بأن «الدور المنوط بالمنظمة، بعد إعداد الخطة العلمية للعمل، يتمثل في النزول، بما توصل إليه العلماء، إلى مستوى الجماهير».