10 رؤساء طبخوا في الخارج.. واثنان فقط «صنعا في لبنان»

سعد الحريري مع الشيخ عبد الله بن زايد في طريقهما للبرلمان أمس (أ. ف. ب)
TT

كشف الحشد الكبير من الممثلين العرب والاجانب الذين حضروا جلسة انتخاب العماد ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، مدى الاهتمام العربي والدولي بهذا الاستحقاق. وهو اهتمام لم تخل منه الاستحقاقات الرئاسية الاحد عشر السابقة. ويكفي ان نعود الى بداية الحقبة الاستقلالية كي ندرك حجم التأثيرات الخارجية على «صناعة» الرؤساء وكيفية وصولهم الى المنصب الاول. ففي العهد الاستقلالي الاول انحصرت معركة الرئاسة بين بشارة الخوري، تحت شعار الانفتاح على الدول العربية والتناغم مع السياسة الانجليزية، واميل اده تحت شعار المحافظة على بعض الاواصر مع الفرنسيين الذين انتدبوا على لبنان لمدة 23 عاماً (1920 ـ 1943). ولما شعر هؤلاء بميل الدفة لمصلحة الخوري طرحوا فكرة انسحاب المرشحين الاثنين لمصلحة مرشح ثالث هو كميل شمعون كما كان يضمر الفرنسيون. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن الفرنسية ففاز الخوري على اده بـ 44 صوتاً مقابل 11. وهو ما ازعج الفرنسيين الذين لم يكونوا قد جلوا عن لبنان، فامر المفوض السامي الجنرال هيللو بسجن رئيسي الجمهورية والحكومة وعدد من الوزراء وتعليق الدستور وتعيين اميل اده رئيساً للدولة، الامر الذي اشعل الشارع اللبناني وعجل في جلاء الفرنسيين عن لبنان في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1943. وفي العام 1947 تم التجديد للخوري ست سنوات جديدة بعد انتخابات نيابية، بدعم انجليزي وعربي. ولكن التزوير الذي رافق الانتخابات وانتشار الحديث عن الفساد، ومن ثم اغتيال شريكه الاستقلالي رئيس الحكومة رياض الصلح، الّبت المعارضة عليه واسقطته في الاضراب العام المفتوح في 16 سبتمبر (ايلول) 1952.

وما لم يحققه كميل شمعون في العهد الاستقلالي الاول حظي به في العهد الثاني بدعم انجليزي هذه المرة بعد سحب المرشح المنافس له يومذاك النائب حميد فرنجية، وانسحاب المرشح غير المعلن قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب. وقد حصل شمعون على 74 صوتاً من اصل 76 صوتاً عدد اعضاء مجلس النواب حينها. واستطاع بدهائه السياسي ان يجمع بين «فتى العروبة الاغر» وحليف الغرب المميز. ولكن ما لبثت السياسات الخارجية ان «كربجت» العهد وعطلت حركته، مع تناقض المصالح القومية العربية والمصالح الغربية خلال العدوان الثلاثي الغربي على مصر عبد الناصر. وقد تحول هذا التناقض الى اشتعال معارضة مسلحة ضد شمعون وجدت دعماً لها من «الناصرية» فاستنجد الرئيس بالاميركيين بموجب مبدأ ايزنهاور القائم على تعهد الولايات المتحدة بتقديم المساعدة العسكرية لكل بلد يتعرض لاعتداء شيوعي بشكل مباشر او غير مباشر. فجاء وكيل وزير الخارجية الاميركي روبرت ميرفي بعد نزول «المارينز» على الشواطئ اللبنانية ليهندس بالتواصل مع الحكم ومعارضيه حلاً قضى بالاتيان بقائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية حيث فاز بـ 48 صوتاً من اصل 56.

وربما كان العهد الاستقلالي الرابع (عهد شارل حلو) الاقل مداخلات وتأثيرات خارجية، فجاء استكمالاً للمرحلة الشهابية في ظل استمرار السياسة التي املت مجيء فؤاد شهاب الى الرئاسة، فحصل على 92 صوتأً من اصل 99.

وعلى اثر انحسار التأثير الناصري عن الساحة اللبنانية في السنة الاخيرة من عهد شارل حلو، بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، وغرق السياسة الناصرية في الرمال اليمنية، تشكل «الحلف الثلاثي» المسيحي (كميل شمعون ـ ريمون اده ـ بيار الجميل) للانتقام من «الشهابية» و«الناصرية» وخصوصاً بعد ولادة «اتفاق القاهرة» على يد الرئيس المصري والذي يقضي بالسماح للمقاومة الفلسطينية بالحركة في منطقة محددة في الجنوب اللبناني عرفت يومها بـ«فتح لاند». وقد تمكن كل من وحَّدتهم «المصيبة» من ايصال مرشح «الوسط» سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية في ظل غياب الضغوط الخارجية الى حد كبير. وقد نال فرنجية يومها 50 صوتاً مقابل 49 لخصمه الياس سركيس. وكاد «نصف الصوت» ان يتسبب بمشكلة كبرى لولا تدخل العقلاء.

وفيما بدأ فرنجية عهده مدافعاً عن القضية الفلسطينية انتهى طرفاً في صراع دموي مع المقاومة الفلسطينية مدعومة من الحركات اليسارية. وكان ذلك ايذانا باندلاع الحرب الاهلية التي ادت الى دخول الجيش السوري عام 1976. وفي ظل وجود هذا الجيش المغطى اميركياً والمتغاضى عنه اسرائيلياً، تم انتخاب الياس سركيس (وكان حاكماً لمصرف لبنان المركزي) رئيساً للجمهورية تحت القذائف. وقد استمر عهده على هذا الايقاع حتى اختتم بالاجتياح الاسرائيلي للبنان ووصوله الى قلب بيروت وطريق بيروت ـ دمشق. ولم يكن مفاجئاً لاحد انتخاب بشير الجميل تحت التأثير الاسرائيلي، الامر الذي عجل في اغتياله قبل ان ينجز انفتاحه على العالم العربي، وليتلقف شقيقه امين الجميل «كرة النار»، فانتخب بـ77 صوتاً من اصل 99، بعد انسحاب كميل شمعون من المعركة، وغياب اي تأثير عربي على الساحة اللبنانية.

وبعدما عجز الجميل عن اقناع السوريين بالتجديد له اخلى الساحة للحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون الذي سارع الى خوض «حرب التحرير» ضد سورية فكان الاتفاق السوري ـ الاميركي وحتى الاسرائيلي الذي انتزعه من قصر بعبدا بالقوة، والذي ادى الى «اتفاق الطائف» الذي توج بانتخاب رينيه معوض رئيساً بغالبية 47 صوتاً من اصل 52 حضروا الجلسة. وبعد اغتيال معوض بالسرعة نفسها التي اغتيل فيها بشير الجميل، فرض التوافق المشار اليه الياس الهراوي رئيساً. وجدد له نصف ولاية من دون معارضة فعالة خارجية او داخلية.

وبحكم استمرار النفوذ السوري جيء بقائد الجيش اميل لحود رئيساً للجمهورية. وجرت تسميته خلال اللقاء الشهير بين الرئيسين اللبناني والسوري في العاصمة السورية.

وقبيل انتهاء الولاية الاولى للحود بدأت الرياح الخارجية تتغير فتفكك التوافق السوري ـ الاميركي وبدأ الصراع السوري ـ الاميركي الطاحن على الساحة اللبنانية منذ التمديد القسري للرئيس لحود الذي امضى سنواته الممددة شبه وحيد في قصر بعبدا، ليخلفه «فخامة الفراغ» في كرسي الرئاسة الاولى حتى الامس تحديداً حيث انتخب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً بتوافق عربي لم يغب عنه الغطاء الدولي والمحلي.