الناصري: الحقل الحزبي المغربي مريض ويحتاج إلى العلاج.. والمواطنة لا تنشأ بقرار إداري

وزير الإعلام المغربي: المغرب يعيش متسعاً من الحريات لكن تدبيرها غير منتظم

خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية ومحمد مرزاق، رئيس جامعة القاضي عياض بمراكش (تصوير: مولاي عبد الله العلوي)
TT

قال خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن «الحقل الحزبي المغربي مريض، وفي حاجة إلى علاج، وليس إلى القتل». وأرجع الوضعية التي تعيشها الأحزاب المغربية إلى كونها «لم تستوعب أنها صارت مطالبة بتقديم أجوبة تختلف عن أجوبة عقد الثمانينات من القرن الماضي»، قبل أن يستدرك قائلا: «إن الإنسان الذكي هو الذي يعي تطور التاريخ».

وأشار الناصري الذي كان يتحدث نهاية الاسبوع الماضي، في محاضرة احتضنتها جامعة القاضي عياض بمراكش، في إطار الدورة التاسعة من سلسلة محاضرات كرسي ابن رشد للدراسات المتوسطية، إلى أنه «في وضعنا السياسي الراهن، هناك شبه قناعة، ربما، لا شعورية وسط المجتمع، بأن السياسة أضحت شيئاً قدحياً، وبضاعة رديئة، وشيئاً قذراً، وذلك ما هو إلا نتاج للفهم المغلوط، فلسفياً ومنهجياً وممارسة، لدلالات السياسة».

وبخصوص النقاش المتواصل حول ظاهرة العزوف الانتخابي، قال الناصري «ربما، أن التعبير عن المواطنة هو تعبير أرقى لدى من يصوت، من التعبير، الذي قد يكون سياسياً، لدى من لم يصوت». وقال محذراً: «اننا إذا لم نلتفت إلى العزوف الانتخابي كظاهرة، ولم نتخذ تدابير فكرية وحوارية وتربوية وتواصلية، فإن نسبة العزوف في انتخابات 2009 قد تكون أقوى من نسبة 2007». وشدد على القول «إن من واجبنا، كمثقفين ووطنيين، أن ندق ناقوس الخطر وألا نستمر كأن شيئاً لم يكن».

وانتقد الناصري، بعض وجهات النظر المشككة في مسلسل الانتقال الديمقراطي، واعتبرها «لا ترقى إلى مستوى جدية التحليل»، قبل أن يتابع قائلاً: «هناك انتقال، وأقول انتقال ديمقراطي لأني لم أرد أن أقول إن المغرب يعيش في الديمقراطية، فلو كنا وصلنا إلى الديمقراطية لما كنت في حاجة للحديث على أننا في انتقال ديمقراطي، لكن، أن نقول إننا لسنا في انتقال ديمقراطي، فذلك إخفاء للشمس بالغربال». ومضى الناصري يقول: «لا أومن إطلاقاً بأن من يسعى للديمقراطية يمكن أن يتجنى في حق الحرية، فالحرية هي مدخل للديمقراطية، كما لا أتصور أن مناضلاً من أجل الحرية يمكن أن تكون له مواقف لا وطنية».

وبعد أن ذكر بأن «الشعب المغربي أدى ثمن الانتقال غالياً»، قال إن «من ينفي الانتقال الديمقراطي إنما يسب الشعب المغربي». وبصدد تقييمه لمسلسل الانتقال الديمقراطي، قال الناصري: «لقد حققنا أشياء وما زالت أمامنا أشياء أخرى علينا أن نحققها. عندنا حريات وديمقراطية بمشاكلها، كما أن المغرب يعيش طفرة تاريخية معقدة وحقيقية، ولكنها تتسم بشيء من التبعثر ورغم تبعثرها فهي مؤطرة، وهذه تبقى مفارقة».

وتوقف عند واقع البناء الديمقراطي، ملاحظاً أن «المغرب بلد يبني الديمقراطية، لكن في ظل استقالة النخب»، حيث أن هذه «النخب المغربية، على العموم، قدمت استقالتها، وتعتبر نفسها غير معنية، وهذا إشكال ليس فقط، في الديمقراطية، ولكن أيضاً، في المواطنة». وأضاف الناصري أن الواقع الحالي أفرز مفارقات كثيرة تتمثل في أن المغرب يعرف الاستقرار، لكن بذور اللا استقرار موجودة وتتحرك، والمغرب بلد في تقدم، لكن، رغم التقدم هناك العديد من الإخفاقات، والمغرب يعيش متسعاً من الحريات، لكن تدبيرها غير منتظم، والمغرب بلد ممأسس (قائم على المؤسسات)، لكن جزءاً منه يظل خارج المؤسسات».

وتحدث الناصري عن استراتيجيته في قطاع الإعلام، وقال: «عندي استراتيجية تقوم على الاستمرار على نهج بناء الديمقراطية، وتوسيع مجال ممارسة حرية التعبير والرأي والصحافة». في مقابل ذلك، شدد على أنه من الذين يقولون ان «المواطنة تقتضي أن نتعامل مع الحرية على أنها ممارسة للمسؤولية»، ملاحظاً أن «هناك بين الصحافيين من لم يعد يطيق أن يسمع الحديث عن الأخلاقيات». ورأى أن «من يعتبر أن الأخلاقيات والمسؤولية هما نقيضان للحرية لا يفقه شيئا لا في الحرية ولا في الأخلاقيات، فالحرية هي ممارسة كبيرة للمسؤولية». كما تحدث عن مفارقة كبرى، تتمثل في أن «حرية الصحافة في المغرب واسعة جداً» في مقابل «فوضى مطلقة»، ملاحظاً أن «مَنْ يقرأ الصحافة اليوم يلحظ مجموعة أشياء».

وتابع قائلاً: «لا ديمقراطية دون صحافة ملتزمة، وأنا من الذين يقولون إن الصحافة فاعل سياسي، ومن يقل عكس ذلك لا يفقه شيئاً لا في السياسة ولا في الصحافة».

وتحدث الناصري عن الحوار الاجتماعي، فقال إن «الحكومة قدمت تنازلات مهمة، ليس لفائدة النقابات بل لصالح الفئات الشعبية»، قبل أن يستدرك: «ولكن، هذه التنازلات ليست منة، والشعب المغربي يستحق كل خير، غير أن الظروف الراهنة صعبة». وفي ما يتعلق بالقضاء، أعلن أنه سيظل يدافع عن «استقلال القضاء والقضاة»، و«أن تضطلع كل سلطة بوظيفتها دون المساس باختصاصات السلطة الأخرى». وبخصوص علاقة تجربته السياسية بمسؤوليته الحكومية، قال الناصري: «كنتُ مناضلاً في المعارضة، والآن أنا مناضل في المواقع الحكومية، ولو اعتبرت بأن هناك تناقضاً ما بين وظيفتي كوزير يباشر الشأن العام، وقناعاتي الحزبية لوضعت حداً لمهمتي كوزير». وحول وضعية اليسار المغربي، قال الناصري إن «اليسار جزء من هويتي، وأنا من الذين ما زالوا مقتنعين بأن اليسار ما زال محملاً بمشروع كبير».

وفي معرض تعقيبه على أسئلة الحاضرين، تساءل الناصري «هل باسم الحريات، التي علينا أن نصونها، يجب أن نسمح لمن يهدم الأرضية الوطنية للبلاد بأن يستمر في العمل؟ هذا سؤال فلسفي وسياسي يجب أن نجيب عنه، وجوابي معروف وهو أن الشعب المغربي أدى الثمنَ غالياً للدفاع عن صحرائه، ولن يسمح بأن تكون الصحراء مطية لأطماع جيو ـ سياسية لدولة مجاورة، أما جبهة البوليساريو فهي مجرد غطاء لجهاز عسكري في دولة شقيقة، سامحها الله».

وكانت المحاضرة التي القاها الناصري بعنوان «إعادة بناء المواطنة: السياق والفاعلون»، قد انطلقت على إيقاع تفكيك العنوان في استحضار للسياق العام الذي تخوض فيه، حيث قال الناصري «أنا أتحدث عن إعادة بناء المواطنة وليس عن بناء المواطنة، لأني أعتقد بأنه كان هناك في وقتٍ ما تعامل مواطن في مستوى أرفع وأجمل من المستويات التي نعاينها اليوم، وبتعبير آخر، أنا أرى أن هناك مشكلة مواطنة في المغرب، وهي مشكلة جدية، وتستدعي أن نفهم آلياتها ومرتكزاتها، وأن نبحث عن أنجع الوسائل لمعالجته».

ودعا الناصري إلى «وضع حدٍّ نهائيٍّ للمقاربة الميكانيكية للديمقراطية»، معتبرا اختزال كل الديمقراطية في الآليات، خطئا مذهبيا جسيما. فالديمقراطية، في نظره، هي مقاربة ومجهود ودينامية وثقافة ومواطنة، وهي وضع اليد في اليد من قبل كل الفاعلين». وأضاف الناصري ان «هناك مَنْ يطرح اليوم، مفهوم «الديمقراطية التشاركية»، وأنا أرى أن هذا إطناب، وأكاد أقول لسنا في حاجة إليه، ما دام أن الديمقراطية لا تحتاج أن نضيف إليها كلمة «تشاركية»، فالديمقراطية إما أن تكون تشاركية أو لا تكون».

وتحدث الناصري ايضا عن مثلث منهجي لا يقبل الانفصام بين مكوناته، يتمثل في الدولة والمواطن والسياسة، مشدداً على أن «إشكالية المواطنة في المغرب تستحق أن يُلتفت إليها، وأن يُبحث لها، من خلال النقاش الديمقراطي الواسع، عن أنجع السبل لمعالجتها وتجاوز اختلالاتها»، مشيراً إلى أن المواطنة، كمفهوم وفلسفة، يمكن تصنيفها في ثلاث قيم متقاربة، هي الوطنية والحرية والديمقراطية.

وبعد أن شدد على القول ان المواطنة هي «الرغبة في أن نعيش موحدين في نطاق التآزر»، مشيراً إلى أنه يقصد بالبعد التاريخي أن «المواطنة تتهيكل في سياق مجموعة من التراكمات الممتدة عبر مراحل تاريخية، فنحن لا ننشئ المواطنة بقرار إداري»، وعلى مستوى البعد الثقافي، لاحظ أن «المواطنة تختزل، بطبعها، التراكمات الفلسفية والآيديولوجية للمجموعة البشرية المعنية بالأمر». أما على مستوى البعد السياسي، فرأى أن «المواطنة تعبر عن نفسها في مقاربة إرادية نُصَرفها في المعيش اليومي».