لبنان يطوي صفحة فراغ رئاسي استمر 6 أشهر: سليمان رئيساً بـ118 صوتا.. وتحفظ على الآلية الدستورية

بري يعتبره الأجدر لإدارة الحوار حول «الاستراتيجية الدفاعية» * أمير قطر: صيغة لا غالب ولا مغلوب تؤجل الخلافات ولا تنهيها

الرئيس ميشال سليمان يلقي كلمته بعد القسم في حضور كبار الشخصيات العربية والأجنبية داخل البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)
TT

طوى لبنان امس صفحة «الفراغ الرئاسي» بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للبلاد بعد ستة اشهر ويوم من شغور منصب الرئاسة. وينتقل الرئيس الجديد صباح اليوم الى القصر الجمهوري بعدما حظي بشبه اجماع اعضاء مجلس النواب (118 صوتاً من اصل 127) اذ حرص المتحفظون التسعة على حصر تحفظاتهم بآلية الانتخاب التي اعتمدها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتخطي نص الدستور حول ضرورة استقالة الموظف الرسمي قبل سنتين على الاقل من انتخابه رئيسا للجمهورية وعدم اصغائه الى مطالباتهم بتعديل الدستور لهذه الغاية.

وكان مجلس النواب انعقد امس برئاسة وحضور كافة اعضائه الاحياء (127 نائبا من اصل 128). وبعد ان تليت الفقرتان الاولى والثانية من المادة 49 فالمادتان 74 و75 من الدستور والمادتان 11 و12 من النظام الداخلي، باشر المجلس بانتخاب رئيس الجمهورية، وبعد فرز الاصوات نال العماد سليمان 118 صوتا. ووجدت ست اوراق بيضاء. فيما وردت ورقتان واحدة تحمل اسم النائبين السابقين نسيب لحود وجان عبيد، وورقة كتب عليها: رفيق الحريري والنواب الشهداء.

وكان النائب بطرس حرب القى مداخلة في بداية الجلسة اكد فيها التزامه تأييد العماد سليمان «رئيسا للجمهورية اولا» مشيرا الى ان اعتراضه «ينحصر في الآلية المعتمدة لانتخاب الرئيس المنتظر». ودعا الى تعديل المادة 49 من الدستور اللبناني لتخطي مهلة الشهرين.

وتحدث الرئيس السابق للمجلس حسين الحسيني فدعا الى «تعليق العمل بالمادة 49» رافضا ترك «علامات استفهام تضر بهذا الجهد بالذات».

بدورها، القت النائب نايلة معوض قبل بدء عملية التصويت مداخلة استغربت فيها «اصرار بعض الفئات في المعارضة على هذه الآلية». وعبرت عن تحفظها «الكامل والشديد» على هذه الآلية «لان انتخاب العماد ميشال سليمان من دون تعديل دستوري يشكل خرقا للدستور». وكانت كلمة أخيرة للنائب جورج عدوان، عضو في كتلة القوات اللبنانية، قال فيها ان كتلته تتحفظ على طريقة التصويت من دون تعديل الدستور.

وبعد ان اصطحب بري الرئيس المنتخب الى المجلس وتلاوة الاخير «القسم الدستوري» ثم خطاب القسم، هنأ رئيس مجلس النواب سليمان بانتخابه رئيسا للبلاد «في لحظة تاريخية تعبر عن اتفاق وتوافق ومحبة وتسامح بين الجميع. وتؤسس لاستعادة لبنان الاستقرار الشامل في نظامه العام واستعادة حياته السياسية ودوره في نظامه العربي والمتوسطي والدولي». واشار الى «مصادفة» جلسة الانتخاب الرئاسية الذكرى الثامنة لعيد التحرير و«انتصار مقاومة شعبنا البطلة واندحار الجيش الاسرائيلي عن معظم ارضنا باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وفي الذكرى السنوية الاولى لمعركة نهر البارد وانتصار جيشنا الباسل على الارهاب والجريمة المنظمة، لنجعل هذا اليوم كذلك عيدا للانتصار على الخوف والفتنة والهواجس والفوضى وعيدا للوحدة الوطنية».

وأشاد بري بدور مجلس النواب، مسجلا «لمرة واحدة، وقد تحملنا الكثير، ان المجلس لم يكن مخطوفا ولم يكن مغلق الابواب. وكان اختيارنا دائما احترام الدستور والنظام». وقال: «لم يكن مجلس النواب وحده يسلك طريق الجلجلة الى خلاص الوطن، حيث دفع قادة سياسيون وقادة رأي وضباط لامعون وقادة مجاهدون لبنانيون ارواحهم في مسلسل الاغتيالات الذي استهدف النظام الامني والسياسي في لبنان. كما سقط على نفس الطريق مواطنون ابرياء استهدفهم مسلسل تفجيرات مجرم تنقل في عدد من المناطق. وعلى طريق الخلاص دفع مقاومون مجاهدون وجنود بواسل ارواحهم وهم يتصدون للعدوانية الاسرائيلية كما للارهاب من الجنوب الى الشمال. ففي الجنوب، سطّر المقاومون اروع اساطير البطولة، واثبتوا مجددا عجز القوة الاسرائيلية عن تحقيق اهدافها في تشويه لبنان وجعله هامشا ورصيفا لمشاريع التوطين، عبر شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وفي الشمال سطّر ابناؤنا الخلص من ضباط وجنود الجيش اللبناني البواسل اروع البطولات بمواجهة الارهاب والجريمة المنظمة في مخيم نهر البارد. وحاولت جعله قاعدة ارتكاز للارهاب في لبنان».

واضاف: «اليوم وقد عادت تهديدات الرسائل الصوتية بجعل لبنان ساحة للارهاب عبر تهديد امننا الوطني وكذلك قوات اليونيفيل واستهداف جيشنا الباسل نقول: ان وحدتنا كما جيشنا هما اساس منعتنا وان احدا في الدنيا لن يمكنه جعل لبنان ساحة للموت لان لبنان لن يكون الا حديقة للحياة الكثيرة والمزدهرة».

واعتبر بري «ان المجلس النيابي يستطيع ان يفاخر بانه في الازمات تحول الى رمز للحوار الذي انجز ستين بالمائة من العناوين التي طرحت عليه وضمنها عناوين شائكة كانت مصدر قلق بينها المحكمة الدولية، والعلاقة مع الشقيقة سورية، وتنظيم الوجود الفلسطيني». وقال: «بقي على جدول اعمال مؤتمر الحوار امران انجزنا واحدا منهما اليوم، وهو الاستحقاق الرئاسي. وبقي موضوع الاستراتيجية الدفاعية الذي لن يجد اجدر من فخامتكم لادارة حوار حوله وصولا الى حفظ سيادة لبنان واستقلاله ضد العدوانية والاطماع الاسرائيلية».

وبعد ان توجه بري بالشكر بالاسم الى قيادات ودول عربية غربية لدورها في الحل اللبناني، شكر الولايات المتحدة «في كل حال وعلى اي حال، نظرا لأنها اقتنعت بان لبنان ليس المكان المناسب لمخاض مشروعها للشرق الاوسط الكبير الذي لن يجد له، برأينا، مكانا مناسبا لآلام الولادة وللولادة في الشرق الاوسط».

ثم القى امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي حضر الجلسة، كلمة رأى فيها ان لبنان انتهى من «ازمة خطيرة كادت تهدد كيانه في ظروف لم تعد تحتمل انفراط الاوطان». وقال: «مع ان لبنان شهد الكثير من الازمات، فان رجائي ان تكون هذه الازمة الاخيرة منعطفا يباعد بين لبنان وبين مزالق الفتنة». واشار الى «قاعدة في السياسة اللبنانية تعتبر حلول الازمات اخذا بمبدأ لا غالب ولا مغلوب» وقال: «اسمح لنفسي هذه المرة بان اقول ان ما توصلنا اليه، ما توصلتم انتم اليه في الدوحة قبل ايام، لا بد ان يكون خروجا على هذه القاعدة الداعية للتحفز والتوتر والاحساس الدفين بأن الفتنة قائمة حتى وان كانت نائمة. فصيغة انه لا غالب ولا مغلوب تبدو انها تؤجل الخلافات ولا تنهيها وتزيح المشاكل ولا تحلها (...) ان مخاطر الاحوال الراهنة في العالم العربي وحوله، لم تعد تسمح بوجود اطراف يتجدد بينها الخلاف، ما بين حين وآخر. فقد بلغنا حافة لم تعد فيها الامور خلاف اطراف، وانما مصير اوطان. وعند هذا الخطر امن الاوطان وليس خلاف الاطراف اصبح لزاما علينا ان نحسم ونقطع ونقدر ونتصرف بجسارة، على اساس ان هذه الازمة الاخيرة، انتهت فعلا، بغالب ومغلوب... الغالب هو لبنان، والمغلوب هو الفتنة. وهذا ما ينبغي ان يكون واضحا للجميع، اليوم وغدا والى الابد».

ورأى الشيخ حمد ان نجاح اتفاق الدوحة يعني «ان النظام العربي نجح لانه استطاع ان يتجاوز ظروف الخطر، وان الدول العربية الكبيرة نجحت لانها استطاعت ان تذلل العقبات، وان الامة نجحت لانها عند حافة الهاوية، احاطت بالازمة، وسحبتها من الخطر الى ساحة الحوار، ومن الفرقة الى مجال التوافق، حتى تستطيع الارادة الواعية ان تؤكد حق الحياة والتقدم، حق الحرية والازدهار».

وقال: «انني حضرت مع شعب لبنان ساعة الحرب قبل عامين، ورأيت شجاعة المقاومة، حينما كانت المقاومة ضرورية. واليوم بعد عامين يتاح لي ان اعود الى لبنان، والى هذا المكان، وان ارى شجاعة الحكمة عندما اصبحت الحكمة لازمة. وفي الحالتين، فانني فخور، لانكم اتحتم لي فرصة وشرف ان ارى لبنان في الحالتين. وقد كان عظيما في مقاومته، في تلك الساعة قبل عامين، كما هو عظيم في حكمته في هذه الساعة وبصورة هذا الاجتماع ودلالته».